الأقباط متحدون - السياسة ليست حرام!
أخر تحديث ١٤:٠٣ | الاثنين ٩ نوفمبر ٢٠١٥ | ٣٠ بابه ١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٤١ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

السياسة ليست حرام!

بقلم منير بشاى
اقتبس عن الشيخ محمد عبده قوله "اللهم إني أعوذ بك من السياسة، ومن لفظ السياسة، ومن كل حرف من حروف السياسة، أعوذ بك من ساس ويسوس ومن سائسٍ ومسوس".  والمعروف ان مهنة السياسة اكتسبت صيتا رديئا حتى انها وصفت بأنها "قذرة" (dirty) وهذا راجع الى ان الاساليب التى تستعمل فى السياسة احيانا تلجأ الى المراوغة والتحايل والتلاعب.

السياسة مثل اى مهنة فيها الامناء وفيها غير الامناء.  ولكن يبدو ان غالبية الساسة هم من النوع الردىء.  والناس تعبت من الساسة غير الأمناء وتتمنى ان تتعامل مع نوع من السياسيين ممن يمكن ان يوثق فيهم.

مهنة السياسة تشبه الى حد كبير مهنة بيع السيارات فيكاد يكون من المستحيل ان تجد مندوب مبيعات سيارات يعطيك مقدما السعر الامين فيستمر يراوغك فى عملية تفاوض لا نهاية لها وتكون النتيجة احتمال ان تدفع ثمنا اكبر مما يجب.  وشخصيا طلبت مرة من احد هؤلاء ان يعطينى السعر النهائى فقال لى انه لو فعل ذلك سأخرج من عنده واشترى من آخر يبيع لى نفس السيارة بسعر اقل ولو بدولار واحد.  وحاولت شركة جنرال موتورز انتاج عربة اسمها ساترن Saturn كانت من خصائصها انها تباع بسعر محدد وغير مسموح التفاوض على ثمنها.  هذا اوجد الكثير من الارتياح لدى العملاء.  ولكن هذه العربة التى ظهرت سنة 1989 توقفت سنة 2009.  وعدنا الى التعامل بنفس الطريقة القديمة.

ولكن العمل السياسى يختلف ما بين المتخصصين والممارسين.  المتخصصون فى هذه الحالة هم الساسة والممارسون هم انا وانت وكل مواطن آخر.  ونحن نستخدم السياسة كمستهلكين وليس كمحترفين.  فاذا كانت فى السياسة ممارسات غير نظيفة فهى لا ترجع للمستهلك  ولكنها ترجع الى المشتغلين بالسياسة.
نحن لا نستطيع ان نتوقف عن ممارسة السياسة لأن حياتنا كلها مرتبطة بالسياسة فالسياسة هى علاقة المواطن بالدولة فى كل نواحى الحياة.  هذه هى السياسة المحلية.  ولأن العالم اصبح قرية صغيرة فاننا اصبحنا ايضا نحتك بالسياسة العالمية مع الدول التى تكون لها صلة بالقضايا التى تهمنا وبالهيئة التى تشرف عليها وهى منظمة الامم المتحدة.

فسواء اردنا او لم نرد نحن نمارس السياسة.  نمارسها عندما نصوت بالموافقة او الرفض فى القضايا والقوانين التى تمس حياتنا اليومية واحيانا تمس قناعاتنا الدينية.  فنحن نمارس السياسة عندما نختار من نريده رئيسا للجمهورية او ليحكم الولاية او المدينة التى نعيش فيها.  وايضا عندما نختار من يمثلنا فى المجالس النيابية.  وايضا نمارس السياسة عندما نوافق او نعترض فى تصويتنا لتشريعات مثل التأمين الصحى او ما يتعلق بالضمان الاجتماعى او ما يؤثر على ما ندفعه من ضرائب.  ونحن نمارس السياسة عندما نصوت على تشريعات تمس عقيدتنا مثل تقنين الاجهاض او اباحة زواج المثليين او اقرار القوانين الخاصة بالكنائس والجمعيات الخيرية.

ونحن نمارس السياسة عندما ننظم حملة كتابة خطابات لممثلنا فى مجلس النواب ضد قرار لا يرضينا او مع قرار يرضينا او عندما نشارك فى احتجاج لنعترض او نؤيد قضية ما.
ولكن بكيفية ما نما عند البعض عقيدة تحرم السياسة فتقول اننا كمسيحيين لسنا من هذا العالم وبذلك لا يجب ان نشارك فى سياسات هذا العالم، وتستند فى هذا الى القول ان السيد المسيح حرّم السياسة عندما رفض ان يتوجوه ملكا.  وهنا يقع الخلط بين رسالة السيد المسيح عندما جاء الى ارضنا ودور البشر.  السيد المسيح فى مجيئه الاول لم يات ليملك، ومع ذلك لا يمكن القول ان كل ملوك الأرض اشرار يعملون خارج نطاق المشيئة الالهية.

كأقباط  توارثنا ابا عن جد ان السياسة هى مصدر المتاعب ولذلك يجب الابتعاد عنها.  والسبب ان من كانوا نشيطين سياسيا كانوا دائما تحت مجهر رقابة السلطات ومن وقت لآخر يتعرضون الى الاستدعاء والقمع من الدولة تخوفا من احتمال قيامهم بنشاط معاد للسلطات.

وفى وقت من الاوقات كان الاقباط يعاملون كذميين فكان يحظر عليهم اى ممارسة سياسية على اعتبار انهم غير قوامين على الغير، ولا حتى على انفسهم، وهم فى ذمة (رعاية) المسلمين.  ولكن حتى بعد الغاء هذا النظام ظل الاقباط يبتعدون عن السياسة لاعتقادهم انها قد تجر عليهم المتاعب.

الغريب انه مع ان هذه المفاهيم تغيرت والحكام الآن اصبحوا يطالبون المواطنين بالذهاب الى صناديق الانتخابات والمرشحون يحاولون خطب ود الاقباط للتصويت لصالحهم.  ولكن ما يزال هناك جذور دفينة ما تزال تعيش داخلنا لرفض النشاط السياسى.  وهى قد انتقلت حتى الى من هاجروا الى بلاد الغرب.

متى ندرك ان السياسة امتياز وحق وواجب؟  السياسة ليست حرام، السياسة غير الامينة هى الحرام.  فى وقت من الاوقات حارب المواطنون من أجل الحصول على حق المشاركة السياسية، وتم ابتكار مبدأ الديمقراطية وهو حكم الشعب بالشعب.  الممارسات السياسة مجرد ادوات يتوقف شرعيتها على امانة من يستخدمها. وعزوف العناصر الامينة عن المشهد السياسى يترك الساحة لمن لا نطمأن على امانتهم لاقرار ما لا نقبله.  وعندما يحدث هذا نكون نحن بسلبيتنا من جلبناه على انفسنا، ولا يجب ان نلوم أحد غير انفسنا.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter