محمود بسيونى
سمع الفرنسيون صرخة قائد الجيش في الاذاعة وهو يقول " نحن في حرب " ، مجلس الدفاع الوطنى اتفق علي الانتقام ، لا بديل عن مواجهة الارهاب ، لا بديل عن حماية المواطنين ، الفرنسيون خطفوا انظار العالم حينما غنوا جماعيا النشيد الوطنى "المارسيليز " اثناء خروجهم من استاد " دو فرانس " بعدما شهد اول الهجمات الارهابية ، بحضور الرئيس الفرنسي نفسه ، رددوا " العلم الملطخ بالدماء قد رفع " الي السلاح يا مواطنين " انها الاغنية التى الهبت العالم حينما بدأ تحرير فرنسا في الحرب العالمية الثانية من الاحتلال النازي ، الشعب يلتحم بالدولة ، يقرر قبل الساسة ، استعدوا الحرب .
نحن امام نسخة أخطر من ١١سبتمبر في تأثيرها ونتائجها الوخيمة ، لقد حانت لحظة الحقيقة ، داعش وصلت اوروبا محملة بمخزون هائل من الكراهية والعنف ، بعدما دمر الطيران الروسي والفرنسي دولتهم المزعومة في سوريا ، وقتل الكثير من قياداتهم ، تحول خطير في التنظيم والتخطيط ودقه التنفيذ ، ٨ انتحاريين فقط بثوا الرعب والفزع في قلوب الملايين .
المؤكد انه لا يوجد نظام امنى محكم في العالم ، كل نظام امنى به ثغره ، الارهابي يعلم ذلك جيدا ، بل يعلم كيف يدفعك للخوف منه والتعاطف معه ،رو يخطط للقتل دون خوف من رده الفعل علي المسلمين ، فهو يعلم ان مؤسسات حقوق الانسان ستدافع عنه اذا تم القبض عليه، كما تقيد الحكومة الفرنسية نفسها بالقوانين والمواثيق الدولية و لن توسع دائرة الاشتباة لتصل الي المخططين والمساعدين و الممولين المختفين بين المواطنيين العاديين ، وستقوم الصحف والقنوات التليفزيونية بالهجوم علي حكوماتها بسبب خلل اجراءات الامن ، ويتصارع السياسيون حول ما السبب تاركين من السبب ، لان الانتخابات قادمة ، دائرة جهنمية بلا نهاية .
لقد تطور العمل الارهابي في السنوات الاخيرة واصبح بالغ الدقة ، مما يؤكد ضلوع اجهزة مخابرات قوية في التعاون مع التنظيمات الارهابية ، و تصور العمليات وتعرض على مواقع الانترنت ، حتى تمجد التنظيمات في منفذي العملية ، وتكتب الصحف بجوار اسمائهم لفظ استشهادي او جهادي دون ان يدرك هؤلاء خطورة ذلك علي المدي البعيد ، فهنا في مصر و باقي الدول العربية من يري هؤلاء ابطال ومجاهدين في سبيل الدين ، وتلك هي المصيبة .
لم نعد امام تنظيمات يتبعها العشرات ، او المئات وتعيش في الجبال او الصحراء ، لقد اصبحوا في الجوار ، لقد حول ما سمى بالربيع العربي كثير من الدول لملاعب للارهاربيين ، وافكارهم الجاذبة للشباب المتدين والمتعصب ، بل وصل الامر الي انشاء معسكرات تدريبية لهم في الدول المدمرة مثل ليبيا وسوريا والعراق ، بمساعدة تركية قطرية ، ورضى امريكى ودولى ، وفق تصور يقول ان الارهاب السنى يمكنة مواجهة التمدد الايرانى ، دون ان يدركوا ان النار ستحرقهم في النهاية وهو ما حدث من قبل في ١١سبتمبر ، و اخيرا وليس اخرا فرنسا .
ان ما تم مع الدول العربية كان جريمة متكاملة الاركان ، ودعم التيارات المتطرفة مثل الاخوان للوصول الي السلطة وبقائهم فيها وفر الحاضنة الشعبية لانخراط الالاف الشباب في صفوف الارهابيين ، وتشبعهم بافكارهم ، والايمان بان القتل هو الطريق الي الله ، و دماء الابرياء هي طريقة للجنة ، العالم سيواجة موجة عاتية مدمرة لم يشهدها من قبل بسبب مقامرته الغير محسوبة في الشرق الاوسط ، خاصة اوروبا .
لقد تبنى الاتحاد الاوروبي لسنوات تمويل مؤسسات حقوقية ووضعت لها اجندات سياسية لاضعاف الانظمة الحاكمة ، بهدف خلخلة الدول القوية فيها تمهيدا لتسليم السلطة للتيارات المتطرفة وفق تصور ان الديمقراطية وتمكين المتدينين من الحكم قد يحمى اوروبا من تدفق اللاجئين ، ويوقف العمليات الارهابية ، ويساعد علي تفريغ عشوائيات ضواحى المدن الاوروبية من المتطرفين بالعودة الي بلادهم ، ليحكموا بالشريعة كما يرغبون و الابتعاد عن مضايقتهم ، بل وانتهجت لندن صناعة علاقات قوية مع التنظيمات السياسية المتطرفة بايواء قيادات ومقرات التنظيم الدولي للاخوان المسلمين اصل كل هذه الشرور ، فلا يوجد قيادي ارهابي لم يمر علي جماعة البنا بداية من بن لادن والظواهرى ، حتى ابو بكر البغدادي ، وسمحت اوروبا لائمتهم بالاستئثار بمنابر مساجد اوروبا ومن هنا تبدأ كل النار المستعده الان لالتهام اوروبا من داخلها .
المؤكد ان هناك دول اوروبية اخرى ستشهد هجمات قريبة ، تخطيط العملية يؤكد انها سلسله متصلة لن تتوقف في فرنسا ، لا خيارات امام اوروبا ، اذا رغبت في انقاذ نفسها والعالم سوي التعاون مع الرئيس عبد الفتاح السيسي ، وتنفيذ خطته لمواجهة الارهاب والتطرف علي مستويين ، الاول القضاء علي التنظيمات الارهابية وتصفية معسكراتها في ليبيا وسوريا والعراق ، التعاون في بناء الدولة الليبية وتقوية جيشها ووقف زحف المتطرفين نحو السلطة ، ووقف حمام الدم السورى وفق المصلحة الوطنية السورية والمحافظة علي الجيش السورى .
والثانى وقف ايواء قيادات الجماعات الارهابية في اوروبا وتسليم المطلوبيين امنيا لمحاكمتهم في بلادهم ، واعطاء الازهر الشريف الولاية علي كل مساجد اوروبا ، ودعم جهود الرئيس في تجديد الخطاب الدينى ، ووقف خطاب الكراهية ضد الاخر .
بدون تلك الاجراءات سيستمر الارهاب الي امد لا يعلمه الا الله ، نحن بصدد حربا عالمية من نوع جديد ، سيحارب فيها العالم كله اشباح قادمة من الظلام ، اشباح لا تعرف الانسانية ، ولا تتقيد بحقوق الانسان ، قوى شر لم يعهدها التاريخ من قبل ومنتشره حول العالم كالقنابل الموقوتة ، مشحونة بافكار تجعلها جاهزة للتفجير في اي وقت ظنا انها ترضى الله ، البشرية تحتاج الى التعاون الجاد من اجل مواجهة الوحش الذي خرج عن سيطرة صانعيه ، قبل فوات الاوان .