بقلم سليمان الحكيم | الأحد ٢٢ نوفمبر ٢٠١٥ -
٥٠:
١٠ ص +02:00 EET
سليمان الحكيم
بعد كارثة إسقاط الطائرة الروسية. خرجت علينا أصوات بعضها مقترحا. والآخر مطالبا بوضع مطار شرم الشيخ تحت الرقابة الدولية لطمأنة شركات السياحة العالمية وعملائها من السياح بتوفر الأمان اللازم للجميع. وما كان لمثل هذا الاقتراح - أو المطلب- أن يأتينا لو كانت أجهزة الأمن المصرية تتمتع بالسمعة الطيبة وحسن السير والسلوك فى الأوساط الدولية. ولأنها قد افتقدت هذه السمعة بسبب الفساد الذى غمر أركانها ففاحت رائحته حتى أزكمت أنوف الجميع هنا وهناك.
ولم يعد أمامنا - كما يرى البعض - إلا الرضوخ لمثل تلك المطالب التى لم يعُد لنا من سبيل إلا الرضوخ لها لضمان الإبقاء على شرم الشيخ (مدينة للسلام) ومقصدا سياحيا. يمثل الدجاجة التى تبيض الذهب فى خزانة الدولة المصرية. رغم ما تمثله هذه الخطوة من وصايا واضحة على شؤون الأمن المصرية. والأهم هو ما قد تجره من مخاطر على سيناء كلها والتى تمثل مطمعا واضحا لكثير من الدول أو الجهات التى تقف فى الصف المعادى لنا ضمن مخطط يجرى الحديث عنه علانية فى أروقة السياسة كسيناريو للحل النهائى لقضية الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل!
هكذا أصبح علينا أن نقايض على شرم الشيخ بسيناء وأن نختار إحداهما وندع الأخرى. فإذا تمسكنا بشرم الشيخ فقدنا أهميتها السياحية. وإذا فرطنا فيها لشركات الأمن الدولية التى لا نضمن ولاءها، فقدنا سيناء كبوابة استراتيجية لمصر. فمن الذى وضعنا فى هذا المأزق التاريخى.
والذى أصبح لزاما علينا أن نفاضل فيه بين ذراع مصر وقلبها؟ هل كنا نتعرض لمثل هذا لو كانت أجهزة الأمن المصرية تحظى بالثقة والكفاءة التى لطالما ندينا بها ضمن مبادرة وطنية لإعادة هيكلة الشرطة وتخليصها من كل ما علق بها من أدران عبر عقود مضت جرى فيها تحميلها بكل الملفات. سياسية ودينية واقتصادية واجتماعية حتى تعيين البوابين بالعمارات أصبح مسألة أمنية حين أصبح جهاز الأمن مسؤولا عن الدولة أو بديلا لها. بدلا من أن تكون الدولة هى المسؤولة عن الأمن. الدولة مسؤولية الأمن وليس الأمن مسؤولية الدولة. فضمرت الدولة واكتظ الأمن وترهل فانسدت شرايينه بكليسترول الفساد.
وأصابت أفراده جراثيم الغرور والغطرسة. فتنازلت له الدولة صاغرة عن الكثير من مسؤولياتها مقابل ما يوفره لها من استقرار وهمى. يسمح لها بطول البقاء حتى وقعت فى وهم أن طول بقائها شهادة بنجاح الأمن فى مهمته فمنحته المزيد من ثقتها فضلا عن إمكانياتها التى استأثر بها دون بقية مجالات أخرى أكثر أهمية وخطورة.
دون أن تتنبه للنيران التى تتأجج تحت الرماد فحدث ما حدث فى يناير. فكان على الدولة أن تسترد مسؤولياتها من قبضة الأمن. وأن تتخلص من سلبياته التى هددت بزوالها فى لحظة تاريخية قام فيها الجيش بمسؤولياته انتظارا لعودة الأمن ليس فقط كجهاز من أجهزة الدولة بل كحالة مجتمعية يسودها العدل والمساواة وعدم التمييز. كان ينبغى أن يكون حادث الطائرة الروسية مناسبة لإعادة التفكير. وفرصة أخرى لترتيب البيت. ولكن ما نراه حتى الآن هو بقاء الأمر على ما هو عليه، وعلى المتضرر أن يلجأ للدعاء طلبا لرحمة ربنا!.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع