الأقباط متحدون - إنها مصرنا يا كلاب جهنم
أخر تحديث ٠٤:٢٦ | السبت ١٤ نوفمبر ٢٠١٥ | ٤ هاتور ١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٤٦ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

إنها مصرنا يا كلاب جهنم

سيد القمني
سيد القمني

 كدت أهنيء نفسي وأهنئكم قرائي الموافقين والمعارضين بشهر رمضان الكريم، لكن غصة في الحلق ومرارة في الروح تصبغ التهاني بالكآبة والوجع، بعد أن هدمت أفراحنا بنصرنا الأكتوبري العظيم كلاب جهنم في طابا الغالية. طالما سادتي حذرنا وكثيرا ما نبهنا، وقلنا في هذه المجلة قولا طويلا بشأن ما سيجره علينا خطابنا المشيخي والقومجي، وأن كراهيتنا المبررة أو غير المبررة لأمريكا لا تبرر تأييدنا للسفاحين من مجرمي القاعدة في العراق بحسبانهم مقاومة وجهادا في سبيل الله، وأن ما تفعله القاعدة في العراق بعد تسلل عناصر غير عراقية إلى داخل العراق، هو بدوره وجود أجنبي يقود حملة مجازر تعادل في وجودها هناك الوجود الأمريكي، إن لم تكن أسوأ، لأن وجود التحالف في العراق قد اكتسب مشروعية دولية بأهداف علنية واضحة للعالم. وأن وجود أجانب من القاعدة في العراق قد حول المعركة من معركة تحرير إلى ساحة لتخليص الثأر، ليدفع العراقيون ثمن الزمن الصدامي الدامي الرهيب، ويدفعوا أيضا ثمن حرب القاعدة وأمريكا دون مستحقات عليهم لأي من الجانبين.. ويا لهفي عليك يا عراق. أبدا لا يبرر موقفنا كراهيتنا لـ«معاوية» ولا حب «علي»، أبدا لا يبرر موقفنا كراهية أمريكا كي نحب القاعدة. من موقف الكراهية وحده قامت مبادئنا إزاء ما يحدث في العراق، فأجمع الخطاب الإسلامجي مع الخطاب العربجي القومجي على تسمية ما يرتكبه الإرهابيون في العراق بالجهاد، ونسبوه للإسلام، رغم أن هذه النسبة بينها وبين الإسلام مسافات لم تملأها حتى الآن أي دلائل مشيخية بينات مقنعات اللهم سوى الكراهية وحدها.

 
قلنا على صفحات هذه المجلة أن تشجيع الفريق السني «القاعدة فرع العراق» من جانبنا وتبرير أفعاله المجرمة في حق الإنسانية من قبل مشايخ العرب، وتشجيع الميليشيات الشيعية الصدرية من قبل إيران. وصدور فتاوى مشايخنا مثل «قرضاوي الديمقراطي» لصالح الذبح والدم للأبرياء سيؤدي إلى تفجر العراق. والعراق قنبلة هائلة غير ذكية. وإن تفجر العراق فإن شظاياه ستمتد من فاس إلى بغداد وإلى كل بلاد العرب أوطاني. وسيتحول شرق أوسطنا الكبير إلى بؤرة التهاب مزمنة في كوكب الأرض. ونحن من سيكون في قلب البؤرة. وعدنا وزدنا ورجعنا للأصول في أمهات علومنا الإسلامية نستمد منها المواقف التي لا تخرج عن الإسلام وفي الوقت نفسه تراعي مصالحنا. فهل نحن ننادي في موتى؟ ليتهم كانوا موتى لأراحوا واستراحوا، لكنهم أحياء من قوتنا يرزقون وعلينا يتسلطون وضد مصالحنا يفتون، وبكل جهل يتغنون بغض النظر عما يحدث للناس وللأوطان، فهم في كل وقت وزمان سدنة الدين طالعين واكلين نازلين واكلين.
 
