الدولة لها حقوق وتعلو دائماً على أى اعتبار أو مصالح فردية، لا سيما أنها تعبير عن الحقوق الجماعية للمصريين، ولا أحد يستطيع أن يعترض أو يحتج إذا قامت الدولة بحماية حقوقها وتطبيق القانون على كل من يخالفه، ولا أحد فوق القانون، أياً كان منصبه أو وضعه الاجتماعى أو قوته المالية أو الاقتصادية، وما تقوم به الدولة الآن من مطالبة عدد من رجال الأعمال تعاقدوا مع الدولة على شراء قطع أراضٍ بأسعار مخفضة لاستخدامها فى المجال الزراعى ثم تم تغيير النشاط للنشاط العقارى بما يعنى تحقيق أرباح خيالية، هنا يحق للدولة أن تحصل هذه الحقوق لأنها ملك للمواطنين، والدولة فى أمس الحاجة إلى هذه الأموال، لا سيما فى هذه الأوضاع الصعبة، وتقدر هذه الأموال وفقاً لتصريحات للمسئولين الرسميين بـ٧٢ مليار جنيه.
كل هذا مشروع ويحق للدولة أن تتخذ من الإجراءات والتدابير التى تضمن تحصيل هذه المستحقات لكن هذه الإجراءات يجب ألا تتجاوز القانون والدستور، فى هذا السياق تحضرنى واقعة القبض على رجل الأعمال صلاح دياب وابنه توفيق، لا أحد يعترض على التحقيق معه فى أى اتهامات توجهها له النيابة العامة فهى سلطة الاتهام والتحقيق وتملك توجيه الاتهام لأى مواطن مصرى لكن هذا يتم فى ظل مبادئ الدستور المصرى فى باب سيادة القانون.
المتهم برىء حتى تثبت إدانته فى محاكمة عادلة ومنصفة وهى ما نسميها قرينة البراءة لذلك ناقشنا فى المجلس القومى لحقوق الإنسان إلغاء وضع المتهمين فى قفص داخل المحكمة لأنه يتناقض مع هذا المبدأ، أيضاً كل من يُقبض عليه أو يُحبس يُعامل بما يحفظ عليه كرامته ويجب ألا يعرّض للتعذيب أو إساءة المعاملة أو يُعامل معاملة حاطة بالكرامة، وبالتالى أثارت الصور التى نُشرت لصلاح دياب أثناء القبض عليه وتوقيته القلق لدى الكثيرين. فقد بدا أن هناك تعمداً للإهانة بوضع الكلابشات فى يديه والتقاط صور له وهو فى هذه الحالة وتُوزع وتُنشر، فضلاً عن مصاحبة بعض الصحفيين، حسب ما قيل، لعملية القبض، وهو ما يتعارض مع قرينة البراءة، وحياد أجهزة الأمن عند تنفيذ عملية القبض والاحتجاز تنفيذاً لأمر سلطة التحقيق.
فى نفس التوقيت هناك إجراءات تمت ضد رجال أعمال آخرين يمتلكون أراضى على طرق مصر إسكندرية الصحراوى والإسماعيلية والسويس بسبب تحويل النشاط لهذه الأراضى ومطالبة الدولة بفرق أسعار ورفض هؤلاء تسديد ما عليهم فلا أحد اعترض على منع السفر والتحقيق والحجز الإدارى والتحفظ على الأرصدة، كل هذه الإجراءات والتدابير متاحة والاستدعاء للتحقيق أيضاً، فهذه إجراءات مشروعة وتهدف للحفاظ على الأموال العامة التى لها حماية خاصة فى الدستور والقانون وهو ضرورى لكى تستطيع الدولة أن تقوم بتمويل مشروعات بنية أساسية ومشروعات قومية تخدم المواطنين.
الحفاظ على حقوق الدولة واجب بل التقصير فى هذا الواجب جريمة يُعاقب عليها المسئول، لكن حقوق الإنسان أيضاً التزام على الدولة تجاه مواطنيها ولا يجب التجاوز فى هذه الحقوق وأى انتهاك يعد مخالفة للدستور المصرى الذى ضمن للمواطن حقوقاً حتى لو كان متهماً ويحقق معه، أهمها أن يُعامل بما يحفظ عليه كرامة الإنسان وعدم تعريضه للتعذيب وإساءة المعاملة، وهى أيضاً رسالة لكل من أتى ويستثمر فى مصر فهذه أسوأ رسالة ممكن أن نرسلها وأسوأ دعاية لمناخ الاستثمار فى مصر. وكان أفضل أن نقول إننا دولة تحترم سيادة القانون وحقوق الإنسان وإنه لا تهاون فى حماية حقوق الدولة وفى نفس الوقت أننا دولة تحترم حقوق الإنسان.
نقلا عن الوطن