الأقباط متحدون - باريس.. وضرورة الاجتهاد والتجديد
أخر تحديث ٢٣:١٦ | الاربعاء ١٨ نوفمبر ٢٠١٥ | ٨هاتور ١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٥٠ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

باريس.. وضرورة الاجتهاد والتجديد

حلمي النمنم
حلمي النمنم

ما تعرضت له «باريس»، مساء الجمعة، أكبر من مأساة، هذه هى المرة الثالثة التى تتعرض فيها فرنسا لاعتداء إرهابى، خلال هذا العام، قبل عملية باريس بساعات كان هناك تفجير لإحدى الجنازات فى «بغداد» راح ضحيته 18 مواطناً بريئاً، فضلاً عن عشرات المصابين، ويوم الخميس كانت تفجيرات الضاحية الجنوبية فى بيروت، وقبلها أيضاً كانت مذبحة أسرة بكاملها فى مدينة العريش، وكل يوم تسقط عشرات الضحايا، فى بلادنا العربية وفى غيرها بمناطق مختلفة من العالم.

فى كل هذه العمليات كان هناك متهم واحد، هو التطرف والتشدد الذى تحول إلى فعل عنيف وسلوك إرهابى، دعك الآن من اسم وأسماء من نفذوا كل عملية، ودعك كذلك من اسم التنظيم الذى وقف خلف كل عملية، أنصار بيت المقدس أو تنظيم الدولة، الجوهر كله واحد، وهو التشدد والإرهاب.

ما حدث وما يمكن أن يحدث يؤكد أن الإرهاب لا وطن ولا دين له، هو يضرب حيث أمكن له ذلك، وهو فى النهاية يستهدف الإنسانية داخلنا والحضارة حيثما وجدت، لا يستهدف الإرهاب البشر والأفراد فقط، بل التراث والقيم الإنسانية والحضارية كلها.

والخطأ أن بعض الأطراف- محلياً وإقليمياً ودولياً- تتصور أنه يمكن تحييد الإرهابيين واستمالتهم، بعض الوقت، وقد تجد بعض الأطراف مبرراً لبعض الإرهابيين، وكأنهم سعداء بما يفعلونه وغالباً يتم استغلالهم سياسياً لتحقيق أهداف معينة، كما حدث فى حرب أفغانستان، جربنا نحن ذلك فى مصر، حيث لم نجد مساندة كافية فى مواجهة الإرهاب بل وجدنا شماتة من بعض الأطراف، ومحاولة دعم وتوظيف الإرهاب والإرهابيين من أطراف أخرى، وما استوعب أحد الدرس القديم، أن من يربى ثعباناً فى حجره أو حتى يتسامح معه سوف يلدغه لحظة ما، وما من بلد أو حاكم أو نظام سياسى- استعملهم -إلا وانقلبوا عليه، الأمثلة كثيرة وعديدة فى منطقتنا وفى العالم.

ردد بعض الباحثين أن المجتمعات التى تعانى نقصاً فى الديمقراطية، وحدها تتعرض للإرهاب، لكن فرنسا لا تعانى من نقص الديمقراطية ولا كانت مدريد سنة 2004 تعيش حكماً غير ديمقراطى، ولا لندن ولا الولايات المتحدة سنة 2001.

وذهب فريق آخر من الدارسين إلى أن الإرهابيين يستهدفون حالات وشخصيات بعينها دون الأخرى أو أصحاب اتجاه فكرى وسياسى بعينه، وهذا أيضاً ليس صحيحاً، فى مصر، قنصوا رئيس الوزراء أحمد ماهر ثم المستشار أحمد الخازندار والنقراشى باشا رئيس الوزراء وسليم زكى حكمدار العاصمة، وكان هناك مخطط لاغتيال الملك فاروق، ثم استهدفوا الرئيس جمال عبدالناصر، وقتلوا الرئيس السادات، لكنهم أيضاً اغتالوا فضيلة الشيخ محمد حسين الذهبى، أستاذ علم التفسير بجامعة الأزهر، واغتالوا فرج فودة المفكر الوطنى الليبرالى، كما حاولوا اغتيال نجيب محفوظ ومن قبله مكرم محمد أحمد، وفى الجزائر اغتالوا عدداً من الفنانين، وفى سوريا ذبحوا عالم الآثار على الأغا، عن 83 عاماً، وغير هؤلاء قتلوا مئات وآلاف المدنيين الأبرياء فى مصر وسوريا والجزائر وليبيا والعراق والصومال والكويت والسعودية واليمن ولبنان، فضلاً عن فرنسا والولايات المتحدة وإسبانيا وبريطانيا وروسيا.

فى الحالة الفرنسية سمعنا من قادة أوروبا كلمة «سوف نفعل كل شىء لجعل فرنسا آمنة»، وهذا أمر يجب أن نثنى عليه، ونتمنى أن يكون هنا فى منطقتنا شىء شبيه، لم يشمت الأوروبيون فى آلام الفرنسيين ولا وجدوها لحظة للعب ضدها وابتزازها، بمعنى آخر لم تتعرض فرنسا لترهيب من الآخرين. ولا التندر بها أو تبكيتها، رغم أنه قد تكون هناك بعض جوانب القصور أو السلبيات حدثت، حيث وقعت العملية الإرهابية فى محيط تواجد الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند.

ما حدث يفرض علينا– وطنياً ودينياً– أن نشرع فى التجديد، تجديد الفكر والفقه الدينى، وليس الخطاب فقط، تجديد حقيقى وليس تجديدا شكليا، فلم يعد يليق بنا أن نعيش على اجتهادات فقهاء مضوا، من أزمان ولت، يقول العارفون والعلماء إن الفتوى ترتبط بالأشخاص وبالزمان والمكان والأحوال، وتتبدل معها، بل قد يغير الفقيه ذاته فتواه إذا تغير الزمان والمكان به، كما فعل الإمام الشافعى حين انتقل من العراق إلى مصر.

وإذا كان التجديد يحتاج علماً غزيراً فإنه يستحق شجاعة أيضاً، لمواجهة عبدة الماضى وتقديس الأسلاف، وإذا لم نفعل ذلك سوف تبقى تهمة التواطؤ الصامت على فكر التشدد والتطرف ومن ثم الإرهاب تلاحقنا جميعاً، مثقفين ومفكرين ومن قبلنا علماء الدين.

أعرف أنه ما من عالم جدد أو حاول التجديد إلا وتعرض للهجوم وللكيد الشديدين، الأستاذ الإمام محمد عبده حالة دالة، ومن قبله رفاعة الطهطاوى، لكن لا مفر من السعى إلى التجديد، دون خوف أو وجل. المجدد، عادة، يصطدم بالوعى الاجتماعى العام، ولدينا أناس يعشقون «النفاق الاجتماعى»، وأساتذة لنشر الجهل العام، فيثيرون الرأى العام ويتملقون قطاعات من المجتمع، بتخويفهم وإثارة الفزع لديهم، من كل جديد، هذا ما تعرض له الشيخ محمد عبده وقاسم أمين وطه حسين وعلى عبدالرازق ومصطفى عبدالرازق وعبدالمتعال الصعيدى وفرج فودة وغيرهم، وقد أثبتت السنوات أن هؤلاء جميعاً كانوا- إلى حد كبير- على صواب، كل فيما ذهب إليه.

الاجتهاد والتجديد أو التواطؤ الصامت مع التشدد والمتشددين؛ ولا مجال أمامنا للمفاضلة.
نقلا عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع