آية لافتة فى القرآن الكريم، جدير بنا أن نتوقف أمامها، ونحن بصدد متابعة وتحليل أفعال «الدواعش»، وولعهم بقتل الإنسان وتخريب العمران، ثم الاحتفال بما اقترفت أيديهم والرقص فوق جماجم البشر. تقول الآية الكريمة: «أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا». والمعنى واضح فى الآية، ويعبر عن حالة إنسانية تالفة ترى السيئ حسناً، والقبيح جميلاً، نتيجة ضحالة العقل، وفساد الذوق، وتبلد الإحساس، والأصل فى وصول الإنسان إلى هذه الحالة من التلف ترتبط باستحواذ الشيطان عليه، فالشيطان هو نائب الفاعل لفعل التزيين، ويمكن أن نستدل على ذلك من الآية الكريمة التى تقول: «وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ». الدواعش هم أصدقاء الشيطان بامتياز. ودعنى أقول لك كيف؟
لو أنك حللت حالة البرود التى يتسم بها أداء الدواعش، حين الذبح أو الحرق أو إطلاق النار أو التفجير أو التخريب والتدمير، فبإمكانك استخلاص مجموعة السمات التى تميز مَن ساقه الشيطان سوقاً للعمل فى «شركة القتل الداعشى». أولى هذه السمات تتمثل فى سقم التفكير، فليس من المتصور أن من يقوم بهذه الأفعال لديه عقل، أو له سابقة فى التفكير. أقل ما يمكن أن يوصف به هذا الصنف من البشر هو اختلال العقل واضطراب الفكر، أما السمة الثانية فتتمثل فى قسوة القلب، وهى سمة لا تحتاج إلى شرح، ويكفى أن تتذكر سوابق أعمالهم فى ذبح وحرق البشر بدم بادر، ودون أدنى مبالاة. والسمة الثالثة، ترتبط بسهولة الشقاق فيما بينهم. فما أيسر أن يختلفوا، ويترخصوا فى إعدام بعضهم البعض، وتوجيه سكاكينهم ونارهم إلى من كانوا ضمن صفوفهم بالأمس. وهم مدينون فى هذه السمات الثلاث لـ«الشيطان» الذى لا يجد عنتاً فى فتنتهم، مصداقاً للآية الكريمة التى تقول: «لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِى الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِى شِقَاقٍ بَعِيدٍ».
مناجاة أصدقاء الشيطان من الدواعش إثم وعدوان، فما معنى أن يكون حديث القتل والسحق والتهديد والاغتيال جوهر خطابهم. أى إثم أكبر من العدوان على البشر بغير وجه حق، والله تعالى يقول: «لَّا خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ». الدواعش لا يفعلون ذلك، وفتش لى فى كل ما يصدر عنهم من بيانات أو فيديوهات عن كلمة واحدة تدل على معروف أو إصلاح بين الناس. إن أصل وجودهم يرتبط بالجور والتخريب. نجوى هؤلاء من الشيطان: «إنما النجوى من الشيطان». إن ثمة صنفاً من البشر يضع نفسه بين إصبعى الشيطان حتى يستحوذ عليه تماماً، وتصبح حركته وسلوكه وأداؤه وكلماته رهناً بوسوسته، دون أن يدرى أحدهم أنه بذلك يكون قد تحول إلى عبادة الشيطان، تلك على سبيل المثال كانت الحالة التى كان عليها أبو نبى الله إبراهيم عليه السلام الذى لم ينصت إلى نصيحة ولده، حين قال له: «يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا». لست أدرى متى يتحول المسلمون عن نموذج التلميذ البليد الذى يلجأ إلى الكتب الخارجية (كتب التراث)، والمدرسين الخصوصيين (دعاة الدم والجهل)، ويلتزمون بالكتاب المقرر (القرآن الكريم)؟!.
نقلا عن الوطن