ومن هنا لا يشغلهم أبدا ما يحدث لبلادنا ولا لناسنا لأنهم بنار ما يحدث لا يكتوون، لذلك ظلوا يسمون ما يحدث في العراق مقاومة، تساندهم صحفنا بغباء منقطع النظير يصور كل ما يحدث في العراق على أنه مجازر أمريكية لمزيد من تجييش الناس تحت راية الجهاد والكراهية. وكان أهم ما نبهنا عليه أن تشجيع القاعدة فرع العراق وتبريرها هو تشريع للفعل مجردا، تشريع لها كي تضرب في أي مكان، في روسيا، في فرنسا، في السعودية، في مصر لا فرق. والآن.. وبعد مؤامرة السابع من أكتوبر، بتعبير الأستاذ محمد عبد المنعم، ترى ما هو موقف أبنائنا من أدباء الأقاليم الذين عقدوا مؤتمرهم في الأقصر وتبنوا تحويل العراق إلى فيتنام ثانية لأمريكا؟. بغض النظر عما حدث للفيتناميين، وبغض النظر عما يحدث للعراقيين، لقد أكلوا وشربوا وانبسطوا وناموا في الفنادق الفاخرة وألقوا شعرهم وقصصهم على بعضهم ثم ذهبوا ليناموا في بيوتهم يحلمون بمساحات الدم العراقية في فيتنام العراقية المأمولة.
 
المهم هو إغراق أمريكا في وحل فيتنام أخرى. رغم أن الفيتناميين لا يتمنون أبدا عودة ما حدث حتى لو كان فيه «ولو خيالا» القضاء على أمريكا نفسها. الآن بعد طابا ما هو رأي صحفنا القومية وتلفازنا العبقري ومشايخنا المناضلين أمام صواني الثريد واللحم الطري يجلسون على أكتافنا أرائك وعلى ظهورنا طنافس ومن لحم أكتافنا يأكلون كما يشاءون، ثم ما رأى القومجية من جماعات الكوبونات النفطية والفضائح التاريخية والذين وإن تأجلت فضائح بعضهم فهي إلى حين.
 
الآن بعد طابا ما هو رأى شارعنا المجني على دماغه بخط إعلامي ساخن لا يضخ فيه إلا الجهاد بالقنابل والرصاص، في خط واحد أحد لا يعرف المواطن غيره، نصفه كذب على الحقائق وتزوير الخبر الذي يُعطى للمواطن مبتسرا أو مكذوبا أو مزورا لمزيد من الشحن ضد أمريكا، ونصفه شحن لآليات الكراهية والدمار بطلب من رب السماء. الآن يواجهكم جميعا حضرات السادة المناضلين السؤال: بماذا نسمي كلاب جهنم الذين ذبحوا فرحنا يوم السابع من أكتوبر، ولطخوا وجه مصر الحضاري بالدم. ووجهوا إلى كرامتها طعنة خسيسة أمام الدنيا، بعد أن كان فخرنا أننا قد طهرنا أرضنا من الإرهاب. كم أجهضت كلاب جهنم أفراحنا، فهم لا يسعدون إلا بالدم والبكاء فانتقوا أيامنا الخالدة وأفراحنا الوطنية لتحويل أعراسنا إلى مآتم، لأنهم ضد الفرح الوطني بل هم ضد الأعياد الوطنية. بل يعادون فكرة الوطن أصلا، كما في سخرية قرضاوي منها إذ يسميها تصغيرا وتحقيرا «رابطة التراب والطين التي تناقض توجيه القرآن الذي يلغي كل رابطة إذا تعارضت مع رابطة الإيمان والإسلام والعلمانية ـ 98، 99». وهي ذات الرابطة التي تعتبرها مناهج التعليم السعودية مثلا «لونا من الفسوق الذي عاقب الله به بعض الشعوب الإسلامية ـ منهج التوحيد 3/ث/ص74». 
 
الآن لعل السؤال المطروح على ضمائركم سادتي قد أصبح واضحا: ترى بم تصفون كلاب جهنم الذين نهشوا كرامة بلادنا واعتدوا على أمننا؟ هل هم مجاهدون؟ أم هم إرهابيون يستحقون أن نطاردهم حتى أقصى الكون ثأرا لمصر ولأنفسنا. أو أن نطاردهم إلى أقصى فكرة مجنونة داخل أدمغتهم المسعورة بشهوة الدم والهدم؟. ترى ماذا يقول لنا سيدنا قرضاوي وسيدنا هويدي بالذات وبالخصوص بعد سلسلة الفتاوى من الأول وسلسلة مقالات السم الناقع المملوءة كراهية وتحريضا؟. أحدهم يفتي بالدم، والثاني يتقدم بالشرح والتحليل والإقناع، والثالث يقوم بالضرب في أي مكان. لكنكم سادتي في موقف الإجابة الاضطرارية الآن على أكثر من سؤال وليس سؤالا واحدا. دعوني أسألكم: من هو الوطني ومن هو الخائن مادمتم مغرمين بتحديد المصطلحات؟ أم لعلكم مازلتم عند السؤال الإرهابي: من هو المؤمن ومن هو الكافر؟ أي السؤالين عندكم صحيح يا سدنة التاريخ العربي الإسلامي الأسود ؟. هل نحن وطن واحد له حكومة معروفة وحدود إقليمية كل ذرة فيها هي كبد الوطن، أم نحن ولاية ضمن أمة لها خليفة متنكر في صورة قرضاوي أو في شكل هويدي يصدر الفتاوى ويشرح ويبرر القتل في فتوى عابرة للقارات تتدخل في شئون كل دولة يعيش فيها مسلم بالكراهية والفساد والدمار، ويؤكد وجوده كسلطة لأمة خفية نحن ضمنها. وأن هذه السلطة تصدر تشريعات باعتبار الفتوى تشريعا، لم يوافق عليها البرلمان ولم تعرض علينا لنوافق عليها، فأصبح لدينا سلطتان: سلطة الدولة المعروفة وسلطة الدولة الخفية الظلامية. وهو ما يستدعى السؤال لسادتنا سدنة الكراهية وأفراح الدم: هل قوانيننا دستورية وضعية أم قوانيننا هي فتاواكم التي تقولون عنها شرعية وتسلبون الشرعية عن الدستورية التي هي أكثر شرعية من أي شرع آخر حتى لو دعوتم له السماء نصيرا.
 
أم ترانا يا حضرات السدنة فرانكو إسلام. وهل تراكم بما أصبحتم تملكون من محطات فضائية وصحف دينية واختراق علني لأكبر مساحات في إعلام الدول الإسلامية. تراكم ظننتم أنكم الناطق الرسمي باسمنا والمعبر عن شعوبنا؟ مشكلتنا أن الصوت الديني السلطوي وهو يمارس وجوده ثقافة وتشريعا وسياسة واقتصادا إسلاميا وإرهابا لا يتحمل مسئولية ما يفعل أمام العالم، ليتركنا نحن وأنت يا حكومة نتحمل المسئولية أمام العالم على ما لم نفعل.
 
وسؤال آخر للناس: هل المعارك التي تخوضها جماعات الإسلام السياسي اليوم ضد العالم هي باسمكم وهل وافقتم على إعلانها؟. إن إعلان الحرب يكون بقرار البرلمان ويعلنه رئيس الجمهورية وهو ما لا ناقة لنا فيه ولا جمل بل نحن مجني عليه. إذن من يبارك فعل أي جماعة منهم إنما يعطى الفعل مشروعية العمل في أي مكان، كما فعل قرضاوي الديمقراطية عندما شرع بالنيابة عنا جميعا قطع الأعناق للمدنيين في العراق. ومن ثم فقد شرع ضرب طابا أيضا. سؤال آخر لعامة المسلمين: هل كل تلك المعارك التي تخوضها القاعدة في العالم هي حروب تحرير؟. إذن لماذا قتل العراقيين على الهوية الدينية والمذهبية كقتل الشيعة والمسيحيين والصابئة الحرانيين والآشوريين وغيرهم؟ هل هي حروب ردة ضدنا باعتبار أن جميع المسلمين قد ارتدوا ولم يعد موجودا في الأرض على هدى الإسلام سوى القاعدة وحدها؟. هل هي غزوات لإقامة الخلافة؟. تصور بعضهم يقول هذا متصورا أن بلدا مثل مصر يمكن أن يعود ولاية لسيد قرشي وأن نعود موالى للسيد العربي، وهذا هو الخبل العظيم. 
 
 
أم هي حروب فتوحات؟ وماذا تفتح تحديدا؟ وماذا تحقق بهذا الفتح المبين؟ الأسئلة كلها مطروحة علينا كلنا وبخاصة على مشايخنا الأجلاء الذين يعلن بعضهم إدانته لأعمال القاعدة البربرية حرجا، ومن طرف اللسان مع التماس التبريرات والأعذار والبحث عنها في فلسطين أو البوسنة أو الشيشان، لكنهم جميعا لم يعلنوا حتى الآن إدانة دينية شرعية مدعمة بالقرآن الحكيم والحديث الشريف وقول الفقهاء الأكابر، كما يفعلون عادة في صغائر الأمور، لم يعلنوا تلك الإدانة واضحة بمحفل إسلامي عظيم الشأن يجمع كل صنوف المسلمين على كل مللهم ونحلهم لإعلان تكفير القاعدة وكل إرهاب متأسلم وخروجه على الدين بالضرورة وإهدار دم أي منهم لأي مسلم كباب للجنة أكيد، حتى نبريء أولا أنفسنا، وثانيا حتى نبريء إسلامنا، وثالثا حتى نلقي العار عن عاتق المسلمين، ورابعا حتى لا تبدوا أسودا على المثقفين الليبراليين فقط تحاكمونهم وتصادرونهم وتفتون بكفرهم وتقتلونهم، من باب تحسين الصورة يعنى. هل تسمعني يا كبير الأزهر؟ هل تسمعني يا مفتينا؟ هل تسمعي يا حكومة؟ هل تسمعني يا وزير الإعلام؟.
 
عليكم بإجابات واضحات ومواقف تناسب قيمة مصر في هبة واحدة تثأر لكرامة مصر وتحق الحق في مواطنه وتردع أي عابث بأمننا ليفكر ألف مرة قبل أن يعبث، الأمر لا يلقي على عاتق وزارة الداخلية وحدها، إنما هو ملقي عليكم جميعا. أيها السادة أهلي وناسي مسلمين ومسيحيين، السؤال الأخطر الملقي علينا جميعا هو: هل سيتمكن النافخون في أبواق الكراهية والدم من إسلامجية وعروبجية أن يصدوا عنا الغضب الأمريكي الحقيقي؟ وليس الأمريكي فقط بل والروسي والفرنسي والأسباني والألماني، باختصار غضب الأمم المتقدمة جميعا إزاء أمتنا المسكينة بنت السبيل؟. من سيدفع عنا الغضب عندما يبدأ؟ ومن سيدفع الثمن؟ أليس هم «المسلمين الطيبين» الذين لم تتلوث أيديهم بشيء مما يحدث بقدر ما هي معطرة بطين مصر وزيت مصانعها وصحائف موظفيها؟ والمسيحيين المصريين لأنهم مصريون وكل ملة ولون أيضا، إن كل الخطط السلمية طويلة الأجل لمعالجة أحوال الشرق الأوسط وثقافاته لتعيش القرن الحادي والعشرين، يمكن أن تتحول عن حلم بغد مشرق إلى واقع بركاني تتحول فيه بلادنا إلى ساحات معارك لا نسعى إليها ولا رغبة لنا فيها ودونما ذنب جنينا إن لم نأخذ فقط على يد المتطرفين، بل أيضا على الفكر المتطرف بفتح مساحات الرد عليه وردعه فكرا بفكر ومحاصرته والقعود له كل مرصد. وأن نتحاكم كشعب متحضر إلى قاض سيرضي به الجميع هو شعب مصر، هذا مستوى ندعو إليه بفتح باب الفرص المتكافئة لمناقشة الفهم الديني المطروح على الساحة أمام الفكر الجديد. ثم هناك مستوى آخر هو مستوى القانون الذي لابد من تفعيله لتكريس هيبة الدولة، فلا نسمح لمن يكفر القوانين الوضعية بفتاواه وإعلانها وكتابتها لأنه اعتداء على نظام الدولة، ولا نسمح لمن يدعو إلى تطبيق شريعة غير ما نشرع لأنفسنا وبمراعاة القوانين الدولية ومواثيقنا العالمية، فلن يمكننا مثلا تشريع بيع الجواري ما دمنا قد شرعنا الجهاد وكلاهما من لزوم ما يلزم لبعضهما لوجود السبايا، ولا نسمح باتخاذ الدين وسيلة للاعتداء على الآخرين. كما لن نسمح بإقامة ساحات القطع والذبح، وهي بدورها من لزوم ما يلزم عن المناداة بالشريعة وتكفير قوانين الدولة؛ ولأن المواثيق الدولية جميعا لم تعد تسمح بالعقوبات البدنية ولا باغتصاب النساء باسم السبي ولا بالاعتداء على الآخرين باسم الدين، فلا لقاء مع المواثيق العالمية إلا بقوانين إنسانية وضعية تناسبنا وتناسبها وفق مصالحنا وشروطنا.
 
هل آن لمشايخنا إذن أن يجتمعوا مرة اجتماعا ذا جدوى وأثر فيكونون قد قدموا شيئا مفيدا للإنسانية عبر تاريخهم الطويل. قولوا لنا سادتي ما هو الوطن وما هي هويتنا؟ هل الوطن هو الإسلام أم هو مصر؟. وعلى الإجابة يمكن البناء أو يمكن الهدم والدم. 
 
(نقلاً عن "روز اليوسف")

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع