الخميس ١٩ نوفمبر ٢٠١٥ -
٥٤:
٠٤ م +03:00 EEST
بقلم : د. أحمد الخميسي
الجهة التي أسقطت الطائرة الروسية في سيناء هي ذاتها التي قامت بالتفجيرات الأخيرة في باريس، وهي ذات الجهة التي سعت من قبل لترويع أوروبا باللاجئين السوريين كأنهم زحف بربري يهدد أمنها. ثمت سعي لتخويف المواطن الأوروبي وإشعاره أن استقراره وأمنه وحرياته مهددة، وأن نجاته تتمثل في تأييد حروب الغزو الأمريكية التي تدعمها أوروبا. التخويف يتضح من المبالغة في ردود الأفعال: فقد أوقفت موسكو رحلات طائراتها إلي مصر ثم رحلات الطائرات المصرية إلي روسيا! وهي مبالغة غير مبررة في سياق علاقات آخذة في التطور، ولا تستند إلي منطق. باريس بدورها فرضت حالة الطوارئ مع أن العديد من الدول التي تعرضت لعمليات إرهابية أشد لم تلجأ إلي ذلك. في الحالتين تشتم رائحة مبالغة تطرح تساؤلا: ألا تستهدف تلك المبالغة تسخين الشعوب الأوروبية لتقبل بتوسيع نطاق الحروب الأمريكية الرامية لتقويض البنى والنظم والجيوش العربية وتركيع المنطقة وتقسيم بلدانها؟ هنا يبدو الموقف الروسي مستغربا، لأن مصالح موسكو لا تتفق في الظاهر مع المخطط الأمريكي خاصة مع تناقضات القائمة بين البلدين. لكننا لا ندري إلي أي مدى يعلو لقاء المصالح الأكبر المشتركة على تلك التناقضات، خاصة أن الصورة الحقيقية لتلك العلاقات غير مرئية، وما يلوح منها على السطح أقل من الاعتداد به. في كل الحالات أصبح " تنظيم الدولة الإسلامية" هو الورقة الفكرية المعتمدة دوليا لتبرير الغزو الذي قسم السودان ودمر العراق وليبيا بوحشية ويسعى لتدمير سوريا واليمن ويحاصر مصر بإسرائيل من جهة وبسد النهضة من جهة أخرى."تنظيم الدولة" ورقة تبرير طالما بدل الاستعمار أسماءها، فعندما انتهت الحرب العالمية الثانية لم يكن اسم الورقة"تنظيم الدولة" بل: " مبدأ ترومان" الذي طرحته أمريكا في مارس 1947الذي دعا إلي " مكافحة الأنظمة الشمولية"، وتحت ذلك الشعار ضربت أمريكا التجربة الديمقراطية في تشيلي وقامت بغزوها البربري لفيتنام. وعام 1980 تبدل اسم الورقة إلي " امبراطورية الشر" وذلك عام 1980 في خطاب للرئيس الأمريكي ريجان، وعندما قام السوفيت بالانسحاب من أفغانستان في 1989 وانهارت دولتهم لم يعد تعبير "امبراطورية الشر" صالحا ظهر اسم جديد للورقة: " صدام الحضارات" في مقال صامويل هنتنجتون عام 1993الذي رأى أن التاريخ مطلق السراح في مناطق خط الفقر الذي يتقاطع مع دول تقطنها غالبية مسلمة، وفيها النفط ، وثروات أخرى. وكانت كل تلك الأسماء على اختلافها تبرر المزيد من عمليات الغزو. وعندما وقعت حادثة برجي التجارة العالمية قال الرئيس بوش:" لقد أتاحت ضربة 11 سبتمبر فرصة ذهبية لنشر أفكار الحرية"!
ولزمن طويل كان اسم الورقة " تنظيم القاعدة" ومع اختفاء القاعدة ظهر على الفور اسم آخر" محور الشر" في خطاب لبوش في يناير 2002، محور يتكون من ثلاث دول "تدعم الإرهاب" هي العراق وإيران وكوريا الشمالية! بعد ذلك وسع جون بولتون السفير الأمريكي نطاق المحور فضم إليه ليبيا وسوريا وكوبا! وعندما قررت أمريكا غزو العراق في 2003 بدلت اسم الورقة الفكرية إلي أسلحة الدمار الشامل وخطرها على البشرية!الآن لا ينقصنا سوى أن نسمع من يقولها صراحة : إن انفجارات باريس وسقوط طائرة الشرم أتاحت فرصة ذهبية لتخويف المواطن الأوروبي ونشر أفكار الحرية!