الأقباط متحدون - سلطان مصر على «سلطان»!
أخر تحديث ٠٧:١٧ | السبت ٣١ اكتوبر ٢٠١٥ | ٢١ بابه ١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٣٢ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

سلطان مصر على «سلطان»!

مفيد فوزي
مفيد فوزي

 لم أصادف رجلاً أحب مصر بهذه الكيفية، حيث تهفو روحه إلى سماء مصر ونيلها وشوارعها وحتى أزقتها مثل هذا الرجل. لم أقابل إنساناً تسكن مصر تحت جلده وفوق جفون عينيه، وقد صارت مصر وشماً مرسوماً على قلبه مثل هذا الإنسان. لم ألتق بعاشق صبابة لمصر، يفرح لأفراحها ويحزن حتى الدمع لأحزانها ويبتهج لانتصاراتها ويكتئب لانكساراتها.

 
هذا الهوى المجنون المتفرد ليس حبا شفوياً ولا أفلاطونياً، بل إنه يحب مصر بشكل عملى، يتحرك ويبادر ويضيف ويضمد جراحها ويمول ويتبرع ويشارك وكأنه يعيش معنا تحت سمائنا، هو يملك أصالة عربية وفى قلبه ترنيمة مصرية، حقاً إن لمصر سلطاناً عليه، عن حاكم الشارقة فى دولة الإمارات العربية سلطان القاسمى، أتحدث.
 
■ ■ ■
 
الشيخ سلطان عاش سنوات مصر متنقلاً وهو طالب بكلية الزراعة جامعة القاهرة بين شارع نوال فى الدقى وشارع البحر الأعظم، وفى بيته ومكتبته الخاصة فى الشارقة مئات الصور الفوتوغرافية لأحياء مصر الشعبية، ذلك أن التصوير إحدى هوايات سلطان القاسمى منذ كان طالباً حتى الآن، فلسفته فى التصوير أنه «يحبس لحظة أو إحساساً أو مكاناً فى فرخ من ورق»، وعندما كان الشيخ سلطان طالباً بزراعة القاهرة قسم بساتين، كان هاجس مصر الأمنى حاضرا وعالياً وكان الشيوعيون والإخوان بعبع النظام فى مصر، ومن فرط استخدام الشيخ سلطان للكاميرا أثار الريبة، فلماذا هذا الشاب العربى يشرع فى تصوير أى شىء وكل شىء؟ ماذا عساه يفعل؟ المهم قبضت السلطات المصرية على الطالب سلطان محمد القاسمى واتهموه فى أمن الدولة بالتجسس (!!!) ويتساءل سلطان القاسمى فى قصاصات أوراقه الخاصة: منذ متى كان الحب الخالص النقى من كل مطمع تجسساً؟!
 
ويضيف: نعم أنا أتجسس. فى مصر لحساب مصر!!
 
فى أمن الدولة استدعوه وجلس أمام المحقق ومعه الكاميرا والأفلام، وأجاب على نحو خمسين سؤالاً بثبات شديد، ولم يفقد أعصابه لحظة واحدة، وبعد أن طبعوا الأفلام اكتشفوا أن معظمها لقطات من كل الزوايا لشارع البحر الأعظم! سئل بخبث أمنى: ماذا فى شارع البحر الأعظم؟ قال: شارع مصر يطل على النيل تقرأ فيه الهوية المصرية، وناسه بسطاء ودائم التردد عليه، ولى صداقات فيه، لم يعرف محقق أمن الدولة أن فى بيت حاكم الشارقة لوحة كبيرة تزينها لقطات بكاميرا الشيخ سلطان لشارع البحر الأعظم منذ كان طالباً فى مصر، لقد ظن أمن الدولة وقتئذ أنهم قبضوا على عميل إسرائيلى (!!) وأفرجوا عنه بعد أن تبين لهم أنه محب لمصر واشترك فى حرب 56، ومن الغريب أن يظل سلطان القاسمى حاكم الشارقة مفتوناً بمصر رغم هذه «الندبة» ولكنها لم تترك أثراً فيه، ومع الأيام كبر حب الشيخ لمصر وصار حقيقة وجدانية.
 
■ ■ ■
 
لم يكن حب الشيخ سلطان لمصر مجرد مشاعر عاطفية فيها حفنة من ذكريات الصبا المبكر وأيام التلمذة وصداقات عادل إمام وصلاح السعدنى، الطلبة بكلية زراعة القاهرة، كان حباً عملياً غير مسبوق، لأنه شعر وهو حاكم بدين كبير عليه لمصر وهو الشاب الناصرى الذى عاش أزمات مصر وأفراحها، لعلها درجة «الحب المسؤول» لمصر، نعم كان لمصر سلطان على الشيخ سلطان القاسمى تمثل فى البداية بتحديث معامل كلية الزراعة التى كان طالباً فيها، ثم تكلف أكثر من 30 مليون جنيه حين أسس مكتبة مركزية للبحوث الزراعية، ثم مكتبة مرجعيات علمية وتبرع للبحوث العلمية بخمسة ملايين دولار.
 
حين كان يفعل هذا كان يتحاشى النشر والإعلان، كان يقول «هأنذا أسدد ديناً على الطالب سلطان محمد القاسمى»، ويوم سمع باعتداء صبيان الإخوان على المجمع العلمى، انتفض قلبه كالعصفور وأصابه الذهول وكان يحاول الإجابة عن سؤال «لماذا المجمع العلمى؟» لكنه قرر ترميم آثار الحريق الذى تصدعت الجدران بعده على حسابه وأهدى المجمع العلمى مخطوطات نادرة بديلاً عن الكتب والمخطوطات التى احترقت.
 
لقد كان أول إنسان يبادر «بدون إعلان» فى الوطن العربى، للترميم مهما تكلف، ولم يعلن إلا مؤخراً عما فعله الشيخ سلطان، حبه لمصر فوق المزايدات أو المهاترات، إنه حب تحت سطوة اليقين، ما كانت مصر فى وجدانه زمناً ميتاً إنما أزمنة فوق جسور موصولة، صحيح هو لا يحمل جواز سفر مصرياً، لكن جواز سفره مخبوء بين الضلوع وفى ثنايا الروح، إنه مغرم بتاريخ مصر وعبقريتها وفصولها وعصير خبراتها، وأكاد أشعر أنه فى السر - لولا الملامة - يقدم أوراق اعتماده بنفسه سفيراً لأرض الكنانة، إنه يدافع عن كينونة الشعب المصرى فى مجالسه ويفرح بقدوم صديق مصرى لأرض الشارقة يحدثه فى الأمسيات عن شارعى نوال والبحر الأعظم!
 
مثلاً، لقد أتى بنجوم صوت العرب ليؤسسوا أول إذاعة فى الشارقة تنقل صوت الإمارة إلى الدنيا، وتلقى الأستاذ سعيد عمارة، أحد أكبر كادرات صوت العرب، تكليفاً بإنشاء إذاعة للشارقة بناءً على رغبة حاكمها الشيخ سلطان القاسمى، وسعيد عمارة من قامات صوت العرب «أحمد سعيد ومحمد عروق وعبدالوهاب قتاية وسعد زغلول نصار»، وكان من يتجول فى إذاعة الشارقة يشعر أنه فى إحدى ردهات صوت العرب فى القاهرة، والشيخ الإماراتى الجنسية «مصرى الهوى» مفتون بتجليات الغيطانى ولسعات السعدنى الكبير وهديل صوت الأبنودى ويدرك عن وعى أن كل من يهاجم مصر أو يريد بها شراً، سوف تطحنه عجلات الأيام، انظروا إلى دعم حاكم الشارقة المادى لصندوق معاشات «اتحاد الكتاب»، انظروا إلى مشروع حاكم الشارقة فى الجمعية التاريخية المصرية فى التجمع الخامس، انظروا إلى مشروع مجمع المجامع العلمية العربية فى 6 أكتوبر، كلها مشروعات الشيخ، انظروا إلى 25 مسجداً بناها الشيخ سلطان باسم 25 شهيداً راحوا فى مجزرة رفح أيام الإخوان، كل مسجد يحمل اسم شهيد، ثم رعاية أسر هؤلاء الشهداء، انظروا إلى تبرع الشيخ سلطان بثلاثين مليون دولار لقصور الثقافة فى مصر، وعند صابر عرب، وزير الثقافة الأسبق، الخبر اليقين، انظروا إلى ترميم كلية الهندسة بعد حريق الإخوان، الذى تم على نفقته.
 
■ ■ ■
 
أول دعوة رسمية تلقاها الشيخ سلطان القاسمى كانت من رئيس وزراء مصر الراحل الدكتور عبدالقادر حاتم، يومها استقبله د. حاتم بنفسه، وأقام فى شيراتون، ضيفاً على مصر، وفى اليوم الثانى لوصوله طلب من مرافقيه زيارة «الشغالة» فى أبوالعلا، وبالفعل زارها ووجدها فى ركن من الشارع العريض أمامها «مشنة الخضار وصفيحة ميه» وذكرها بنفسه، فركزت نظرتها فى وجهه وعرفته، ثم طاف بشوارع القاهرة كعاشق «يمر على بيت الحبايب» هو الذى يقول «اتعلمت من مصر والمصريين». هو الذى يقول «شعب متحضر رغم أهوال السنين»، هو أول حاكم فى الإمارات ينشئ «نادياً للمصريين» فى الشارقة، وليس مصادفة أن معظم المصريين الذين يعملون فى دولة الإمارات يسكنون فى الشارقة، وليس مصادفة أن يطلب الشيخ خط طيران «القاهرة - الشارقة - القاهرة»، وليس مصادفة أن يكون أول بنك فى الشارقة «بنك القاهرة».
 
■ ■ ■
 
ماذا يعنى كل هذا العطاء لمصر من الشيخ الإماراتى العاشق لمصر؟ يعنى كلمة واحدة هى «الوفاء»، صحيح لقد صار الوفاء ندرة، ولكن الشيخ سلطان القاسمى كسر القاعدة وأثبته عملياً، الوفاء تلك «العملة النادرة» التى تنقص بعض رجال المال والأعمال فى مصر، وشيخ الشارقة نموذج ومثال على «حب غير أفلاطونى لمصر».. و...
 
وقد يغضب حاكم الشارقة الشيخ سلطان محمد القاسمى من الكتابة فى موضوع «ترميم وتدعيم وتبرع» لمصر، ولكن الحق يحتاج أحياناً إلى لسان ينطق به أو قل إلى قلم يسجله للأجيال، ويوم دعته جامعة القاهرة لتمنحه الدكتوراه الفخرية فى 12 مايو 2015 واستقبلته بقاعة أحمد لطفى السيد أرادت أن تقول له: شكراً.
نقلا عن المصرى اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع