عدة ساعات انتظرناها حتى صدر بيان مجلس الوزراء المنعقد -فى حركة مسرحية لا تليق بما نحن فيه- بمدينة شرم الشيخ، للرد على الإعلان الرسمى عن سقوط الطائرة الروسية بقنبلة وُضعت على متنها، وإعلان الرئيس الروسى «بوتين» عن مكافأة قيمتها 50 مليون دولار لمن يدلى بأية معلومات ترشد على المسئولين عن الجريمة. بدا المجلس وكأنه قد فوجئ بالأمر، فأصابته حالة لخبطة، الأمر الذى دفع أعضاءه إلى استهلاك ما يقرب من ست ساعات فى التفكير فى مضمون البيان، حدث ذلك على الرغم من أن مؤشرات عديدة كانت تشير قبل الإعلان الرسمى الروسى بأيام إلى أن صانع القرار هناك أصبح أكثر ميلاً إلى سيناريو أن الطائرة أسقطت بقنبلة، من ذلك على سبيل المثال القرار الذى اتخذته روسيا، بعد الإعلان البريطانى عن توافر معلومات استخباراتية لديها تفيد بأن الطائرة سقطت نتيجة عمل إرهابى، بتعليق كل رحلاتها الجوية إلى مصر، مقابل دول اكتفت بتعليق رحلاتها الجوية إلى شرم الشيخ، ثم اتخذت القرار الروسى المفاجئ، بعدم استقبال رحلات «مصر للطيران»، ثم المعلومات التى تداولتها بعض المواقع الإعلامية، يوم الإعلان عن سقوط الطائرة بقنبلة، عن الوفد الأمنى القادم من روسيا لتأمين سفاراتها بالقاهرة.
كل هذه المؤشرات كانت تدلل على أن صانع القرار الروسى استراح إلى فكرة السقوط الإرهابى للطائرة، لكنها لم تقنع صانع القرار الحكومى لدينا، فاستغرق كل هذا الوقت ليفكر ويفكر، وظل يفكر ويفكر، حتى خرج علينا ببيان عجيب الشكل، يقول إن الحكومة أحيطت علماً بنتائج التحقيقات التى توصلت إليها السلطات الروسية، وستضمها إلى التحقيقات الشاملة التى تقوم بها اللجنة المشكلة لهذا الغرض، ولم ينسَ من صاغ البيان أن يستدعى العبارة المحفوظة التى تقول: «إن مصر تؤكد تعاونها الكامل مع الجانب الروسى فى القضاء على الإرهاب، وتكثيف المشاركة والتعاون الدولى فى هذا الخصوص». هل هذا المضمون كان يستأهل كل هذا الوقت حتى تنضح به قريحة الحكومة. كلام مائع قاله التقرير فيما يتعلق بالحديث الروسى عن سقوط الطائرة بقنبلة، فلم يثبته ولم يستبعده، بل قال إن هذه النتيجة سيتم ضمها إلى التحقيق الشامل فى الحادثة، ثم وقع فى خطأ ساذج بعد ذلك، بسبب تورطه فى العبارة المحفوظة عن «تعاون مصر مع روسيا والعالم لمكافحة الإرهاب»، فمنحت هذه العبارة أى قارئ للبيان إحساساً بأن ثمة قبولاً لدى الجانب المصرى لفكرة أن الطائرة سقطت بعمل إرهابى. فما الذى حشر موضوع الإرهاب فى البيان، سوى «حديث القنبلة»؟!.
لا أجد وصفاً تمثيلياً لهذا الأداء ألطف من استدعاء شخصية «عم أيوب» من مسرحية «الجوكر» لمحمد صبحى. تلك الشخصية التى كانت تأخذ وقتها كافياً، حتى لو استغرق الأمر ساعات، كى «تتعتع» من مكان إلى مكان، ويختلط فى كلامها الواقعى بالخيالى، والمنطق بـ«اللامنطق»، والجدية بالسخرية، والإحساس بالمفاجأة أمام أى موقف، بالإضافة إلى فقد الإحساس بالزمن. الواضح أن أكثر أعضاء الحكومة فى مصر يعملون بنظرية «عم أيوب»!.
نقلا عن الوطن