بقلم : زهير دعيم
تمطّى صديقي في كنبته بُعيْدَ عودته من رحلة قصيرة إلى عمّان، العاصمة الاردنية، تمطّى ضاحكًا وقال : لقد اكتشفت يا صديقي انّ للسُمنة ضريبة ما عرفتها من قبل ، فقد عرفت ضريبة ضغط الدم المُرتفع والدّهنيات و...و... أمّا انّ هناك ضريبة البنطلون فما عرفتها الا في الايام الاخيرة –ربما كانت وانا ما جرّبتها- ...نعم عرفتها وتعرّفت عليها في عَمّان. فقد بحثتُ طويلاً في حوانيت العاصمة الاردنية حتّى اهتديت الى بنطال يلائم مقاسي ، وفوجئت حين طلب البائع سعرًا أعلى بكثير من سعر البنطلون العادي ، مُتذرّعاً بأنني لن أجد هذا المقاس في كلّ حانوت ، فاضطررت لشرائه .
غرقت في الضحك وقلت لصاحبي : "كان عليك ان تفعلَ كما فعل فارس الخوري قبل عشرات السنين .
- من هو فارس خوري هذا وماذا فعل؟
فارس خوري يا صاحِ أشهر من نار على علم ، أنه رجل قانون وأدب وسياسة سوري تولّى رئاسة الحكومة السورية من سنة 1945- 1954 وابنته الكاتبة المُبدعة كوليت خوري ، كان رحمه الله رأساُ كبيراً في كلّ شيء!!
كان رأسًا كبيرًا في الحجم وفي السياسة وفي الادب وفي الحقوق...اهترأ طربوشه او كاد ، فارتأى ان يشتريَ طربوشًا اخر َجديدًا ، فبحث في دمشق وفي كل حوانيت سوق الحميدية لعله يجد طربوشًا بمقاس رأسه إلى أن اهتدى أخيرًا الى ضالّته المنشودة لدى احدهم ، فحدثت مساومة جميلة بينه وبين البائع ، فقد طلب هذا سعرًا عاليًا قائلاً : " انصحُكَ بشرائه بالثمن الي اطلبُ ، فلن تجدَ في السّوق كلّه طربوشًا بهذا الحجم.
فرد الخوري ببسمته الحنطية المعهودة : " بل نصيحتي لكَ ان تعطيه بالثمن الذي اعرضُ ، فانك لن تجد في سورية كلّها رأسًا بهذا الحجم !!".
غريب امر هذه الايام ، فالكل يريد ان ينتهز الفرصة وان ينقضّ على "فريسته" دون ان يفكّر في طينة هذه الفرصة، وما مدى حلالها، ومن هي الضحية ، فيُخيّل اليك ان ميكيافيلي الجديد يتربّص بكَ في كل ركن وفي كل زاوية ، تارةً في الحانوت واخرى في المصرف ، وطورًا في المدرسة والمكتبة والكلّية والشارع ، وعن طريق الهاتف ، الذي يُزعجك خمسًا في اليوم الواحد وعلى الطرف الآخر ، صوت أنثوي ولا أحلى، يُخبركَ بأنك فُزْتَ-هكذا-بالقُرعة برحلة الى اسبانيا ، او انك مدعو ٌللانضمام إلى عائلة تأمين الحياة وتأمين الدراسة الجامعية لاولادكَ.
الكلّ يريدُ ان ينتهز الفرصة ، وان يربح بأهون السُّبل وبالطريقة الأمريكية ...بطريقة أنت الساذج تدفع ونحن نتدبّر،انت تدفعُ ونحن نتظلّل افياء النعيم ، وبعدنا الطوفان !!
لقد بات الأمر مُزعجًا ، ويدعو الى اليقَظة والانتباه والحيْطة، ويُحتّم علينا ان نصحوَ ونتيقظَ خاصةً في هذا الظرف الاقتصاديّ العصيب نوعًا ، والذي يُشجّع على أعمال الاحتيال والنصب والربح السريع، البعيد عن بذل الجُهد ، كما ويُشجّع على الركون الى مُخصصات البطالة ، تاركين النشاط والمُثابرة جانبًا ، ملتجئينَ الى الذّل نشربه بإرادتنا من كأس التأمين الوطني!.
انّ في العمل حياة وحياة وكرامة، وفي الكسل مهانة ما بعدها مهانة ، وفيها ايضًا جريٌ حثيث ٌ خلف أساليب ملتوية يمقتها الله والحِسّ وينهى عنها الضمير الحيّ ...وقديماً قالوا التدبير نصف المعيشة، وامّا اليوم فنقول ان اليقظة اكثر من نصف المعيشة!!.