بقلم/ماجد كامل
لعل أهم ما أشعر اننا مطالبون به في التعليم الكنسي ؛وهو الحرص علي إبراز الهوية القبطية ؛ فالتعليم الكنسي يجب أن يكون به عنصر كتابي ؛ وعنصر آبائي ؛ وعنصر كنسي ؛ وعنصر معاصر ..... ألخ . كذلك أيضا يجب في التعليم الكنسي أن نحرص علي ابراز أهم ما يميزنا كأقباط وهي الهوية القبطية . وهذه الهوية هي التي تنفرد بها كنيستنا عن بقية كنائس وطوائف العالم كله . ولعل أهم ما يميز الهوية القبطية هي افتخارها بخمسة أمور اساسية هي :-
1- رحلة العائلة المقدسة إلي أرض مصر :-
فمصر هي البلد الوحيد في العالم الذي هرب اليه السيد المسيح هربا من هيرودس ؛ ومن هنا فأن السيد المسيح عندما جاء الي مصر ؛شرب من نيلها ؛ وأكل من قمحها ؛ وتكلم لغتها المصرية القديمة ؛ وأحتك مع شعبها ؛ ونستطيع أن ندرس رحلة العائلة المقدسة من خلال المسار الذي سارت فيه ؛ فلقد أحصي المؤرخون حوالي 17 محطة لرحلة العائلة المقدسة نذكر منها ( الفرما - بلبيس – سخا – سمنود - مسطرد – المطرية – الزيتون- ابو سرجة – المعادي – جبل الطير – دير المحرق – الدرنكة ...... الخ ) ؛والمصادر التي أعتمد عليها المؤرخون في معرفة مسار الرحلة ( ميمر البابا ثاؤفيلس البابا رقم 23 – ميمر الانبا زاخارياس أسقف سخا – ميمر الانبا قرياقص أسقف البهنسا ..... الخ ) . ثم أخيرا أهم الترانيم والمدائح الشعبية التي يترنم بها شعبنا عن الرحلة مثل (يا مصر يا بختك يا هناك ) وغير ذلك الكثير . وهناك طبعا المدائح الشعبية الجميلة الموجودة في العديد من بلاد الصعيد مثل :- "جبل الطير " و" دير المحرق " و" الدرنكة " .... الخ .
2- كرازة القديس مارمرقس الرسول في أرض مصر :-
فكنيستنا القبطية كنيسة رسولية راسخة أسسها القديس مارمرقس الرسول أحدي رسل السيد المسيح السبعين وكاتب الأنجيل الثاني ؛ وتاريخيا كنيستنا القبطية هي ثالث كرسي رسولي تم تأسيسه بعد كنيسة أورشليم ؛ وكنيسة أنطاكية . وعلي أرضها الطاهرة أستشهد القديس مارمرقس الرسول بعد سحله مرتين ؛ وكان ذلك عام 68 م . وعندما أحصي المؤرخون الكنائس الرسولية التي أثرت في تاريخ المسيحية خلال القرون الخمسة الأولي كانت هذه الكنائس هي : _( كنيسة أورشليم – كنيسة انطاكية – كنيسة الاسكندرية – كنيسة روما – كنيسة القسطنطينية ) .
3- مدرسة الإسكندرية اللاهوتية :-
فعلي أرضها نشأت أكبر وأهم مدرسة تعليم لاهوتي في التاريخ ؛ هي مدرسة الاسكندرية اللاهوتية ؛ والتي عرفت في كتب التاريخ ب"عقل العالم المسيحي " ؛ ولقد اسسها القديس مارمرقس الرسول نفسه ؛ ثم شهدت قمة مجدها وازدهارها مع علمائها الكبار مثل :- أثيناغوراس ؛ بنتينوس ؛ كليمندس ؛ أوريجانوس ؛ ديديموس الضرير ...... الخ . ومنها تخرج البطاركة العظام مثل :- البابا ديونسيوس البطريرك رقم 14 ؛ البابا بطرس خاتم الشهداء البطريرك رقم 17 ؛ البابا أثناسيوس الرسولي البطريرك رقم 20 ؛ البابا كيرلس الكبير والملقب بعمود الإيمان البابا رقم 24 ....... الخ . ولقد قاد هؤلاء البطاركة العظام المجامع المسكونية حتي عرف بابا الاسكندرية في كتب التاريخ ب"قاضي المسكونة " . كذلك قدمت هذه المدرسة ما يعرف ب"مدرسة التفسير الرمزي " مما ساهم مساهمة كبيرة وفعالة في تطوير مناهج دراسة الكتاب المقدس في مصر والعالم .
4-- أم الشهداء :-
فلقد قدمت كنيستنا القبطية أكبر عدد من الشهداء في التاريخ ؛حتي أن مدام بوتشر المؤرخة الانجليزية قالت " لو وضعنا شهداء العالم كله في كفة ؛وشهداء الكنيسة القبطية في كفة أخري لرجحت كفة الكنيسة القبطية " .وبصفة عامة يمكن تقسيم عصر الاستشهاد الي أربعة حقب رئيسية هي :-
أ- حقبة العصر الوثني :- وهي تمتد من عصر القديس مارمرقس الرسول وتنتهي بعصر البابا بطرس خاتم الشهداء البطريرك رقم 17 .
ب- حقبة الانقسام المذهبي :- وتبدأ من الانشقاق المسكوني الأول 451م ؛ وتمتد الي الفتح العربي الإسلامي 641م .
ت- حقبة العصور الإسلامية :- وتبدأ من بعد عام 641 م ؛ وتنتهي بعصر محمد علي (1805- 1848 ).
ث- حقبة العصر الحديث :- وتبدأ من بعد عصر محمد علي ؛ ومازالت ممتدة حتي شهداءنا الأطهار في ليبيا في عام 2015 .
5- أصل الرهبنة :-
فالثابت تاريخيا أن الرهبنة إبداع قبطي مصري خالص ؛ بدأه القديس العظيم الأنبا أنطونيوس اب جميع الرهبان ؛عندما كان يصلي في كنيسة القرية بقمن العروس محلفظة بني سويف ؛ فسمع الشماس وهو يقرأ الآية التي تقول "إذا أردت أن تكون كاملا ؛فأذهب وبع كل مالك وأعط الفقراء وتعال أتبعني فيكون لك كنزا في السماء " ( مت 19 :21 ) فباع كل أمواله وتوجه الي البحر الأحمر ليؤسس هناك أول دير في العالم ؛ وفي نفس الحقبة وفي نفس المنطقة تقريبا عاش القديس العظيم الأنبا بولا أول السواح ؛ ثم أسس القديس العظيم الانبا باخومويس رهبنة الشركة في جميع أديرة الصعيد ؛ كما أسس القديس العظيم الأنبا مقاريوس رهبنة برية شيهيت ؛ وأسس القديس العظيم الانبا آمون رهبنة القلالي ؛ وزار الأديرة المصرية العديد والعديد من الرحالة الأجانب نذكر منهم يوحنا كاسيان ؛ورفينوس ؛ والقديس جيروم ؛ وبلاديوس ؛ ومن السائحات ميلانيا . ونقلوا نظام الأديرة القبطية ؛ ومن الثابت تاريخيا أن القديس أثناسيوس الرسولي كتب سيرة القديس الانبا انطونيوس في أثناء نفيه الثاني إلي مدينة روما ؛ وكانت هذه السيرة سببا رئيسيا ومباشرا في توبة القديس أغسطينوس . كذلك أيضا من الثابت تاريخيا ان القديس بندكت قد اقتبس نظام القديس الانبا باخومويس في حياة الشركة الذي أسسه القديس العظيم الانبا باخومويس وترجمه القديس جيروم من اليونانية الي اللاتينية .
ومن صعيد مصر ؛ ومن الدير المحرق تحديدا ؛ خرج سبعة رهبان مصريين وتوجهوا الي ايرلندا ؛ وهناك أسسوا رهبنة علي النظام القبطي كانت سببا رئيسا ومباشرا في إيمان ايرلندا بالديانة المسيحية .
ولقد ظهرت ثمار الهوية القبطية في اللغة ؛والفن ؛ والموسيقي ؛ والعمارة ؛ والنسيج ؛ والخشب ؛والأحجار ...... الخ . ونستطيع أن نتعرف علي بعض هذه الثمار من خلال زيارتنا للمتحف القبطي ؛ والكنائس والأديرة القديمة .
نشر بمجلة الكلمة عدد شهر أكتوبر 2015
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع