بقلم : حنا حنا المحامى
لست أدرى كيف اتخذت هذا القرار. لست أدرى كيف اندفعت فى قرار كى أذهب إلى مصر فى زيارة تستغرق أربعين يوما؟ لم أفكر فى أى شئ. لم أفكر فى التلوث, لم أفكر فى كيفية ممراسة الرياضه اليوميه التى تساعدنى على الاستمرار فى الحياه. لم أفكر فى كيفية قضاء هذه المده الطويله. كل ما فكرت فيه هو أن أذهب إلى القاهره ولابد أن يكون كل شئ على ما يرام. لعله الشوق والحنين إلى الوطن!؟
كنت قد وصلت إلى القاهره فى بداية الاجازه. وإذا بى أفاجأ أن أجازة عيد الاضحى قد بدأت. قضيت أجازة عيد الاضحى فى القاهرة لدى بعض الاقارب ثم حضرت السياره التى سبق واتفقت معها من أمريكا, وأقلتنى تلك السياره مع زوجتى إلى منزلى بالاسكندريه.
كانت الشقه بالاسكندريه معده ومنظفه باشراف إحدى القريبات التى تقطن نفس العماره. وما أن استقر بى المقام فى منزلى إلا وأصبنى مرض ارتفعت على أثره درجة الحراره ارتفاعا كبيرا إذ تجاوزت 39 مما دعا إلى استدعاء الطبيب فى التاسعه مساء. ابتاعت زوجتى الروشته على الفور. وظللت طريح الفراش خمسة أيام بدأت بعدها فى دور النقاهه. وكان تشخيص الطبيب أنه ليس لدى المناعه الكافيه لمواجهة التلوث الموجود فى الهواء وفى الشوارع.
على ذلك قضيت باقى الاجازه وأنا فى صراع دائم من أجل المناعه وصيانة نفسى من أى مرض آخر قد ينتابنى أو يغتالنى. ووصلت بى الحاله أن كنت أطلب من الله أن أعود ألى أبنائى فى أمريكا على أقدامى لا غير. وكان كرم الله كبيرا معى وقد حقق بغيتى أو أمنيتى.
حين كتابة هذه السطور كان قد مضى على فى أمريكا ثمانية عشر يوما. ومع استمرار الاجراءات الصحيه والرياضه اليوميه يمكن أن أقول أنى "كدت" استرجع عافيتى. شكرا لله أولا وأخيرا.
وهنا لى وقفه. قد يقول قائل إنه ضعف المناعه هو السبب فى ذلك المرض. وردى عليه أقول المناعه ضد أى شئ؟ ضد التلوث أو ضد المكروب الذى يملأ الجو؟ وهل القوم رجالا ونساء وأطفالا وشيوخا الذين يقيمون فى مصر أصبح لديهم مناعه ضد المكروبات؟ بالطبع لا. فالمناعه تتفاوت حسب قدرة الانسان وحسب استعداده. ثم لماذا نبحث عن المناعه وعن تفاوت تلك المناعه فى الانسان المصرى؟ لماذا انتشار التلوث؟ لماذا انتشار القمامه فى الشوارع؟
السيد محافظ الاسكندرية قد استقال على أثر الامطار الغزيره التى غمرت الاسكندريه وسببت خسائر عده. ولكنه لم يستقل سابقا بسبب القمامه والتلوث. البادى أن هذا أمر دارج وعادى. للاسف.
يا حضرات الساده لقد كانت الاسكندرية عروس البحر الابيض المتوسط. كنت أغمل فى شركة شل بالسويس وفى يناير سنة 1952 قام المصريون بثوره عارمه ضد الاستعمار. على أثرها أقفل الطريق من القاهره إلى السويس. نتيجة ذلك انتدبتنا الشركه للعمل بالاسكندريه. قضيت بالاسكندريه شهرين. أؤكد أنها كانت من أجمل أيام حياتى. كانت الاسكندريه فى منتهى النظافه. كان الترام –ترام الرمل- من أرقى وسائل المواصلاتو نظافه ونظام. هذا الترام بعد حوالى ستة عقود لا يزال كما هو ولكن ظهر عليه الوهن والكهوله, فقد أصبح وسيله بطيئة جدا للمواصلات. لم يعد فى عصر الذره اعتبار للوقت أو للزمن. لا يزال الترام كما كان مع ما اتراه من عوامل القدم.
من الغريب أن السيارات تصطف على جانبى الشوارع. لقد كثرت كثرة ملحوطه جدا. لا يوجد أى سبيل لركنها سوى الشوارع حتى أنه أثرت كثيرا على المرور فلم يعد أمام السيارات إلا طريق ضيق بين جانبى السيارات المركونه على جانبى الطريق. إننى لست خبيرا حتى إفكر فى علاج لهده المشكله ولكنها مشكلة الاخصائيين. وهنا يثور التساؤل هل فكر أى أخصائى فى حل هذه المشكله؟ البادى أن الاجابه بالنفى.
يترتب على ذلك ظاهره يتعين أن نواجهها بكل شجاعه. وهى أن المصريين والمسئولين فى مصر عامة لا يعنيهم موضوع النظافه أو الجمال بوجه عام. إن نظافة أى مدينه هو الظريق الاول لاظهار جمالها. أين هذا؟ هل كانت ثورة 1952 هى يهاية الجمال والتجميل فى مصر؟ كنت منذ سنوات أزور أقارب لى فى من مصر الجديده. كانت تحف المنطقه مساحة بطول المنطقه السكنيه مزروعه بالاشجار والحشائش والتى كانت تكتث دوما حتى تزيد كثافة الحشيش ويزداد رونقه فيضفى على الطرق جمالا وبهاء لا يكلف الكثير أبدا.. هذه الحشائش أصبحت مهمله تماما مما جعل المساحه بطولها قفراء من الحشائش وأصبح هناك بواقى من الخصره والحشيش عباره عن بقع خضراء خضارا باهتا لا لون له ولا منظر. والحشيش من فرط الاهمال أصبح من فرط طوله متمايلا على الارض كما لو كان يطلب إن يقبر فى حياته بدلا من اهماله حتى يموت من فرط الاهمال. هذه الصوره التى تدعو إلى الرثاء. ناهيك عن براز الحيوانات التى تملأ المنطقه والتى تدفعك إلى النظر والحذر فى كل خطوه تخطوها.
كنا فى الصغر يوجهنا المدرسون كى نسير مستقيمى القامه وننظر دائما إلى الامام. كنت أتذكر هذه الدروس وأتساءل من هو المدرس الذى يجرؤ أن يلقن تلاميذه هذا التوجيه؟ طبعا لا يوجد فى مصر ذلك الاخمق.
إن الرئيس السيسى لا شك أنه يعمل جاهدا بكل طاقاته ليرفع شأن مصر. ولكن أقول بكل الثقه أن شأن مصر لن يتقدم خطوه ما لم يؤخذ فى الاعتبار الاول نظافه مصر وجمالها ورونقها. نعم هناك الكثير تحتاجه مصر كى تتقدم وتعيد صباها ولكن السيسى لن يقوم بكل شئ بمفرده. وهنا يقوم دور المحافظين ورؤساء المدن ورؤساء الاحياء علما بأن جمال مصر لن يكلف أى حى من الاحياء شيئا يذكر. ولكنها الفكره ... فكرة النظافه والجمال إن وجدت ولابد أن توجد.