الأقباط متحدون - إزدواجية الغرب مع الإرهاب
أخر تحديث ٠١:٠٠ | الخميس ٢٩ اكتوبر ٢٠١٥ | ١٩ بابه ١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٣٠ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

إزدواجية الغرب مع الإرهاب

عبدالخالق حسين
عندما ننتقد الغرب على تعامله المزدوج مع الإرهاب الذي يفتك بالشعبين العراقي والسوري، يتهمنا البعض بنظرية المؤامرة، ونكران الجميل. في الحقيقة لا هذا ولا ذاك، فنحن مدينون للغرب بحضارته، وديمقراطيته، وعلومه، وقيمه الاجتماعية والإنسانية الراقية وغيرها كثير، ولكن انتقادنا لبعض الحكومات الغربية مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا وفرنسا، هو نتاج نفس الثقافة الغربية التي تأثرنا بها، وتعلمنا منها التفكير النقدي المستقل(Critical thinking)، الذي هو أهم سبب من أسباب التقدم. لذلك، فانتقادنا لسلوك الغرب المزدوج نحو الإرهاب لا يعني عداؤنا له، أو نكراننا لجميله، إذ كما تفيد الحكمة: (صديقك من صدقك وليس من صدَّقك).
 
نعم، لم يعد خافياً على أحد أن الغرب اتبع لعبة مزدوجة مع التنظيمات الإرهابية. ففي سوريا استخدم الإرهاب للتخلص من نظام بشار الأسد، لا لإقامة النظام الديمقراطي البديل كما يدعي، بل لتدمير مؤسسات الدولة الشرعية ونشر الفوضى الهدامة في سوريا خدمة لإسرائيل، وكسب رضا حليفاتها من الحكومات الطائفية في المنطقة مثل  السعودية وقطر وتركيا، لأن بشار الأسد علوي وله علاقة مع روسيا وإيران ويدعم المقاومة الفلسطينية. ولنفس السبب تعاملوا مع العراق في عهد المالكي لأنه رفض معاداة إيران والمشاركة في إسقاط حكومة بشار الأسد، فجلبوا داعش، وسلموه المحافظات الغربية السنية بذريعة تهميش السنة العرب والكُرد ...الخ.
ولإبعاد تهمة دعم الغرب للإرهاب في سوريا والعراق، تم تشكيل تحالف دولي بقيادة أمريكا لضرب داعش، ولكن بعد أكثر من عام لم يحقق هذا التحالف ولا الضربات الجوية الأمريكية أية نتيجة لأنه وكما تبين أن هذا التحالف هو من أجل الإعلام فقط، لذلك فلما تدخلت روسيا بضرباتها الماحقة ضد منظمات الإرهاب في سوريا، جن جنون الغرب، وراحوا يدَّعون أن الطيران الروسي يضرب المدنيين والمعارضين المعتدلين، في الوقت الذي أثبتت دراسات غربية أنه لا توجد في سوريا معارضة معتدلة، فعلى حد قول الرئيس بوتين: (في رأي الغرب هناك ذبّاح معتدل وذبّاح غير معتدل...، وأنهم يحاربون بعض "الإرهابيين" ويستخدمون البعض الآخر لمصالحهم).
كذلك ليس صحيحاً وصف ما يجري في سوريا بالحرب الأهلية، لأنه كما كتبت صحيفة “النيويورك تايمز″ في عددها الصادر في 27 أيلول الماضي تتساءل “أين هي الحرب الأهليّة مع تدفّق 30000 عنصر أجنبي من أكثر من مئة دولة في غضون بضعة أشهر، منهم 250 أميركي؟”(1)
 
طبعاً لم يكن ممكناً تدفق عشرات الألوف من الإرهابيين الأجانب إلى سوريا والعراق من شتى أنحاء العالم بدون التمويل من قطر والسعودية وغيرهما، وتوفير لوجستي من تركيا، ولا يمكن هذا الدعم بدون مباركة أمريكا. فهذا هو وزير خارجية دويلة قطر عندما رأى التنظيمات الإرهابية التي يمولها مهددة بالانهيار من الضربات الروسية، راح يهدد بالتدخل المباشر في سوريا كما عملوا في اليمن، ليقول بكل وقاحة وصفاقة: "سنتدخل عسكريا في سوريا مع تركيا والسعودية إن تطلب الأمر"؟(2) 
فبأي قانون دولي يحق للسعودية وقطر وتركيا تدمير سوريا وتشريد شعبه علناً وإسقاط حكومة بشار الأسد؟ هل حقاً من أجل الديمقراطية، أم لأسباب طائفية بحتة ولخدمة إسرائيل؟ الجواب واضح لكل ذي عقل سليم وضمير حي.
وأخيراً جاء الإنزال الجوي الأمريكي السري فجر الخميس 22/10 الجاري، على أحد سجون داعش في الحويجة، وبدعم من البيشمركة بتخطيط من المخابرات المركزية الأمريكية(CIA)، وبدون علم وتنسيق مع الحكومة العراقية الإتحادية، بل وحتى بدون علم الرئيس الأمريكي أوباما. والأغراض المعلنة من هذا الإنزال هو إطلاق سراح 69 أسيراً من الكُرد، وأن الدواعش قد خططوا لقتلهم بعد صلاة الصبح من ذلك اليوم، لذلك باغتهم الأمريكان بهذا الإنزال، وأطلقوا سراح الأسرى، وقتلوا نحو عشرين من الإرهابيين، وأسروا 6 آخرين، وقُتِل جندي أمريكي واحد، وجرح 3 من البيشمركة. ولكن الغريب أن مجلس أمن إقليم كوردستان أصدر بياناً جاء فيه: "لا يوجد أي كوردي ضمن الرهائن المحررين بالحويجة"(3). إذن من هم الذين تم "تحريرهم"؟
 
إن هذه السرية وعدم إعلام الحكومة العراقية بالعملية، وتضارب الأنباء عن الذين تم تحريرهم من سجن داعش، يفتح الباب على مصراعيه لإثارة الشكوك والتساؤلات: لماذا لم تستشر أمريكا الحكومة الفيدرالية، ولم تنسق مع وزارة الدفاع العراقية لهذه العملية الخطيرة، خاصة وأن أمريكا أكدت مراراً أن ليس لها قوات برية قتالية في العراق، وإنما هناك استشاريون فقط لتدريب القوات العراقية والبيشمركة؟ ثم أن العملية كانت لتحرير أسرى كرد كما أعلنوا، بينما أكد بيان أمن الإقليم أنه لا يوجد أي أسير كوردي بين من تم تحريرهم. والسؤال الآخر هو: أين ذهب هؤلاء الأسرى الستة الدواعش؟ وقيل عشرين داعشياً نقلوا إلى أمريكا؟ والله أعلم!!
 
لذلك، فهناك غموض وراء هذه العملية مما فسح المجال أمام تأويلات وتفسيرات منها، أن أمريكا قامت بهذه العملية لرد الاعتبار لها أمام النجاحات الباهرة التي حققها الطيران الروسي في ضرب الدواعش في سوريا، مما أكسب روسيا ورئيسها بوتين إعجاب وثناء الرأي العام العراقي والسوري، وأن هناك ضغوطاً من القوى السياسية العراقية على حكومة العبادي لطلب المساعدة من روسيا لضرب الإرهاب. والأخطر في هذه التأويلات هو ما قيل أن الغرض الآخر من هذا الانزال هو إنقاذ قياديين كبار في داعش من بينهم أبو بكر البغدادي، كانوا محاصرين في الحويجة، خاصة وأن قوات الحشد حررت بيجي والصينية وجبال مكحول خلال ثلاثة ايام، واقتربت كثيرا من الحويجة، فتم إنقاذ قادة داعش خوفاً من سقوطهم أسرى لدى الحشد الشعبي، أو قتلهم، كما حصل للمجرم عزت الدوري وحمايته قبل أشهر.
 
بالطبع ليس هناك أي دليل مادي يؤكد لنا صواب أو خطأ هذه التأويلات والتفسيرات لأنها لم توثَّق ولم تفنَّد بعد، لذلك أرى أنه على الحكومة العراقية مطالبة أمريكا بتقديم تفسير واضح عن هذه العملية، ولماذا لم تخبر القائد العام للقوات المسلحة، ولم تنسق مع وزارة الدفاع العراقية؟ ومن هم الذين تم تحريرهم، أو أسرهم من قبل الأمريكان؟ وإلى أية جهة تم نقلهم وما مصيرهم؟ 
وبدون الإجابة الواضحة والمقنعة على هذه التساؤلات، فإن الرأي العام العراقي يزداد شكوكاً بموقف أمريكا خاصة، والغرب عامة، مما يجري من إرهاب مدمر في المنطقة، وهذا ليس في مصلحة العلاقة التي نتمنى أن تكون جيدة ونزيهة بين الغرب ودول المنطقة.
وربما الأيام القادمة ستكشف الكثير من المفاجآت.
 
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د. داود خيرالله : أبعاد التصعيد العسكري الروسي في سوريا 
 
2- الدوحة: سنتدخل عسكريا في سوريا مع تركيا والسعودية إن تطلب الأمر 
https://arabic.rt.com/news/797595-%D9%82%D8%B7%D8%B1- 
 
3- مجلس امن إقليم كوردستان: لا يوجد أي كوردي ضمن الرهائن المحررين بالحويجة
http://www.ara.shafaaq.com/34975
 
 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter