مدحت بشاي
في مواجهة الأعمال الفنية الهابطة ، يكتفي الإعلام بكافة وسائطه ــ وبشكل خاص الفضائيات ــ بإعداد ملاحم البكائيات وعنتريات السباب والشتائم واستدعاء أشاوس الدفاع عن القيم الغائبة والفضيلة التي باتت تنتحب على الشاشات أو صفحات الجرائد الصفراء ، ولا يتم الذهاب إلى لعب الدور الأهم في تعريف الناس بالأعمال الفنية الناجحة والهامة والتي تقدم أروع النماذج في تاريخ فنوننا المصرية ، بل والفنون العربية والإقليمية والعالمية ومدارسها وأصولها ومبدعيها الأشهر ، ولو من باب الاستجابة للدعوة الأشهر للكاتب الرائع يوسف إدريس " أهمية أن نتثقف ياناس " ..
وعليه ، أسعدني موقف إيجابي لمذيع يقوم بتغطية الاحتفال بإزاحة الستار عن التمثال النصفي بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الكاتب الراحل عباس العقاد بأسوان ، لقد صرخ المذيع فور اقتراب كاميرا برنامجه من التمثال ــ وله كل الحق ــ مُعرباً عن غضبه ودهشته البالغة لرداءة العمل من حيث الحجم وبُعد الشبه عن ملامح الكاتب المحتفى به ، و الأغرب زاوية الإضاءة الموجهة من أسفل بظلال حادة وكأن المحافظة والجهة المسئولة قد قررت أن يعود كاتبنا للظهور ولكن بقناع الشرير البشع في احتفال بيوم الهالوين !!!
ورغم أنني وغيري كثيرون كتبنا في مأساة تبني وزارة الثقافة والمحليات لمشاريع إقامة مثل تلك التماثيل المشوهة لتاريخ واسم وإنجازات أصحابها ، ولكن لا حس ولا خبر لازال التمثال القزم للبطل العملاق الشهيد عبد المنعم رياض المطل على ميدانه العظيم المتسع يمثل إهانة لرمز من رموز العسكرية ولا مستجيب ولا محاسب ، أما تماثيل أمير الشعراء أحمد شوقي وعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين ونجيب محفوظ أديب نوبل ، فالأمر لا يقل بشاعة ... أذكر ــ وياللغرابة ــ أن رد الفنان التشكيلي ــ وهنا أقصد ذكر أنه فنان تشكيلي ــ فاروق حسني ، عندما قال " مصر ماعندهاش محمود مختار تاني" .. رد أكثر بشاعة من وجود مثل تلك الأعمال لنكران وجود فنانين كبار ولهم متاحف وأعمال !!
لا شك أن تجديد الخطاب الثقافي وفي القلب منه الخطاب الفني والجمالي لمحاربة كل أشكال القبحىفي حياتنا بات ضرورة ملحة ، بالتوازي مع أهمية تجديد الخطاب الديني والإعلامي ، ونحن نُحارب كأمة وشعب ومنطقة إقليمية محاربة شرسة للنيل من تاريخنا وحضارتنا العظيمة ..
وأعتقد أن وزارة الثقافة بكل أجهزتها ينبغي أن تكون في مقدمة مؤسسات الدولة الموكول لها وضع الخطط الواضحة المعالم لدعم المعارف الإنسانية والتنويرية في مواجهة خطابات التخلف والرجعية والانتهازية السياسية والإرهاب الفكري التي يساهم وجودها في تعطيل كل جهود التنمية وصناعة التقدم .
ولعل من بين تلك الأدوار نشر المفاهيم الجمالية في زمن بات القبح والتلوث البصري مشوهاً ـ للأسف ـ للواقع الإنساني في مصر ومجتمعاتنا العربية ، وعليه ففنون الصورة وتدريب الإدراك البصري على قراءة جمالياتها ضرورة ينبغي أن تفرضها جهود كل من يأملون توفير ما يُطلق عليه " شروط جودة الحياة " ..
medhatbe@gmail.com