بقلم الباحث / نجاح بولس
إهتزت اوروبا وانتفض العالم معها مساء الجمعة 13 نوفمبر الجارياثر حادث إرهابى هو الأخطر والأكبر منذ تفجيرات مدريد 2004 م تعرضت له باريس عاصمة الفن والجمالالفرنسية عبر هجمات في أماكن متفرقةتسببت في مقتل ما يزيد عن 150 شخص وإصابة مئات آخرين ، وقبل توارد أى أخبار عن هوية منفذي الهجمات وجنسياتهم بدأ المجتمع الغربي والأوروبي بالتحديد في كيل الإتهامات للعرب والمهاجرين وخصوصاً المتشددين الإسلاميين لكونهم وراء أغلب الأحداث الإرهابية التي تعرضت لها أوروبا في العقدين الأخيرين .
وبعد ساعات من الحادث جاءت نتائج البحث الأولية لتؤكد صدق التكهنات بضلوع متشددين إسلاميين في الحادث ، وكانت المفاجئة أن من ضمن منفذي الحادث شباب من الجيل الثاني والثالث للمهاجرين العرب والمسلمين في اوروبا ، ولدوا على أرضها ، وتعلموا في مدارسها ، وتثقفوا بثقافتها ، مما مثل صدمة لقادة أوروبا الذين اكتشفوا ان مناخ الحرية والانفتاح المجتمعى المتاح لهذا الجيل لم يفلح في خلق نسخ وقوالب إجتماعية تختلف عن نسخ الجيل الأول القادم من الشرق الأوسط كما كانوا يعتقدون .
كان الرهان الاوروبى على المهاجرين يتجه نحو الأجيال اللاحقة المولودة على الأراضي الأوروبية ، والتي كان يُعتقد أن ظروف نشأتهم في أوروبا كبيئة انسانية صالحة ستكون دافعاً لرفض تشدد وتطرف آبائهم الناتج عن تقوقعهم حول أفكار رجعية عفى عليها الزمن ، لأنهم بالطبع سيتمتعون بما لم يتاح لجيل الآباء من الضروريات الاساسية في أوطانهم الأصلية .
فقد كان - ولا زال – تحليل اوروبا لأسباب التطرف والإرهاب مقتصر على العوامل الإقتصادية والإجتماعية ومناخ الحرية المتاح في الدول العربية والإسلامية ، فراودتهم الآمال في تصعيد أجيال سوية من أبناء المهاجرين يساهمون في دفع عجلة التنمية دون أن يعاني المجتمع مما عاناه مع بعض الفئات المتشددة التي استقبلها المجتمع الأوروبي ضمن الجيل الأول للمهاجرين .
فجاء حادث باريس الأخير كاشفاً لفشل التوقعات وغياب الرؤية المتعلقةبالجيل الثاني الذي كان يؤول عليه القادة والمفكرين الاوربيين خيراً ، فكانت النتيجة مخيبة للآمال والقت الذعر في قلوب من فتحوا حدودهم لبعض المتطرفين المطلوبين في أوطانهم ، وقدموا لهم كل سبل الحياة الكريمة ، ومدوهم بمختلف الإمكانات الإقتصادية ، بل وميزوهم في كثير من الأحيان عن غيرهم من المهاجرين المعتدلين لأسباب لا مجال للحديث عنها في هذه المساحة .
لم يكن حادث باريس الأخير هو الأكبر في تاريخ الهجمات الإرهابية على أوروبا ، إلا انه يعد الأخطر والأكثر إحداثاً للإرتباك بين القادة في جميع دول القارة العجوز ، ليس بسبب الخوف من تكراره في دول اخرى مجاورة فقط ، ولكن ايضا بعدما تبين اكتشاف جيل جديد من الإرهابيين الجدد غير مهاجرين من الدول الإسلامية هذه المرة ، ولا يخضعوا للتحليلات الكلاسيكية المتعارف عليها لاسباب التطرف والإرهاب ، لإنهم بالفعل ولدوا على الأراضى الأوروبية وتعلموا من ثقافتها ، لم يتجرعوا من مناهج العنف والكراهية كحال آبائهم ، كما لم يعانوا من الإضطهاد والقهر الإجتماعى او الضيق الإقتصادى الذى دفع الجيل الأول من الإرهابيين الى التطرف ومعاداة أوطانهم بل ومعاداة الإنسانية .
وضع الحادث الأخير صناع القرار في اوروبا أمام تحدٍ قاسي لتصحيح أخطائهم القديمة ورهانهم الخاسر على الأجيال اللاحقة لأبناء المهاجرين ، فبدأ البعض يطلق تصريحات تتعلق بمحاصرة الخطاب الديني الإسلامي المتشدد في أوروبا ، باعتباره من الأسباب الرئيسية للإرهاب وخصوصاً بعد براءة العوامل السياسية والإجتماعية والإقتصادية من التهمة نفسها ، فجائت تصريحات عنصرية لبعض كبار السياسيين بضرورة ترحيل المتشددين وسحب الجنسيات الأوروبية الممنوحة لهم والتضييق على الجاليات العربية والإسلامية المهاجرة .
تصريحات غير مسئولة وغير منطقية إن دلت فعلى تكرار الفشل في حل المشكلة التي تسبب فشل آخر في وجودها ، وإن كانت مناسبة للتعامل مع المهاجرين الجدد ، فماذا عن الجيل الثاني والثالث للمهاجرين والحاملين جنسية الدول الأوروبية بحكم المولد ، واللذين قد يكونوا غير حاملين لجنسية أوطان آبائهم الأصلية من الأساس ؟ هل سيتم ترحيلهم ايضا ؟ والى اين ؟ وماذا عن هولاء المعتدلين سواء من الجيل الأول للمهاجرين او الأجيال اللاحقة ، كيف سيتم التفرقة بينهم وبين الآخرين المتطرفين ؟ وهل من الأساس سيتحمل المجتمع الأوروبى التفريط في كتلة اساسية اصبحت من ضمن النسيج الأوروبى وجزء لا يتجزء من بنائه الإجتماعى ؟ وإن لم تستطع أوروبا التخلي عنه ، فكيف ستواجه مستقبل لا يختلف كثيراً عما صنعته في دول الشرق الأوسط من ارهاب وقتل وتدمير بيد أولادها المولودين على أرضها ؟؟
تساؤلات غامضة تسبب في طرحها رهان خاسر متهور غير مسئول يتعلق ببقاء اوروبا أو دمارها واضمحلالها ، أقدم عليه الاوربيون ولم يتوقعوا خسارته رغم تحذيرات زعماء العديد من الدول العربية التي واجهت الإرهاب وحاربته فتغلبت عليهبعضها وهزمته ، وتغلب هو على اخرى ودمرها .