بقلم : عمار علي حسن | الخميس ١٢ نوفمبر ٢٠١٥ -
٠١:
٠٩ م +02:00 EET
عمار علي حسن
( 1 )
ما يجرى على الساحة السياسية يثير تساؤلات مرعبة عما إذا كانت مصر قد عادت إلى عصر «مراكز القوى» فهناك قرارات وإجراءات وسياسات محيرة ومتضاربة ومتخبطة، لا يمكن أن تكون ناتجة عن مصدر واحد يفكر بروية وإخلاص فى مصلحة بلدنا، وإذا لم يتوقف هذا العبث فإن المسار سيكون صعبا، والمصير سيكون مخيفا.
( 2 )
الذين جددوا مطالبتهم الرئيس عبدالفتاح السيسى بتأسيس حزب سياسى لم يقرأوا الدستور جيدا الذى يمنع ذلك، وفى الوقت نفسه لم يقرأوا الواقع الذى يقول إن الرئيس قد شكل بالفعل حزبه السياسى، أو بمعنى أدق حزبه الاجتماعى الذى يمكنه فى لحظة، أن يحوله إلى عمل سياسى، يصوت له فى الانتخابات، ويدافع عنه، ويتصدى لمن ينتقدونه، ألا وهم كل أولئك الذين وضعوا مدخراتهم أو جزءا منها فى مشروع توسيع قناة السويس ويحصلون على نسبة الفوائد المرتفعة التى تتعدى 12%، فهؤلاء ارتبطت مصلحتهم بالسيسى، وهم حزبه غير المعلن، وغير السياسى، والذى من الممكن أن يتسيس أو يتحرك نحو السياسة فى أى لحظة. هذا بالطبع إلى جانب أحزاب سياسية بعضها مصنوع فى معامل السلطة مثل «مستقبل وطن» وبعضها مستعد أن يقف إلى جانب الرئيس لتحصيل منافع، كما جرت العادة منذ أيام حكم المخلوع مبارك، ومثل هؤلاء أكثر مما يتصور أولئك الذين يطلبون من السيسى تشكيل حزبه.
( 3 )
كل الذين يطالبون بإطالة الفترة الرئاسية التى حددها الدستور بأربع سنوات تجدد مرة واحدة عبر الانتخابات، لا يريدون خيرا لبلدنا، لأن الذى أفسد كل شىء هو «التأبد» فى الحكم، أو إطالة أمده. والذين يتحرشون فى هذا الوقت الحرج بدستور «النوايا الحسنة» طمعا فى رضا السلطة، لا يدركون أنهم مثل الدبة التى قتلت صاحبها، أو مثل نافخ النار الذين يتطاير شرره ليحرق الأخضر واليابس، وهو يحسب أنه يحسن صنعا.
( 4 )
أعجب ما يقال الآن من المنافقين الآكلين على كل الموائد «لا نريد برلمانا يعطل برنامج الرئيس» فالرئيس قال صراحة وقت ترشحه: ليس لدى برنامج. ورغم كل ما جرى لا يزال هناك بيننا من ينتظرون فى لهفة ميلاد برلمان يرج تصفيق أعضائه الحوائط ويسيل فى شارع قصر العينى حتى يصل إلى ميدان التحرير ثم يتحول إلى ريح هادرة تجرف فى وجهها كل اللافتات التى رفعت هناك يوما وطالبت بالتغيير.
( 5 )
المشكلة الرئيسية التى واجهتنا، ومن دون مواربة، هى أن الثورة السياسية سبقت فى بلدنا الثورة الفكرية التى هى مقدمة لازمة للإصلاح الدينى، فبعدهما يصير الأمر سهلا، حين تتذلل كل العقبات التى يصنعها الجهلاء والمغرضون والقابلون لتزييف الوعى والإرادة أمام الذين يطالبون بعقد اجتماعى جديد بين الناس والسلطان.
( 5 )
الأحزاب المتهالكة إما بفعل سلطات متعاقبة أمعنت فى إضعافها أو لعيوب كثيرة داخلها، لا يكون حل مشكلتها هو بإهالة التراب عليها، فكل من يطلب هذا يفتح بابا وسيعا للاستبداد السياسى أو الشمولية، إنما بتقويتها وإتاحة الفرصة لها كى تتقدم إلى الأمام، وتطهر نفسها من فاسدين يجثمون على صدروها ويمنعونها من التنفس. ولعل حيازة بعض هذه الأحزاب، ولو من الناحية الشكلية، تمثيلا جيدا فى البرلمان، كما دلت على ذلك نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات، يكون بداية تصحيح مسار هذه الأحزاب لتشكل رافعة لديمقراطية ناشئة.
( 6)
ما دام كل مسؤول كبير فى هذا البلد يعتقد أنه «أبو العُريف» يفهم فى كل شىء، وكل الملفات مرتبة فى رأسه، فلن نتقدم خطوة، فالأمم لا تعلو أبدا بالجهلاء المغرورين. عموما مثل هذا الوضع يذكرنى بمقطع شعرى لعبد الرحمن الأبنودى يقول فيه: «عنده جهل يغنيه عن كل العلم».
( 7 )
وقت افتتاحها وصف الرئيس السيسى مشروع القناة بأنه مجرد خطوة من ألف أخرى قادمة، تمنيت أن تكون تسعمائة منها للتعليم، وبعدها سنمضى مليون خطوة فى يسر تام، لكننى فوجئت، كغيرى من المصريين، بتعيين رجل يخطئ فى الإملاء ويبلغ أسلوبه حدا فاضحا من الركاكة وزيرا للتعليم، ليجلس على كرسى طه حسين؟.. حسنا ربما قررت الحكومة حل مشكلة «صفر مريم» فجاءت لها بوزير تقف قدراته عن درجة الصفر، ويبقى معها التعليم عند الدرجة نفسها، وهذا والله ما يدعو للأسف والأسى.
( 8 )
منذ البداية كان أمام المجلس الأعلى للقوات المسلحة طريقان للحفاظ على الدولة، الأقصر هو الانتصار لمطالب الثورة، والأطول هو تصفيتها بمساعدة الإخوان، فاختار الطريق الثانى، وسنظل ندفع ثمن هذا الاختيار، الذى لا تزال آثاره سارية حتى اللحظة الراهنة. وإذا أراد الرئيس عبدالفتاح السيسى أن يعبر الأزمة التى يمر بها حيال استيعاب الشباب وفض احتقان الغاضبين فعليه أن يعود ليسلك هذا الطريق القصير، ففيه السلامة.
( 9 )
لو كان الرئيس السيسى قد رفض غاضبا قيام بعض الإعلاميين بتجريح كثيرين من الشخصيات العامة، والخوض فى حياتهم الخاصة بلا ورع، لكنا تفهمنا غضبه الأخير من الإعلام، لكنه لم يفعل، وبدا للجميع أن الرئيس يغضبه النقد، سواء جاء من الإعلام أو من الشارع.
( 10)
كلما أغلقت صحيفة أبوابها، أو كفت عن الصدور، ماتت زهرة من زهور النور فى بلدنا، فالصحافة إن أخلصت ودققت وأصابت كان عين الناس على كل ما يدور فى الغرف المعتمة، أو التى تطفئ السلطة أنوارها كى تفعل ما لا تريد أن يراه الشعب، هذا الكلام بمناسبة توقف صحيفة التحرير عن الصدور قبل سبعين يوما، وبمناسبة كل ما يحدث الآن لإلحاق «المصرى اليوم» بها بالقبض على مؤسسها وحبسه، فى واقعة تثير تساؤلات مفتوحة فى كل الاتجاهات.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع