الأقباط متحدون - محنة العراق بين أمريكا و إيران في مواجهة الإرهاب
أخر تحديث ٠٣:٥٦ | الاثنين ٢٦ اكتوبر ٢٠١٥ | ١٦ بابه ١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٢٧ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

محنة العراق بين أمريكا و إيران في مواجهة الإرهاب

د. عبدالخالق حسين
لعل من أكبر الأخطاء التي ارتكبها الرئيس جورج دبليو بوش، عشية إسقاط حكم البعث الصدامي في العراق، هو تهديده لإيران وسوريا بضمهما إلى ما أسماه بـ(محور الشر) إلى جانب كوريا الشمالية، وأن دورهم سيأتي بعد صدام، الأمر الذي استفز سوريا وإيران، ودفعهما لإغراق أمريكا في المستنقع العراقي. ولولا هذا التهديد لما نجحت السعودية الوهابية في الشحن الطائفي، و إرسال هذا العدد الكبير من الإرهابيين التكفيريين للعراق من خلال سوريا ودعمها، إضافة إلى الدعم الإيراني لمليشيات مقتدى الصدر الشيعية ضد العملية السياسية، وكان بالإمكان كسب سوريا وإيران لصالح تحرير العراق منذ البداية. 
 
ومع الأيام، تعقدت الأمور أكثر فأكثر، حيث انقلب الإرهابيون ورعاتهم الخليجيون على بشار الأسد نفسه، فصار العراق وسوريا ساحة للحروب بالوكالة بين أمريكا وروسيا وإيران من خلال الدعم الهائل للتنظيمات الإرهابية، داعش وجبهة النصرة وأحرار الشام ...وعشرات غيرها، عن طريق إثارة الصراعات الطائفية، لتبرئة ساحة الغرب مما يجري وذلك بإبراز الاقتتال في المنطقة بأنه صراع طائفي تاريخي في الإسلام!!
 
وأخيراً أدرك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده، روسيا، هي المستهدفة فيما يجري في العراق وسوريا من إرهاب، فبعد إسقاط النظام السوري سيتوجه الإرهابيون إلى روسيا، لذلك تدخل وبقوة في توجيه الضربات الجوية للإرهابيين في سوريا، ووعد بالمثل في العراق فيما لو طلبت الحكومة العراقية منه ذلك، مما أثار قلق الغرب، ورعب الدول الإقليمية الراعية للإرهاب، السعودية وقطر وتركيا. 
 
والسؤال هنا: ما هو موقف العراق مما يجري الآن في الساحة؟
بداية، وإنصافاً للتاريخ، نقول أنه منذ مغادرة الجيش الأمريكي العراق نهاية عام 2011، لم يصدر من إيران أي تصرف ضد العراق، بل كان داعماً له في مختلف المجالات، الاقتصادية والطاقة، ومحاربة الإرهاب، وخاصة بعد جريمة تسليم المحافظات الغربية لداعش، إذ لولا الدعم الإيراني للعراق لكانت بغداد بيد داعش الآن، وحرب إبادة الشيعة، وعودة البعث للسلطة بنسخته الإسلامية الوهابية التكفيرية.. إذ كما أكدنا مراراً أن (داعش) هو مجرد الاسم الحركي للقوات العسكرية والأمنية البعثية الصدامية الذين يشكلون نحو 90% من هذا التنظيم الفاشي المتوحش، وبدعم الدول الخليجية وتركيا، للضغط على الحكومة العراقية بالابتعاد عن إيران ومعاداتها، وبالتالي تصفية المنطقة من أية حكومة لم تخضع لبيت الطاعة الأمريكي والإسرائيلي.
وبعد تدخل روسيا على الخط في سوريا، وتصريحات الدكتور حيدر العبادي أنه سيطلب من روسيا دعم العراق في حربه على داعش، وتشكيل المركز الرباعي في بغداد، لجمع المعلومات الاستخباراتية للتصدي لداعش بالتعاون مع روسيا وسوريا وإيران والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، 
 
تحركت أمريكا بالضغط والتهديد لحكومة العبادي، ومن هذه الضغوط "وصول الجنرال جوزيف دنفورد رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة لأربيل، الثلاثاء 20 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وفور وصوله استبعد إمكانية شن روسيا حملة جوية في العراق في المستقبل  القريب"(1). 
 
كما وهناك سيل من التقارير والتعليقات تفيد بعزم أمريكا بتغيير حكومة العبادي بشخص آخر موال لأمريكا، يعمل على إبعاد العراق عن إيران. وعلى سبيل المثال لا الحصر، تقرير نشرته صحيفة كويتية مفاده (أنّ مراجع خليجية عليا قد أكدّت أنّه من المتوّقع حدوث تغيير في المعادلة القائمة في العراق عبر دعم الولايات المتحدّة والدول الخليجية لحكومة جديدة في بغداد تبتعد عن إيران في مقابل ضم العراق إلى مجلس التعاون الخليجي... واستعادة وحدة وسيادة العراق، والقضاء على تنظيم داعش، وقيام مصالحة وطنية على أسس سليمة ينتهي معها الفرز الطائفي والانقسام الحالي في المجتمع...الخ). وحشروا اسم المرجع الديني الشيعي الإمام علي السيستاني، وادعوا ترحيبه بالمخطط، و(إنّ رئيس الوزراء الجديد الذي تقترحه واشنطن أسمه عماد الخرسان، وهو مهندس عراقي يحمل الجنسية الأمريكية وكان ضمن طاقم المستشارين الذين عملوا مع بول بريمر، وذكرت المصادر أنّ السيستاني طلب مهلة لإعداد الساحة العراقية لهذا التغيير.)(صحيفة الرأي العام الكويتية، 4/10/2011).
 
واضح من سياق التقرير أنه ملفق، الغرض منه تشويش الرأي العام العراقي والعربي، ونشر البلبلة الفكرية، وابتزاز الدكتور حيدر العبادي رئيس الحكومة العراقية لإبعاد الحشد الشعبي، والدعم الإيراني عن عمليات محاربة داعش، وعدم تقديم طلب لروسيا بالمساعدة ضد الإرهاب. إن التقرير أعلاه، اعتراف ضمني أن ما يجري في العراق من صراعات طائفية، وعمليات إرهابية، هي من صنع أمريكا والدول الخليجية انتقاما من الحكومة العراقية لتقاربها من إيران، وبمجرد أن يبتعد العراق عن إيران، فإن الدول الخليجية ستكافئ العراق بضمه إلى مجلس التعاون الخليجي، والحفاظ على وحدته الوطنية والقضاء على الإرهاب !!!!!
 
تفيد الحكمة: (حدث العاقل بما لا يُعقل فإن صدق فلا عقل له). فالسيد عماد الخرسان ليس حزبياً، ولم يكن مدعوماً من الأحزاب الشيعية ذات الأغلبية في البرلمان، ولا حتى عضو برلماني، ولا أعتقده ينافس أي شخص على هذا المنصب، لذلك فكل هذه التقارير بتغيير رئيس الحكومة هي مجرد حملة شعوذة ودجل وتشويش وتضليل وثورة في فنجان. وهل يحتاج العراق ان ينضم إلى مجلس التعاون الخليجي؟ طبعاً المقصود بتحقيق (مصالحة وطنية على أسس سليمة) يعني رفع الحضر عن البعث وإشراكه في الحكم، أي إشراك داعش (وتحت اسم آخر) في العملية السياسية. 
 
وقد تبين أخيراً أن كل هذه الضجة المفتعلة هي بسبب تعيين السيد عماد الخرسان أميناً عاماً لمجلس الوزراء، وليس رئيساً للوزراء كما روجوا وطبلوا. والجدير بالذكر أن هذا المنصب ليس جديداً على السيد الخرسان، إذ كان قد كُلِّف به في حكومة الدكتور إبراهيم الجعفري عام 2006... فلماذا كل هذه الضجة إذنْ؟ وما الخطأ أن يكون السيد عماد الخرسان أميناً عاماً لمجلس الوزراء؟ فهو عراقي، ولعب دوراً مهماً في تحرير العراق.
 
لذا، أرى من مصلحة العراق أن يشارك في حكومته مسؤولون ذو علاقة جيدة مع مختلف الحكومات الأجنبية، وخاصة أمريكا، وبريطانيا وروسيا وإيران وغيرها، على أن يعمل كل من جانبه لكسب هذه الدول لصالح العراق. فليس من مصلحة العراق أن يعادي أية دولة في العالم، خاصة وهو يمر في وضعه المتأزم الحالي، حيث التكالب عليه من مختلف الأطراف، المحلية والإقليمية والدولية، وعليه يجب أن يبذل كل مسؤول عراقي قصارى جهده لكسب كل دول العالم لصالح العراق، والجهد الأكبر يقع على رئيس الحكومة لإقناع الإدارة الأمريكية أن معاداة العراق لإيران عملية انتحارية للعراق وبالأخص للشيعة الذين يشكلون نحو 60% من شعبه. كما ويمكن للعراق أن يلعب دوراً إيجابياً في التقارب بين أمريكا وإيران، وأن هناك مبالغة وكذب شنيع ومتعمد من صنع نتياهو في تخويف الدول الخليجية والعالم من البرنامج النووي الإيراني، وأمريكا تعرف ذلك جيداً أكثر من غيرها. 
 
ومما يجدر ذكره أن الأحداث خلال العامين الماضيين، وبالأخص منذ تسليم الموصل إلى داعش، أثبتت أن أمريكا ليست جادة في محاربة الإرهاب، بل اتخذت من داعش وسيلة لإسقاط حكومة بشار الأسد، و ورقة ضغط على العراق لإزاحة السيد نوري المالكي من رئاسة الحكومة، وهناك تقارير وبحوث تؤكد أن  التنظيمات الإرهابية هي من صنع أمريكا، وهي طريقة جديدة، إلى جانب وسائل أخرى كثيرة، لابتزاز وشن الحروب على الحكومات الخارجة عن الطاعة وإعادتها إلى الحظيرة الأمريكية. 
وكما كنا في السابق، فما زلنا ندعو إلى علاقة حميمة مع أمريكا، ولكن إذا ما تمادت أمريكا في التلكؤ في دعم العراق ضد الإرهاب، فعندها تصبح القضية مسألة بقاء أو فناء للدولة العراقية، لذلك وفي هذه الحالة لا بد وأن يتقدم رئيس الوزراء بطلب الدعم الروسي، لأن روسيا أكثر ضماناً وأكثر جدية في ضرب الإرهاب من أمريكا. فالمسألة أشبه بلعبة الشطرنج، مسألة تخطيط إستراتيجي سليم وفق حسابات دقيقة، فإذا رفض العراق الدعم الروسي، وأعلن معاداة إيران إرضاء لأمريكا ومحمياتها الدول الخليجية، سيقع أسيراً لهذه الدول و عرضة لابتزازها، و سيفرض هؤلاء الحكام عليه ما يشاءون، وعندها سيكون العراق قد خسر كل شيء، ولا يمكن للشعب أن يسكت إزاء هذا الإذلال، فلا بد وأن يثور ثورة لا تبقي ولا تذر، فالشعب يمهل ولا يهمل. 
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
 
روابط ذات صلة
1- بين رسالة بوتين للعبادي وزيارة دنفورد لأربيل أقل من 24 ساعة
https://arabic.rt.com/news/797532-%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9-
 
2- نبيل فياض: أنا ضدّ التدخّل العسكري الروسي... في سوريا ...اليوم (مقال جدير بالقراءة)
http://www.shaamtimes.net/news-detailz.php?id=40989
 
3- د.عبدالخالق حسين: الضربات الروسية لداعش تثير هستيريا الغرب
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=799
 
 
 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter