الأقباط متحدون - هجمات باريس تحدد ساعة صفر الحرب على سوريا
أخر تحديث ٠٤:٤٧ | الأحد ٢٢ نوفمبر ٢٠١٥ | ١٢ هاتور ١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٥٤ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

هجمات باريس تحدد ساعة صفر الحرب على سوريا

عادل حمودة
عادل حمودة

 ■ الخطة خرجت من البنتاجون وينفذها حلف الأطلنطى بغزو برى عبر الحدود التركية والعراقية تحت مظلة التحالف الدولى

 
■ الهدف: إجلاء داعش وإسقاط الأسد وتقسيم سوريا وإعلان الدولة الكردية
 
■ وزير الخارجية الفرنسى الأسبق رولان دوما: تحويل الثورة فى سوريا من ثورة سلمية إلى ثورة مسلحة منح داعش قوة هائلة
 
لو سئل مواطن فرنسى عن أقرب مدينة إسلامية إلى باريس لسمعت إجابة غير متوقعة : مرسليا أو بروكسل!.
 
الإجابة دقيقة.. بل.. وواقعية.
 
إن عدد المسلمين ــ المشهور عنهم الإفراط فى الإنجاب ــ يزيد يوما بعد يوم عن عدد غيرهم من الاوروبيين الذين يتجنبون الزواج ويترددون فى الإنجاب ويفضلون الحياة فى أسر صغيرة.
 
وكان ممكنا أن نفخر بتلك الحقيقة.. لكننا.. قلبناها إلى أبشع جريمة.. حشونا البنادق بالفتاوى قبل أن نطلق منها الرصاص.. وصلينا ركعتين لله قبل أن نقتل عباد الله.. وبعد أن كنا نتحدث عن أنهار من خمر سنشربها فى الآخرة حفرنا أنهارا من دم فى الدنيا.. وفرضنا على غيرنا الغرق فيها.. أو الشرب منها.
 
1 أبا عود العقل المخطط للهجمات يتحدث!
 
يكاد حى مولن بيك فى بروكسل أن يكون حيا إسلاميا تماما.. رجال ملتحون.. نساء منتقبات.. وعشرة مساجد فى مواجهة أربع كنائس.
 
فى ذلك الحى الخطر خرجت الفصائل الانتحارية والمقاتلة التى نفذت هجمات الجمعة الأسود فى باريس.
 
عبرت الحدود المفتوحة إلى باريس بأسلحتها وذخائرها وأحزمتها الناسفة إلى ميادين العمليات فى سيارتين تحملان أرقاما بلجيكية.. سيارة بولو (فولكس فاجن) وأخرى سيات.. وبعد أن سالت الدماء وسقطت جثث الضحايا عادت السيارة الأولى إلى وطنها.. وهرب قائد السيارة الثانية عائدا إلى بروكسل بمساعدة اثنين من زملائه قبض عليهما وحدهما.. ونجح هو فى النجاة.
 
كان الأمن الفرنسى قد وضع يده على السيارة السيات وخشى أن تكون مفخخة فأمر سكان المنطقة المحيطة بالابتعاد عن مساكنهم طوال الليل حتى اطمئن على سلامتهم.. وعثر فى السيارة على ثلاثة مدافع طراز كلاشينكوف وعشرات من فوارغ الرصاص.. وثبت أنها السيارة التى هاجمت مقاهى الرصيف لتوقع بعشرات الأبرياء.. منهم شباب من مصر.
 
وفى حى مولن بيك أيضا خرج عبدالحميد أبا عود الذى وصف بالعقل المدبر للهجمات وهو بلجيكى من أصل مغربى.. عمره 27 سنة.. حارب فى صفوف داعش على الأراضى السورية بعد أن انضم إلى التنظيم عام 2013.. وسمى «أبوعمر البلجيكى».. ووصف بأنه من أسوأ جلادى التنظيم.. ينسب إليه الحادث الذى تعرض إليه قطار تاليس فائق السرعة الذى يربط بين أمستردام وباريس.. وحادث آخر تم تفاديه فى حى «فيل جويف» عقب الهجوم على مجلة شارلى إبدو فى 11 يناير الماضى وبعدها على سوبر ماركت يملكه يهودى.. كما خطط فى العام الجارى هو وخالد العربى وسفيان أمعار لقتل ضابط شرطة بعد أن هاجم كنيسة دون إصابات.
 
وفور عودته إلى سوريا أجرت معه الجريدة الإلكترونية للتنظيم حوارا وصف فيه الأوروبيين الذين ولد بينهم بالصليبيين الذين يجب قتالهم وأضاف: «لقد نجحت فى سحقهم وفى الفرار منهم أكثر من مرة».
 
وأباعود ابن لمهاجرين مغربيين إلى بلجيكا.. وتضم عائلته ستة أشقاء.. منهم شقيقة تدعى ياسمين كشفت لصحيفة نيويورك تايمز أن عمر لم يكن يذهب إلى المسجد.. بل.. وفشلت كل جهود العائلة لتعليمه الصلاة.. وأضافت: «إن الشرطة البلجيكية أبلغتنا بأنه قتل فى سوريا».
 
لكنه فى الحقيقة كان على قيد الحياة.. وقد فوجئ عند هروبه من بلجيكا بنشر صوره فى وسائل الإعلام ورغم ذلك وصل إلى الشام معلنا بأن الله عمى الكفار من عملاء كافة أجهزة الاستخبارات فى العالم عنه.. بل إن ضابطا أوروبياً أوقفه ليقارن بينه وبين صورته لكنه لم يجد تشابها فتركه يمر.
 
واستطرد متباهيا: «إن المسلم لا يجب إن يخشى من الأساطير المتضخمة للاستخبارات الصليبية فقد كنت قادرا على البقاء فى بلادهم ونسفهم».
 
وقد سعت أجهزة الأمن البلجيكية إلى تفكيك خليته وتبادل أفرادها النار معها ليقتل منهم ثلاثة وتمكن أبا عود من الهرب إلى اليونان ومنها عاد إلى سوريا.
 
وحسب المحلل الأمنى تشارلى وينتر المتخصص فى داعش فإن الملف الشخصى لذلك الإرهابى يناسب تماما سمات وصفات شخص قادر على التخطيط للهجمات الأخيرة على باريس.
 
وما يثير الدهشة أن جهاديا فرنسيا اعتقل فور عودته من سوريا فى الصيف الماضى أبلغ الشرطة أن أبا عود يستعد للهجوم على قاعة الحفلات الموسيقية (باتاكلان) التى تعرضت للهجوم مؤخرا بالفعل.
 
2 عمائم وخناجر قاتلة على المنابر!
 
وببصمة أصبع طائر تعرفت معامل البحث الجنائى على شخصية أحد الجناة وفرد فى تلك الخلية هو إسماعيل عمر مصطفلى.. عمره 29 سنة.. لديه ولدان.. ولد فى مارسيليا.. اعتنق الفكر المتطرف منذ عشر سنوات وتراجع عنه.. لكن.. إمام المسجد المغربى الأصل أعاده إلى ما كان عليه.. واقنعه بالسفر إلى سوريا عبر تركيا لينضم إلى داعش.. وبعد تدريب مكثف لم يخل من غسيل المخ عاد إلى باريس ليكون واحدا من فرقة الانتحاريين الجاهزين لتنفيذ ما يؤمرون به مهما كانت خطورته.
 
لقد عبثوا بضميره حتى تحكموا فى إرادته.. وهنا مركز الخطورة.. تحويل إنسان بسيط إلى قاتل متوحش.. بارد الدم.. يسحق الأبرياء فى نشوة تتجاوز المتعة الحسية والثروة المادية والحياة العائلية.
 
والمؤكد.. أن المجرم الحقيقى هو الشيخ الذى أفسد فطرته.. ودفعه بالريموت كنترول نحو الهاوية.. ليثبت أن بعض المنابر عليها عمائم وخناجر تدير مدارس للنسف والقتل فى أحياء تفوقت فى خطورتها على أحياء السود وقت أن كانت رمزا للعنف يجعل من الصعب الاقتراب منها.. سوهو فى لندن.. وهارلم فى نيويورك.. مثلا.
 
وربما.. لتلافى تكرار تلك المأساة ستعيد أجهزة الأمن الفرنسية النظر فى الدعاة الذين يستغلون حرية التعبير فى التدمير.
 
ستوضع كاميرات وأجهزة تسجيل علنية فى المساجد ولن يترك أئمتها دون رقابة مباشرة بجانب إلغاء الدعم الحكومى للمؤسسات الإسلامية.. « كيف نمول الإرهاب بأيدينا».. حسب تساؤل وزير الداخلية الفرنسى برنار كازنوف فى مقر وزارته (قصر بوفو بالقرب من قصر الإليزيه) مضيفا: «سنغلق مساجد الكراهية».. و«سنطرد الدعاة الأجانب على أن نلاحق قضائيا من يحملون جنسيتنا أو ولدوا بيننا بل وسنغلق المساجد المفخخة التى تنفجر مواعظها فى وجوهنا».
 
وعثر بجانب الشاب المتفجر فى استاد فرنسا على جواز سفر سورى استخرج من أثينا خلال سعى اللاجئين السوريين لدخول أوروبا.. لكن.. بيانات جواز السفر كانت مخالفة للبيانات التى كشفتها السجلات الأمنية.. بما يعنى أن جواز السفر لشخص آخر.. وتفسير ذلك.. أن تجارة جوازات السفر السورية تجارة رائجة.. يتراوح سعر الواحد منها بين ألف وخمسة آلاف يورو.. لتستخدم فى التسلل إلى سوريا والانضمام إلى داعش.
 
وفور حدوث الهجمات الإرهابية خرج الرئيس السابق نيكولا ساركوزى على قنوات التليفزيون ليطالب بفرض إقامة جبرية على المتطرفين ووضع سوار إلكترونى فى معصم كل منهم لمراقبته ليل نهار ووصلت دعوته إلى حد طردهم من البلاد.
 
لكنه.. لم ينس توجيه انتقادات حادة لرئيس الجمهورية (فرانسوا أولاند) متسائلا: كيف يمكن لعشرة شباب أن يلتقوا ويخططوا ويحصلوا على السلاح والمتفجرات وينفذوا ست عمليات فى دقائق معدودة وأجهزة الأمن والمخابرات نائمة فى العسل؟
 
إن المخابرات الفرنسية التى تسمى «مديرية الأمن الفرنسية» تعد ثامن أقوى جهاز مخابرات فى العالم.. وتشرف عليها وزارة الدفاع.. ومهمتها جمع المعلومات المتعلقة بالأمن القومى واستغلالها فى منع الأخطار التى تتعرض لها البلاد.
 
والحقيقة أن ما حدث وضع ذلك الجهاز فى حرج شديد.. وكشف عوراته.. وأصبح مؤكدا إعادة النظر فى قياداته.
 
لقد فجر إرهابيان نفسيهما على بوابتى ستاد باريس (D&H) خلال مباراة كرة قدم بين فرنسا وألمانيا يحضرها الرئيس الفرنسى ووزير الخارجية الألمانية فالتر شتينماير.. كانت المبارة اختبارا لمنتخب فرنسا أمام بطل العالم الحالى استعداداً لكأس الأمم الأوروبية والتى تقام فى فرنسا العام المقبل.
 
واللافت للنظر أن الأمن الفرنسى تلقى إشارة حمراء من الإرهابيين عندما وصل إليه بلاغ بوجود قنبلة فى الفندق الذى يقيم فيه الفريق الألمانى «طبقاً لقناة يوروسبورت».. وعندما اتضح وهم البلاغ اطمأن الأمن وغرق فى سبات عميق.
 
3 دم بارد وضمير ميت ونظر فى العيون!
 
بدأت المباراة فى التاسعة مساء بتوقيت فرنسا.. وفى الدقيقة (16) سمع دوى انفجار أصاب اللاعبين بالذعر فتوقفوا قليلا.. لكنهم.. عادوا إليه.. وكانت النتيجة صفر ــ صفر.. على أن الأمن احتياطيا سحب الرئيس والوزير إلى مكان آمن فى الاستاد.. وبعد 3 دقائق من الانفجار الأول وقع الانفجار الثانى.. ورغم أن المباراة انتهت بفوز فرنسا بهدفين دون مقابل فإنه لا أحد تذكر النتيجة.. فما حدث بعد إعلانها قضى على فرحة الانتصار على أقوى فرق الدنيا كلها.
 
فى الوقت نفسه كانت هناك هجمات أخرى فى المنطقة (11) من باريس بما يثبت دون جدل وجود تخطيط جماعى محكم.. انطلقت السيارة (سيات) فى الشوارع تطلق النار بجنون على رواد مقاهى الرصيف التى تميز العاصمة الفرنسية وترسم بعضا من ملامحها.. وحسب شهود العيان فإن القتلة كانوا يستمتعون بسقوط ضحاياهم بضمير ميت ودم بارد.. كانوا ينظرون فى عيون ضحاياهم وهم يعدمونهم بلا ذنب.
 
إن التوحش سمة من سمات إرهابيى داعش يتدربون عليه فى فرق متخصصة يتولاها خبراء فى النفس البشرية يقتلون مشاعرهم ليصبحوا شخصيات «سيكوباتية» تذبح دون ضمير.. مثل أشد المجرمين قسوة.. بجانب سوء تفسير للنصوص المقدسة التى تطالب بإلقاء الرعب فى نفوس الأعداء.. يضاف إليها تدريبات عملية يقيسون فيها مدى استمتاع فرق الإعدام بقتل الأسرى تحت إشراف فرقة مراقبة تمنح المتفوقين رتبا أعلى.
 
وحسب عبدالبارى عطوان فى كتابه «الدولة الإسلامية» فإن «ظاهرة الوحشية فى ممارسات «الدولة الإسلامية» عامل أساسى فى استراتيجية الحرب النفسية التى يتبعها التنظيم كما أنها كانت سببا لبدء التحالف الذى يضم 50 دولة لمحاربته».
 
لكن «هذا التوحش ليس جديدا فعلى مر العصور قامت معظم الإمبراطوريات على بحور من الدماء».
 
وفى دراسة أعدها أبوبكر الناجى أحد منظرى القاعدة عام 2004 بعنوان «إدارة التوحش ــ أخطر مرحلة ستمر بها الأمة» حدد ثلاث مراحل نحو الخلافة.. مرحلة «شوكة النكاية والإجهاد».. ومرحلة «إدارة التوحش».. وأخيرا مرحلة «تأسيس الدولة الإسلامية».
 
وفى مرحلة التوحش كان الهدف بث الرعب فى قلوب الخصوم بفيديوهات قطع الرقاب والدهس بالسيارات والدبابات والتصفية الجماعية أمام كاميرات الفيديو.
 
لقد نفذت كل الخبرات المكتسبة فى الهجمات الأخيرة على باريس التى وقعت فى توقيت متجانس إلى حد كبير.
 
وعلى بعد 200 متر من مقر صحيفة شارلى إبدو (التى هوجمت فى بداية العام) - فى تحد واضح للأمن الفرنسى- وقع حادث المسرح الموسيقى (باتاكلان) حيث كانت فرقة أمريكية قادمة من إسرائيل تقدم عرضها.. وفور إطلاق النار بدأ هروب جماعى من كواليس خشبة المسرح.. والناجون من الموت نجحوا فى الهروب وقت تغيير الإرهابيين خزائن الذخيرة.
 
كان جمهور المسرح يزيد على 1500 متفرج تراكمت جثث قتلاهم فوق بعضها البعض وعندما تدخلت فرقة التدخل السريع الخاصة بوزارة الداخلية ويطلق عليها «Raid» لم تكن بخبرة فرقة الـ «GiGn» المتخصصة فى مواجهة الإرهاب فأصاب رصاصهم مزيدا من الضحايا.
 
وبسبب ذلك الحادث ألغى عرض فرقة تسمى «U2» كانت ستقدم عروضها على ستاد برسى بعد نفاذ تذاكر الحفل لنحو عشرين ألف شخص.
 
ولنفس السبب أصبح مصير الدورة (21) لمؤتمر المناخ ــ المقرر عقده فى 30 نوفمبر الجارى فى مهب الريح.
 
وإن تقرر إقامة المباراة الودية بين فرنسا وبريطانيا فى موعدها ولكن تحت حراسة مشددة ورقابة أمنية صارمة.
 
لقد شلت الحياة الطبيعية فى عاصمة حيوية تكره النوم وتعشق المتعة وتعرف كيف تستمتع بكل شىء.. الموسيقى.. الموضة.. الحب.. لكن.. من سوء حظها أنها ربت فى أحضانها أجيالا جديدة تكره ذلك كله.
 
إن فى فرنسا أكثر من أربعة ملايين مسلم يحملون جنسيتها.. فتحت الأبواب للجيل الأول منهم ليعملوا فى المهن المتواضعة التى لا يرضى بها الفرنسيون.. نظافة الشوارع.. الخدمة فى البيوت.. مثلا.
 
وعندما جاء فرنسوا ميتران إلى الحكم ممثلا لليسار غازل المهاجرين ووفق من أوضاعهم ليضمن انتخابه دورة رئاسية أخرى.
 
وخرج من صلبهم جيل جديد لا يجد نفسه ويشعر بالاضطهاد والاختناق فلم يكن أمامه سوى العنف تعبيرا عن إثبات الذات.. بل.. أكثر من ذلك اشعل الحرائق فى ممتلكات الأحياء التى ولدوا فيها.. مثل الحى (93) فى ضواحى باريس.. تعبيرا عن رغبة دفينة فى الانتحار والتخلص من تلك الحياة.
 
وبظهور دعاة تلقوا أموالهم وأفكارهم من دول عربية تعتنق مذاهب إسلامية متشددة وأنفقت مليارات الدولارات من خزائنها المتخمة بدعوى انتشار الإسلام وجدت هذه الأجيال توظيفا مقنعا وساميا للعنف جعل من حياتها الضائعة رسالة لم تتصور أنها خاطئة أو محرمة شرعا.
 
ولا شك.. أن الهجمات الأخيرة ضاعفت من كراهية المسلمين ليس فى فرنسا وحدها وإنما فى أوروبا كلها.. حيث يصل عدد المسلمين فيها إلى 54 مليون شخص ما يقترب من 6% من التعداد الرسمى.. ومهما قيل من تصريحات رسمية مطمئنة ــ تتجنب الإساءة للإسلام ــ فإن ما فى القلب يطفح غلا لن يطول كتمانه.
 
فى الوقت نفسه تضاعف ثقل حزب اليمين المتطرف وكسبت زعيمته مارين لوبان شعبية مجانية جعلت رئيس الحكومة مانويل فالس يدعو إلى تحالف مضاد فى الانتخابات التشريعية القريبة.. وفى الانتخابات الرئاسية القادمة فى عام 2017.
 
ودخل ساركوزى المعركة مبكرا بمنافسة اليمين على أخذ موقف متشدد من المسلمين.. بجانب انتقاداته التى تفجرت بالحدة والتطرف.. ما دفع أولاند إلى طلبه للتشاور فى لقاء استمر ساعة ونصف الساعة.. وفى اللقاء نصح ساركوزى خليفته بأن تتعاون فرنسا مع روسيا فى توجيه الضربات الجوية على قواعد داعش.. وجاءت النصيحة على خلاف ما تروج له السياسة الأمريكية بأن تدخل روسيا فى سوريا سيزيد من الهجمات الإرهابية وإن بدا واضحا أن الولايات المتحدة غيرت من موقفها وطالبت روسيا بتركيز غاراتها على داعش بعيدا عن قواعد المعارضة الأخرى.
 
إن هجمات باريس غيرت من خطة الغرب فى التعامل مع سوريا ومنحت بشار الأسد مزيدا من قبلات الحياة وربما بدا مقبولا استمرار نظامه دون تفكيك وربما لهذا السبب كان الأسد أسرع من أدان الهجمات.. وخرج صوته للعالم بعد أن حبس نحو خمس سنوات.
 
ولكن.. الغرب لم يقبل باستمراره.. ويرى أن تدخل روسيا فى سوريا ليس لضرب داعش وإنما لإنقاذ نظامها.
 
وبدا ذلك واضحا فى خطاب أولاند أمام البرلمان بعد ظهر الاثنين الماضى.. حين وصف سوريا بأنها المكان الذى صممت فيه الهجمات دون أن يقترب من مسئولية الغرب فيما حدث فى سوريا دعما لتنظيمات المعارضة دون تفرقة بين معارضة سياسية أو معارضة دينية.. وتدفقت أسلحة.. وأنفقت مليارات.. ودربت جيوش.. وبعدها أصبحت سوريا مصنعا للإرهاب صدر منتجاته لمن منحوه فرص الحياة.. إن الجزاء من جنس العمل.. وتربية وحش مثل فرانكشتاين لابد أن تنتهى بإيذاء صاحبه. وبعد ساعات من الهجمات بدأ ظهور أعراض الحادث وانخفض حجم إشغال الفنادق بنسبة 23٪ وأجبرت السلطات حاملى تأشيرة «شنجن» على وجود حجز فى الفندق ونسخة من الأوراق التى حصل بسببها على التأشيرة منها حساب البنك وبطاقة تأمين صحى.....
 
4 لوبوان: مستقبل العالم يعتمد على مصر!
 
على أن السؤال الذى ظل بلا إجابة ما طرحه محللون وصحفيون من مختلف التيارات والاتجاهات: «أين أجهزة المخابرات الصديقة لفرنسا؟.. الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية مثلا.. لما لم تبكر بالتعاون معها بنقل ما لديها من معلومات إليها؟.. أين محطات التجسس والتقاط الاتصالات؟.. كيف نجحت فى التقاط مكالمات داعش الخاصة بالطائرة الروسية التى سقطت فى سيناء على بعد آلاف الأميال وعجزت عن التقاط مكالمات على بعد عشرات الأمتار؟
 
وفى حمى التساؤلات والتعليقات خرجت مجلة «لوبوان» لتؤكد علنا أن «مستقبل العالم يعتمد على مصر».. مضيفة فى مقال كتبه نيكولا بار فرويه: «إن قدر مصر يتجاوز حدودها فقد لعبت دور المختبر على مدى التاريخ منذ نشأة جماعة البنا إلى سقوط نظام مبارك مرورا بسنوات حكم عبدالناصر وحتى اغتيال السادات «.
 
«مصر دولة مركزية تحقق التوازن فى العالم العربى ولتطوير الإسلام.. وتظل مفتاح ثورات الربيع العربى بعد ثورتين.. واحدة انتهت بانتخاب محمد مرسى رئيسا.. والثانية أطاحت به».
 
«كل ذلك يجعل مصير الشرق الأوسط والمغرب العربى يعتمد اعتمادا كليا على قدرة مصر على مواجهة لهيب العنف الذى تواجه تهديداته وآخرها سقوط الطائرة الروسية».
 
وتحدد لوبوان أربعة تحديات على الرئيس السيسى مواجهتها آخرها مواجهة الإرهاب مشيرة إلى أن مصر تعد محطة الأمان التى ستمنع الإسلام السنى من الانحدار فى اتجاه التعصب.
 
أما أول التحديات فهو تحقيق نمو اقتصادى لا يقل عن 5% حتى تستطيع مصر تأمين 700 ألف وظيفة سنويا خاصة.. والتحدى صعب فى ظل تراجع السياحة التى تشكل ما لا يقل عن 12 % من الدخل القومى.
 
أما التحدى الثانى فيختص بالأمن الذى يعد شرطا أساسيا للاستقرار والتحدى أصعب لتزايد خطر الحرب الأهلية مع تزايد الجماعات الإرهابية التى تستهدف القاهرة إلى جانب وادى النيل بعد سيناء التى يسيطر عليها الجيش بالكامل.
 
والتحدى الثالث ينحصر فى إعادة تأسيس سلطة الدولة دون انفصال عن دور الجيش مثل تركيا وباكستان حيث يتحكم الجيش فى (10 ــ 20%) من موارد الدولة ما يتطلب معها قواعد جديدة للشفافية. (بعيداً عن المقال تراجع شركات الخدمة الوطنية من قبل الجهاز المركزى للمحاسبات وتدفع ضرائب عن أرباحها).
 
والتحدى الرابع تحد سياسى بأن تولد دولة ديمقراطية بعيدة عن الاستبداد.
 
لقد نشر المقال فى وقت كانت فيه الميديا الفرنسية مشغولة بالكامل بتغطية الهجمات الأخيرة ما يلفت النظر إلى أهمية الدور المصرى الذى يعتبر دورا محوريا فى مواجهة الإرهاب.
 
إن الهوى الفرنسى بمصر أضيف إليه شعور بأهمية الدور فى وقت تطايرت فيه نيران الفوضى التى سادت المنطقة ما دفع محللا سياسيا آخر ليقول: «إننا لم نعد نحتمل تفكك دولة شرق أوسطية أخرى.. يكفى ما فعلت الولايات المتحدة فى العراق.. وما فعلت فرنسا فى ليبيا.. نحن سبب مباشر للمشكلة.. وعلينا أن نواجه أنفسنا بصراحة ونساعد مصر على التماسك وتجنب ما تتعرض له.. إن وجودها قوية لن يؤثر على إسرائيل وإنما سيحميها من الضربات الإرهابية التى ستطولها يوما ما ولو بعد سنوات».
 
5 غزو سوريا بقوات برية أوروبية وعربية!
 
وفى الوقت الذى قصرت مصر حالة الطوارئ على سيناء مدت فرنسا حالة الطوارئ على كل أرضها وأطرافها وحدودها.
 
صدر قانون الطوارئ (القانون 12) عام 1955 وعدل بعد خمس سنوات ليستقر عام 1980.. وتسمح مواده التى لا تزيد على 16 مادة للحكومة بأن تفعل كل ما يحلو لها.. منع التجوال جزئى وكلى.. فرض غرامات مالية.. الاعتقال دون أمر قضائى.. تفتيش البيوت دون إذن من النائب العام.. طرد الأجانب دون تقديم مبرر.. إغلاق مناطق التجمعات مثل المسارح والنوادى ودور السينما والحدائق العامة.. والأخطر تعطيل القوانين الجنائية والعمل بالقوانين العسكرية.. بجانب فرض الرقابة على الصحف بأمر من وزير الداخلية أو وزير العدل.
 
لكن.. تلك الحالة لا تستمر أكثر من 12 يوما.. لابد للحكومة أن ترجع بعدها للبرلمان عارضة التمديد لمدة إضافية واحدة.. إن ذلك ما طالب به الرئيس الفرنسى وهو يلقى كلمته أمام البرلمان.. لكنه.. حدد مدة التمديد بثلاثة أشهر.
 
وليس من السهل فرض حالة الطوارئ فى فرنسا فالقانون يشترط توافر 36 سببا محددا قبل القبول بإعلانها.
 
والمؤكد أنها المرة الأولى التى تطالب فيها حكومة فرنسية بفرض حالة الطوارئ على حدودها السياسية وإن فعلت ذلك من قبل على مستعمراتها خاصة الجزائر فى سنوات الحرب معها.
 
ويتكون البرلمان الفرنسى من مجلسين.. مجلس الشيوخ (الغرفة العليا ويضم 348 سيناتور) والجمعية الوطنية (الغرفة الدنيا وتضم 577 نائبا) لكنهما لا يجتمعان معا إلا فى أشد الأزمات السياسية ضراوة.
 
لم يكن معتادا أن يتحدث الرئيس الفرنسى أمام البرلمان.. وقوفه أمام النواب أمر نادر.. وقد ساهم ساركوزى فى تعديل القانون فى عام 2008 ما أتاح له التحدث أمام البرلمان عام 2009.. وكانت المرة الأخيرة التى يتحدث فيها رئيس الجمهورية من على منصته.
 
وأمام البرلمان طالب أولاند بتعديل دستورى يسمح بسحب الجنسية من المتورطين فى العمليات الإرهابية حتى لو كانوا مولدين على أرضها بجانب منع مزدوجى الجنسية من العودة إلى البلاد.
 
وفى الوقت نفسه تقرر خلق وظائف أمنية جديدة ستكلف الموازنة العامة أكثر من خمسة مليارات يورو سنويا.
 
وقبل أن يقف أولاند أمام البرلمان انطلقت طائرات فرنسية لضرب مراكز تدريب داعش فى المناطق السورية التى تسيطر عليها بجانب تحريك حاملة الطائرات شارل ديجول ناحية شرق المتوسط تمهيدا لمزيد من العمليات الحربية.. بما فيها الحرب البرية على الأرض التى لا مفر منها لتطهير الأرض من ذلك التنظيم الذى يصعب الاستهانة به.. وهناك خطة وضعت فى البنتاجون خرجت من الملفات المظلمة وعرضت على وزارات دفاع أوروبية وعربية لتنفيذها إذا شاءت.. ولا تزال الولايات المتحدة متحفظة فى المشاركة فيها تنفيذا لمبدأ أوباما بعدم التورط العسكرى على الأرض.
 
إن تركيا عضو حلف الأطلنطى مستعدة لبدء الغزو من حدودها بشرط أن تكون قوات المشاة متعددة الجنسيات.. وتنفيذا لقرار من مجلس الأمن.. ونفس الشرط طالبت به العراق.. ولا تزال الأردن تحسب مكاسب وخسائر المشاركة.
 
لقد بات مستحيلا التخلص من داعش بضربات جوية بدأت منذ 19 سبتمبر 2014 فتلك الغارات لم تسفر إلا عن مقتل 10 آلاف مقاتل من داعش بينما يقدر عدد المقاتلين فيها بما لا يقل عن 130 ألفا.
 
وكانت فرنسا أول من دعا إلى ذلك التحالف بزيارة قام بها أولاند إلى الرئيس العراقى فؤاد معصوم ولكن سرعان ما سيطرت الولايات المتحدة على قيادته.
 
كانت فرنسا ثانى دولة تشن غارات على قواعد داعش بطائرات رافال وطائرات بريجيت اتلانتك أرسلتها إلى الموصل فى 19 سبتمبر 2014.. وأطلقت على عملياتها اسم «عملية الشمال» وكانت أولى غاراتها فى 25 سبتمبر.. وفى أول أكتوبر عززت وجودها العسكرى بفرقاطة بحرية مضادة للطائرات تسمى جان بار.
 
ولو حرر التحالف سوريا من داعش فإن الدول المشاركة فيه لن تجلو عنها إلا بعد التخلص من نظام الأسد.. وربما وجدتها فرصة لتقسيمها.. لتكون ما يسمى بالدولة الكردية.
 
6 دولة خلاقة وليست مجرد تنظيم مسلح!
 
وأغرب ما خرج من السلطات الفرنسية ثقتها فى بيانات داعش التى ترى أنها لا تكذب.. لو «كانت قد أعلنت فقد نفذت».
 
والواقع أن التقدير الفرنسى لداعش أكثر واقعية من تقديرات عربية ترى أنها مجرد كيان عشوائى غير محدد القسمات.
 
لقد كانت القاعدة بكل شراستها تنظيما مسلحا يستهدف الانتقام من الغرب أما داعش فتنظيم سعى إلى تكوين دولة خلافة «إسلامية» ونجح فى الاستيلاء على نصف سوريا ونصف العراق بما يزيد على مساحة دولة مثل بريطانيا.
 
وتتمتع داعش بتأييد من جماعات عريضة من السنة فى العراق وسوريا ودول عربية أخرى والسبب أنها تواجه تمدد النفوذ الشيعى المتزايد فى العراق والحاكم فى سوريا.. بجانب مواجهة النفوذ الإيرانى الزاحف على المنطقة خاصة بعد توقيع الاتفاق النووى معها.. ولاشك أن اضطهاد السنة يمنح داعش دعما سنيا سيظل مستمرا ما لم يتشكل تنظيما سنيا بديلا يقدر على خلق التوازن السياسى مع الشيعة.
 
وتعد داعش تنظيما شديد الثراء قادراً على تمويل عملياته دون حاجة لتبرعات أو مساعدات خارجية.. فقد استولى على مصافى النفط فى شرق سوريا وبعض آبار النفط فى العراق ما وفر له مليونى دولار يوميا على الأقل.. واستولى على أكثر من نصف مليار دولار من البنك المركزى العراقى بجانب شحنات من الذهب وأرصدة من العملات الأوروبية.. يضاف إلى ذلك بيع الآثار المستولى عليها عبر الحدود مع تركيا.. وعوائد الضرائب المفروضة على السكان المحللين (الموكس).. وعوائد الفدية التى يحصلون عليها مقابل الإفراج عن رهائن أثرياء.. وأكثر من ذلك لم يتردد التنظيم فى الاتجار بالرقيق مؤكدا أن الرقيق ضرورة للدولة الإسلامية.. فالجنس مع الجوارى اعتبر علاقة شرعية.. تمنع الفحشاء حسب فتاوى متعددة.
 
واستولت داعش على دبابات وطائرات ومدافع أمريكية الصنع من الجيشين العراقى والسورى.
 
وساهمت دول عربية متشددة المذاهب فى تمويل داعش قبل اعتباره تنظيما إرهابيا.. ووصل حجم التمويل إلى نصف مليار دولار بهدف إسقاط نظام الأسد.
 
ولاشك أن دعم المعارضة ضد الأسد خلط الحابل بالنابل وضاعف من قوة داعش ولو بطريقة غير مباشرة.
 
وسبق بأن أعلن رئيس وزراء إيطاليا السابق سيلفو برلسكونى أن ساركوزى هو الذى فبرك الثورة الليبية واعترف الفيلسوف الفرنسى هنرى ليفى أنه كان عاملا محركا لتلك الثورة خدمة لإسرائيل واستجابة ليهوديته على حد ما ذكر عبدالبارى عطوان فى كتابه عن داعش.. ولاشك أن ما جرى فى ليبيا منح داعش أرضا خصبة لتحقيق ما تطمح من أهداف واضحة.
 
وكشف رولان دوما وزير خارجية فرنسا الأسبق أن البريطانيين فاتحوه فى التحرك ضد سوريا لزعزعة استقرار نظامها طالبين منه المشاركة فى هذه الخطة بحكم خبرته فى المنطقة لكنه رفض.
 
إن إضعاف سوريا ضاعف من تمكين داعش منها.. وقد تحولت لندن إلى مقر للمعارضة السورية ومولت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية محطة تليفزيون للمعارضة السورية بسبعة مليارات تدولار حسب وثائق ويكليكس.
 
واعترف مدير المخابرات القطرية بتمويل تنظيمات سورية مسلحة بالتنسيق مع الإدارة والمخابرات الأمريكية وجاء ذلك فى رده على سؤال حول تمويل بلاده للإرهاب.
 
لقد حولت تلك الأجهزة الثورة السورية من ثورة سياسية إلى ثورة مسلحة كانت نقطة انطلاق داعش على أرضها قادمة من العراق التى هاجروا منها بعد تضييق الخناق عليهم فيها.
 
وما يلفت النظر انضمام أعداد مكثفة من الشباب إلى داعش والتفسير الوحيد أنهم لم يجدوا فى بلادهم سوى البطالة والديكتاتورية بجانب أن الحرب على داعش حولتها إلى ضحية تستحق التحالف معها.
 
إن غزو سوريا للقضاء على داعش لن يجهز عليها تماما.. فالفئران المذعورة سوف تجرى فى كل مكان ناشرة الطاعون.
نقلا عن الفجر

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع