الأقباط متحدون - الإسكندرية حبيبتي
أخر تحديث ٠٨:١٧ | السبت ٧ نوفمبر ٢٠١٥ | ٢٨ بابه ١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٣٩ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الإسكندرية حبيبتي

ترام الإسكندرية
ترام الإسكندرية

كونى أعيش فى مدينة تُحسب من أجمل مدن العالم ، لا يمنعنى من أن أعود بحنين إلى مدينتى المحبوبة ، حتى بعد أن صارت ( عجوز ) البحر الأبيض لا عروسه ..

ليس بك يا كل ( كندا ) ما عند أمى من حضارة وعراقة وتراث ، أنت جميلة بفعل الطبيعة لا أكثر ، وأمى جميلة بفعل حضارة أولادها ، منهم الخائن الذى أصابك بوعكة ، ولكنك ستعافين حتماً بوفاء الأكثرية وحبهم ..

شاخت مدينتى المحبوبة ، فصارت أولى بالوفاء فى زمن عدم الوفاء وتقلص الولاء والإنتماء ..

أصيبت مدينتى المحبوبة بتصلب الشرايين وإرتفاع ضغط الدم وتجعدت بشرتها فتشوه جمالها ، ثم ظهر الطفح على جلدها بفعل أورام سرطانية خبيثة ، صارت الجميلة بين النساء دميمة ، ويا لحسرتى .. !!

منعت نفسى من الكتابة عن الأعاصير والأمطار العنيفة التى إجتاحت المدينة المحبوبة ، هى أمور إعتدتها منذ طفولتى المبكرة حيث منزلنا بكليوبترا مواجهاً كورنيش المدينة الجميلة ، النوات فى بابة وهاتور وكيهك وطوبى ، وحتى إلى أمشير ( أبو الزعابير ) أمر نستعد له كل شتاء ، كانت الرياح عنيفة بالقدر الذى ( يهز الشيش ) بشبابيك منزلنا طوال الليل وسيل المطر لا ينقطع ، وما يأتى الصباح وتفتح الشباك فإذا ببالوعات طريق الجيش ( الكورنيش ) فواهات بالعة لكم هائل من سيل المياة ، والطريق ( أسفلت ) حالك السواد نظيفاً وكأنه سجادة ترحب بعجلات السيارات تنساب فى هدوء ، والتلاميذ الصغار منا فى طريقهم على أرصفة الشارع يحملون ( حقائب ) المدرسة فى تفاؤل ومرح ..

الشتاء لنا ( نحن ) السكندريون هو فصل المتعة ، وموسم الهدوء والجمال بعد صيف ساخن وقاهريون مع مصيفين من كافة المحافظات بضوضاء الزحام وقد رحلوا ... أحسنا ضيافتهم لأشهر ، فتركوا لنا مدينتنا لننعم بشتائها ، وقد غسلها عمال النظافة غسلاً ، وزرعوا حدائقها ونسقوا ورود وأشجار ( فيلاتها ) الجميلة ، وساعدهم فى هذا سيل مطر السماء وكأن الله - له المجد - يكافيء همتهم لا يعوقها ، فكان المطر لنا نعمة لا نقمة أبداً .. !!

صدعونا فى المدارس بفساد الملك الفاسد ، ولم نشتم رائحة الفساد إلا فى أفواه وإنوف من إدعوا أنهم محاربيه والثائرين ضده ، لقد شاخت الجميلة مع صياحاتهم .. وفضحت نعمة المطر قبح كذبهم ، وصار يبدو وكأنه لعنة تصب على رؤوسنا جميعاً ، فرحماك يا الله .. !!

هل تتذكرون أعزائى السكندريون ذاك الرجل الذى وصف جمرك الإسكندرية ( بأنجر الفته ) ، فى زمن ( الهبر ) والسرقة المسمى بالإنفتاح الإنفلاتى ؟ .. هذا الرجل كان شقيقاً لرئيس الجمهورية المُغتال .. !! ، وبدأ ( الهبر ) والنهب والنصب ينهش فى جسد العروس ليحولها فى عقود قليلة إلى ما نراه اليوم من عجوز عاجزة عن الحركة وتصريف ماء مطرها .. !!

ومع ( الهبر ) يتعاقب الوصوليون وأصحاب الحظوة لا الكفاءة ، فهذا لواء وذاك وزير ، ومنهم من لقب بمحافظ الرصيف فهاج على الأرصفة يغتالها إغتيالاً ، وآخر صديق للمنتفعة يغمض العين عنهم يهدمون التراث من قطع الجمال الأوربى الذى ميز عروسنا ، وفى لمحة من الزمن تنتفض المسوخ من ( طرابيش ) العمارات الشاهقة بأزقة ضيقة لا مرافق لها ، فلا صرف صحى ولا جراجات مع تكدس لنفايات المبانى بعرض الطريق ، وجيش من النصابين جلوس على مكاتب إدارات الحكم المحلى لا هم لهم إلا إدارة الأمور نحو الخراب المستعجل .. !!

وطبيعى أن تتحول الجنة إلى خرائب ، وطبيعى أن تسكن الحشرات فى العشوائيات ، ومن هنا نفهم سر أن تصير عروسنا ومدينتنا الجميلة معقلاً للمتطرفين والإرهابيين ، فحيث تكون الجثة هناك تجتمع النسور ( لو ١٧ : ٣٧ ) .. !!

اليوم عروسنا مصابة بتصلب الشرايين فتعجز طرقها عن إنسيابية المرور ، القمامة تسدها ، والأرصفة المخلعة تجبر المارة أن يكونوا بعارضة الطريق فتبادلوا مع السيارات المواقع وقد إحتلت السيارات أرصفتهم ، ولماذا نلوم الأمطار ؟ .. هل وجد البشر لهم طريقاً حتى نلوم الماء إن عجز أن يجد له الطريق ؟ !!

اليوم عروسنا مصابة بضغط الدم المرتفع ، وماذا تنتظر من الزحام والتكدس السكانى والإزعاج والتلوث السمعى والبصرى ، وطفح المجارى .. ؟ !! .. ومع هذا كله تنمو الأورام السرطانية وتنتشر ، فصار فى كل ركن من أحياء عروسنا وكراً للإرهاب ، ومدرسة للبلطجة والتطرف .. !!

لا أتكلم من بعيد أبداً ، فالإسكندرية فى قلبى بأيام طفواتى وشبابى الذى عشته على شواطئها أملأ رئتى من عليل هوائها ، وأرسم صورة الجمال داخلى من وحى جمالها ، لقد بكيت آخر مرة زرت فيها منطقة ( أبى قير ) وندمت أشد الندم ، ليتنى ما زرتها فكنت قد أبقيت فى خيالى صورة جمالها القديم وقد حل محله واقع أليم ..

ولابد أن أتفائل وأطرد عن عقلى هذا الحزن ، لابد أن أجد الإيجابية وسط هذا الكم الهائل من السلبيات ..

وتبقى صورة المصرى الجميل وسط قبح الفساد ..

صورة الغلبان الذى يحول المأساة إلى دعابة .. يرى النكته وسط الكارثة ، وتنتشر صور العوامات والمراكب ، ورجل يتحدى المصيبة فيبتكر لعبة ( الكراسى ) ليعبر إلى سيارته ، وشاب يستثمر صحته وقوة بنيته ليحمل العجائز والأطفال إلى بر الرصيف والجفاف ، وصورة الصبية والأطفال وقد حولوا المستنقعات إلى حمامات سباحة ، وتكتمل الصورة بسخرية ( الأسماك والقراميط ) وقد أطلقها السكندريون بالمياه وجلسوا إلى ما تبقى من أرصفة يتسلون بصيدها فى مسابقات طريفة ترفع عن نفسياتهم المثقلة وترفه عنها وتعمل معهم ما قد عجزت حكوماتنا أن تعمله ..

الإسكندرية حبيبتى .. نصلى من أجلك ، فلا تحزنى يا أمى ، ستظلين عروساً بشباب أبناءك ، وبخفة ظل المصرى الجميل .. !!

كاهن كنيسة مارجرجس بفانكوفر كندا


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع