بقلم : ماجد سمير 

يحكم صديقي يسري بك أمور عائلته بشكل جيد جدا وبمنتهى الذكاء متخطيا كل الأزمات على مدار سنوات حكمه الرشيد،  أصر وأصدقائنا المشتركين دائما على ربط اسمه بلقب" بك " نظرا لانتمائه لعائلة عريقة فضلا عن احساسة بذاته غير العادي لدرجة اننا نخشى أن يصرخ في خدامه – عبد الصمد – مطالبا اياه بإحضار الكرباك السوادني لمعاقبة أيا من
ا في حالة استفزاه أو عدم اقتناعه بكلامنا، أصبحنا أصدقاء مقربين منذ عشرين عاما رغم فارق السن بيني وبينه فهو تقريبا من سن والدي، نلتقي مرة على الأقل اسبوعيا على واحد من أشهر المقاهي بمنطقة وسط القاهرة 
أخبرني أن الحب غير بعض طباعه كثيرا ، مؤكدا خلال دار بيننا في أول فترة تعارفنا أنه وقع في غرام فتاة من عامة الشعب – حسب تعبيره -  عمل والدها في أحد مصانع عبد الناصر تعلمت بسبب مجانية التعليم وربما استفادت كغيرها من ملايين المصريين من تأميم أموال عائلة يسري بك وكذا العائلات المشابهة.
 
يسخر يسري بك من الأيام ويؤكد أنه لم يتحيل في يوم من الأيام ان يتزوج من خارج طبقته الاجتماعية وأن زوجته خطفت عقله وقلبه بمجرد أن وقعت عينه عليها وأشار في أكثر من مناسبة إلى أن  أبناءه نتاج طبيعي لزواج حي الزمالك ببولاق  أبو العلا أو بولاق الدكرور 
يرى الـ " بك" أن حياته مع زوجته تشبه البلد تماما، يعيش في منزله كل الفئات الممثلة للمجتمع بكافة اتجاهاته فهو ليبرالي يؤمن باقتصاد السوق الحرة وزوجته ناصرية وأولاده منهم من هو يساري  ومن ينتمي قلبا وقالبا للإسلام السياسي فضلا عن آخرون يمثلون كل التيارات والأحزاب المختلفة، منزله بكل بساطة ليبرالي جدا الكل يختلف مع بعضه البعض لكنهم جميعا في النهاية يقبلون الآخر تماما ، نموذج التعايش الذي نحلم به موجود كما قال الكتاب دعني اختلف معك لكني سأدافع عن حقك في الحياة دائما.
 
اخبرني مرة أن الأمور داخل منزله كانت لسنوات طوال رائعة وتسير السفينة بلا أي مشاكل رغم الإختلاف والتنوع حتى ظهر التعصب وعدم قبول الآخر مع انخراط أحد الأنباء فيما يسمى الإسلام السياسي ، بدأت بوادر تكفير الآخر واعتبار أن مصيره الحتمي في جهنم وأن دخول الجنة مقصور فقط على هذا الإبن.
 
ومع الوقت وتوالي الانتفاضات والثورات قرر الأب اللجوء للديمقراطية وأن الصندوق هو الحل وعلى الكل اختيار المناسب له ليقود السفينة، في البداية حاول الإسلامي اقناع الجميع بأن الديمقراطية حرام شرعا وأن الانتخابات مرفوضة في المجتمعات الإسلامية لأنها آتية من الغرب الكافر 
مع الوقت يلجأ صاحبنا التكفيري إلى حيلة خادعة متصورا أنها ستنجح وستمكنه من الحصول على الحكم؛ فيلجأ إلى قبول الانتخابات مؤكدا بينه وبين نفسه أنها انتخابات المرة الواحدة فقط يصل بها لكرسي الحكم ويمسك في يده "مصروف البيت" وبعدها سيظل حاكما بأمر الله للابد ولن تتكرر الانتخابات مرة أخرى.
 
ويعترف الأب في خلال واحدة من سهراتنا أنه ظل لسنوات يخفيف الجميع من التكفيريين بكل فصائلهم وانتمائتهم وانه حصد أرباح طائلة وسنوات حكم طويلة نتيجة لرسائل التخويف التي "عششت" تماما في عقل العائلة وبات الجميع يقبل الحد الأدني من المعيشة دائما متذكرين ما يحدث للعائلات المجاورة لهم 
ورغم العزوف عن حضور الانتخابات إلا أن التكفيري خسر بشكل كبير فقد غالبية الأصوات وبات بعيد تماما عن تحقيق حلمه بالحكم؛ "فالعو" لم يعد له وجود  وباتت الأمور صعبه للأب فالآن فقط وبشكل مفاجىء لايوجد ما يخيف به العائلة ، بل أنهم أصبحوا أكثر دراية وجراءة ، والكل الآن يعي أن موسم صرف العفاريت قد بدأ.