بقلم يوسف سيدهم
قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (560)
انعقد لقاء فيينا الذي فهم جميع الأطراف المؤثرة في مصير الأزمة السورية… الأطراف التي أججتها وهي إيران والسعودية,والأطراف التي تحاول إيجاد مخرج لها وهي روسيا وتوابعها من دول أوروبا,علاوة علي الأطراف التي تواطأت لتفكيك سوريا وهي أمريكا وتوابعها من الدول الأوروبية.
وكما صرح وزيرا خارجية أمريكا وروسيا -جون كيري وسيرجي لافروف- في المؤتمر الصحفي الذي عقد عقب اللقاء الذي استمر سبع ساعات متواصلة, اتفق الجميع علي عدم الخوض فيما حدث في سوريا ومن المسئول عما حدث حتي لا ينزلقوا في مستنقع توزيع الأدوار وتبادل الاتهامات بل اتفقوا علي حتمية النظر إلي المستقبل لبلورة رؤي شجاعة نحو العمل علي جلوس جميع أطراف الأزمة السورية علي مائدة المفاوضات للوصول إلي كيفية ترجمة إرادة الشعب السوري بشأن مستقبل بلده, وذلك لا يتضمن إطلاقا أية جماعات إرهابية.
وبذكر استبعاد الجماعات الإرهابية من مسار الحل السياسي والمفاوضات تبرز علي السطح أول مساحات الاختلاف الأمريكي الروسي, فبالرغم من تأكيد وزيري خارجية البلدين علي اتفاقهما علي تنحية خلافاتهما جانبا إلا أن ما استهل به جون كيري المؤتمر الصحفي بقوله: … يجب أن نعترف أننا اتفقنا علي ألا نتفق… برز علي السطح عند التعرض للجماعات الإرهابية… بينما اقتصر كيري علي تسمية داعش بالجماعة الإرهابية التي يتوجب هزيمتها, أوضح لافروف أن الجماعات الإرهابية لا تقتصر علي داعش وحدها, بل تشمل الجماعات والتنظيمات الأخري التي تصدر بشأنها قرارات الأمم المتحدة بإدراجها ضمن الجماعات الإرهابية.
وبينما عاد كيري ليؤكد وجهة النظر الأمريكية بأن حل الأزمة السورية لا يجب أن يتضمن بقاء الأسد علي رأس السلطة في سوريا -بل أنه زاد علي ذلك أن الأسد يجب أن يرحل- جاء لافروف في تعليق يعبر عن وجهة النظر الروسية ويفضح منطقة اختلاف ثانية بينهما ليصرح أن روسيا لا تشترط رحيل الأسد ولا تشترط بقاءه, إنما تعتبره عنصرا أساسيا علي مائدة المفاوضات يمثل السلطة الشرعية ويعبر عن إرادة جزء من الشعب السوري.
أما الموقف الذي فاجأ العالم كله صباح لقاء فيينا وفرض نفسه علي المؤتمر فكان تصريح الرئيس أوباما بأنه أصدر قرارا بإرسال قوات خاصة برية للعمل علي الأرض في سوريا والواضح أن هذا القرار فاجأ الجميع حتي أن الفضائيات العالمية استمرت في بثه مصحوبا بتسجيل سابق للرئيس الأمريكي نفسه منذ بضعة شهور يقول فيه بمنتهي الحسم: لن يحدث أبدا أن أرسل أي عتاد عسكري أمريكي علي أرض سوريا في إشارة واضحة إلي القوات البرية!!!.
وطبيعي أن ينتفض علي أثر ذلك الصحفيون في المؤتمر الصحفي بعد لقاء فيينا ليمطروا وزير الخارجية كيري بطلب تفسير ذلك التحول غير المتوقع في الموقف الأمريكي, حيث قال في رده عليهم إنها محض مصادفة, أن يأتي إعلان تصريح الرئيس أوباما في صبيحة ذلك اليوم -لقاء فيينا- لأنه شخصيا شارك في مناقشات سياسية مطولة في البيت الأبيض عبر الأشهر الثلاثة الماضية بهدف اتخاذ قرار حول جدوي تدخل أمريكا بريا في الصراع السوري, وكان يعلم قبل سعيه إلي فيينا أن الرئيس أوباما استقر علي إرسال قوات برية إلي هناك بالرغم من سابق رفضه ذلك.
وبالرغم من أنني أتمني أن أصدق كيري فيما ذهب إليه إلا أن الخاطر الملح حول تغير أوراق اللعبة في سوريا بعد التدخل الروسي وفقدان أمريكا زمام المبادرة ولجوئها إلي سياسة رد الفعل بات من الصعب إزاحته أو غض النظر عنه… وذلك هو المرجح أن أمريكا تحاول استعادة المبادأة في إدارة الأزمة السورية أو في قول آخر تحاول إصلاح ما أفسدته دون إراقة ماء الوجه.
وحول عدم إراقة ماء الوجه, شعرت بالإشفاق علي جون كيري في المؤتمر الصحفي عندما حاول تبرير قرار أوباما بإرسال قوات برية إلي سوريا عندما انزلق في تقييم حصيلة ضربات التحالف الغربي الذي تقوده أمريكا طوال العام الماضي وهي الحصيلة الغريبة الطريفة الفاشلة التي لم تسفر عن كبح جماح داعش علي الإطلاق!!… ومع ذلك تحدث كيري معددا عدد الطلعات الجوية ونجاحها في إيقاف اجتياح داعش للعراق وسوريا!!… أشفقت عليه خاصة والفضائيات وسائر الصحف تنشر باستمرار توحش داعش ونجاحها في الاستيلاء علي ثلث مساحة كل من العراق وسوريا وتهديداتها المستمرة بالأسوأ, الأمر الذي حدا بروسيا إلي التدخل وإرسال طائراتها لضرب معاقل داعش وتحصيناتها حيث شعر العالم للمرة الأولي بتأثير الضربات الروسية الفعالة التي فضحت رخاوة ضربات التحالف الغربي بقيادة أمريكا وعدم جدواها.
في النهاية أتمني أن تصدق النوايا ويبدأ مسار المفاوضات نحو تحقيق ما يريده الشعب السوري لبلاده بضمان الأمم المتحدة وبصرامة روسيا وبتوبة أمريكا وبتنحي كل من إيران والسعودية!!!.
نقلا عن وطنى