بقلم: ليديا يؤانس
هذه قصة صادقة رأتها في الرؤيا الاستعلانية سيدة باكستانية ثرية غاية الثراء، وكانت مطلقة، فأصبح المسيح عزاءها، وكانت مبتدئة في الإيمان المسيحي ولم تقرأ بعد العهد القديم.
هذه السيدة التقية كانت موهوبة وتعرفت علي المسيح بدون أحد من الناس، وفي ليلة رأت رؤيا كانت قد وردت بنصها في سفر الرؤيا.
رأت ملاكاً راكباً حصاناً أحمر وبيده سيف وقد نزل من السماء وهو شاهر سيفه، صارخاً بصوت عظيم وهو نازل إلي الأرض وسنابك أقدامه تحف في الأرض وكان يصعد وينزل: "فخرج فرس آخر أحمر، وللجالس عليه أُعطي أن ينزع السلام من الأرض، وأن يقتل بعضهم بعضاً، وأُعطي سيفاً عظيماُ" (رؤيا 4:6).
فلما قرأت هذه الرؤيا في سيرة السيدة "بلقيس" الباكستانية انذهلت، لأنها لم تَرَ إلا هذا المنظر فقط دون أن تذكر أية أحصنة أخري، وكأنه انتقاء يشير إلي الزمان الذي نحن فيه، وهذا حقّ.
فلم يحدث منذ بدء الخليقة أن تقوم الأوطان ولا البلاد بعضها علي بعض، وأن يقتل الشعوب بعضهم البعض، إلا في هذا الزمان الذي نحن فيه الآن. فعرفت أننا في الزمن الأخير، لأن في سفر الرؤيا يجئ ذِكر هذا الحصان الأحمر في نهاية الزمان، ويتبعه مباشرة مجئ الحصان الأسودالذي في زمانه يخرب العالم وتصير مجاعة قاتلة.
فقلتُ في نفسي: هذه توعية نادرة لابد أن يشاركني فيها كل قارئ لأننا في زمن نقرأ فيه كل يوم عن حروب وأخبار حروب وإرهاب وقتل حتي في أعظم الدول، وقد اشتعل لهيب الحرب والقتل إلي باقي الدول، وأوضح صورة للعالم الآن أنه يجوز محنة آخر الأيام، حيث لا رجاء في صلح أو سلام، إنما يكثر فيها الخوف والفزع، إذ لا يعرف فيها الإنسان مصيره إن كان سينجو من هذا الإرهاب أو سيُنزع من بيته، لأن الطبيعة أيضاً بدأت تحارب الإنسان، فالزلازل والأوبئة والبراكين وطغيان البحار بدأت كلها معاً تكشر عن أنيابها وكأنها عدو متربص.
ولكني أعتقد أنها رجع لصورة الإنسان وهو يفتك بأخيه الإنسان، فإن كان قد انتُزع السلام من قلب الإنسان، فالطبيعة كفت عن أن تعطي سلامها للإنسان. لأنه منذ البدء جعل الله الطبيعة تخدم الإنسان، إن هو تصالح مع الله، ولكن إن هو أعطي ظهره لله وتعدى علي سلطانه، فالله يرفع السلام الذى يربط الإنسان بالطبيعة وتكفُّ قوانين الطبيعة عن أن تخضع للإنسان بل تبدو وكأنها خاصمت الإنسان. والزلازل والبراكين والطوفان ما هي إلا عصيان سافر لسلطان الإنسان، فلم تعُد تخدم سلامه. فبنظرة واحدة إلي الفيضانات في العالم الآن، نتيقن أن المحيطات والأنهار عصت أمر الله وخرجت عن حدودها التي رسمها لها الله ألاّ تتعداه.
كما نسمع الآن أن الحيوانات التي كانت تطيع أمر الإنسان كسيد عليها، بدأت تعصاه وتهجم عليه وتفترسه، وهكذا فقد الإنسان هيبته عليها، وبات يخاف علي نفسه وعلي أولاده من فتكها، ولم تعُد الخليقة تئن في نفسها منتظرة فداء أجسادنا، بل ترنو إلي افتراسها وأكلها، حتي أصبح الإنسان بالرغم من سطوته يرتعب من افتراسها. وهكذا انقلبت الخليقة عليه، فبعد أن كان سيدها أصبحت هي سيدة عليه يعمل لها ألف حساب.
وأصبح همُّ العلماء أن يجدوا وسيلة للسيطرة علي البراكين والزلازل والفيضانات التي أصبحت تهدد سلام الإنسان، ولكن بلا طائل. وهكذا فرط الله في إقامة سياج يحمي سلام الإنسان من سطوة الخليقة المعادية للإنسان الذي أصبح يواجهها سافراً ويشعر بصغر نفسه إزاء التهديد الذي يواجهه في الزلازل والبراكين والفيضانات العاتية. فالزلزال الذي أصاب جنوب آسيا ابتلع ما يزيد عن مائتي (200) ألف نسمة في ساعات قليلة، والعالم كله يقف ويسمع ويرى وهو مكتوف الأيدي.
وكأني بصدد نداء الرب لآدم لما خالف وصية الله: "أين أنت يا آدم" (تكوين 9:3). والآن ينادي الله الإنسان في نفس الموقف بعد الهلاك الذي عاناه من الزلازل والفيضانات: "أين أنت أيها الإنسان"؟!
إلي هُنا إنتهي حديث الأب متي المسكين كما هو مُدون في كتابه (مع المسيح – الكتاب الأول من صفحة 46-48).
نعم "أين أنت يا آدم" قالها الرب مع بداية خلق العالم، وحينما سقط آدم بسبب عصيانه لله.
نعم "أين أنت أيها الإنسان"؟! يقولها الله في كل لحظة وحتي الآن، لكي ينبهنا أننا مازالنا نحيا في العناد والكبرياء والعصيان.
دعوني أولاً أتحدث عن الحصان الأحمر، مُعظم المسيحيين قد يعرفونه لأنه مذكور في سفر الرؤيا كما قال الأب متي المسكين عاليه، وللغير مسيحيين أود توضيح أنه بالكتاب المقدس عندنا، قد تُستخدم الرمزية في بعض الآيات للإشارة لشئ مُعين أو للتنبؤ بشئ في المستقبل، وعلي سبيل المثال لا الحصر نجد داود النبي يقول في مزمور (16:22) "لأنه قد احاطت بي كلاب جماعة من الأشرار اكتنفنتي ثقبوا يدي ورجلي."
بذمتكم وأنتُم مُعظمكم قرأتُم وسَمِعتُم عن داود، هوه كان فيه حد يقدر يقرب من أعظم ملك حكم إسرائيل، داود الحلو الذي حكم واستمتع بمملكته وحياته وزوجاته، داود الذي في شيخوخته ونهاية حياته أتوا لهُ بفتاة صغيرة لكي تعطيه أكسير الحياة لكي تطول أيامه، داود لم يثقُبوا يديه ورجليه، ولكن هذا الكلام علي لسان داود، كان نبؤة عن صلب المسيح، الذي ثقبوا يديه ورجليه.
سفر الرؤيا من الأسفار التي تناولت أيضاً الرمزية بشكل واسع، لأنه يُحدثنا ويتنبأ لنا بما سَيحدُث في حياتنا الآن، وما ستكون عليه حياتنا في الزمن الآتي أي في الأبدية.
ولذا الحصان الأحمر، ما هو إلا رمز لما سَيحدُث في حقبة زمنية سوف تمر علي البشرية، وعلي حسب ماذكره الأب متي عاليه، يبدو أننا الآن في زمن الحصان الأحمر!
الحصان حيوان جميل قوي، ليس مُفترساً أو شرساً بطبعه، ولكنه مغوار بارز حينما يمطتيه بطل أو خسيس، ممكن تطويع قوته علي حسب رغبة من يقوده.
الحصان اللي مذكور في سفر الرؤيا وشافه يوحنا كان لونه أحمر، اللون الأحمر هو لون النار والدم، ولون النار والدم يصور الحروب والدمار، أي أن البشرية كلها ستتأثر بهذه الفترة الزمنية المرموز لها بالحصان الأحمر.
يوحنا شاف أن الجالس عليه أُعطي أن ينزع السلام من الأرض.
والجالس عليه، أي إن كان اسمُه أو لونه أو شكله سيكون شُغله الشاغل نزع السلام من الأرض، ولكي يُتمم مُهمِته أُعطي له سيفاً عظيماً، بمعني أن المعركة ستكون شديدة جداً وشرسة.
بالتأكيد الإنسان الذي سُيعاصر هذه المرحلة سيكون في ضيقة عظيمة، وهذا ما نمر به الآن من اضهادات وحروب، وقيام دولة علي دولة، وتكفير وادانه الآخرين، مما يؤدي إلي إضطهادهم وقتلهم، وعلي ما أعتقد هذا ما نعيشه الآن.
لقد تحدث يسوع مع تلاميذه عن علامات نهاية الأيام فقال "سوف تسمعون بحروب وأخبار حروب. أنظروا لا ترتاعوا لأنه لابد ان تكون هذه كلها ولكن ليس المُنتهي بعد. لأنه تقوم أمة علي أمة ومملكة علي مملكة وتكون مجاعات وأوبئة وزلازل في أماكن ولكن هذه كلها مبتدأ الأوجاع" (متي 24: 6-8 راجع أيضاً مرقس13: 7-8 ؛ لوقا9:21).
نعم هذا الوصف ينطبق علي عالمنا الآن، وعلي ما أعتقد نحن في النصف الأول من الضيقة العظيمة، أي مبتدأ الأوجاع كما وصفها يسوع المسيح.
ولكن مهم جداً أن نعرف أن الضيقة العظيمة التي ستكون في آخر الأيام لا تعكس غضب الإنسان، ولا غضب الشيطان، بل تعكس غضب الله الذي يسكبه علي العالم.
نعم "أين أنت أيها الإنسان"؟!
هل ما زلت تجهل سبب ضيقتك واضطهادك وأمراضك ودمارك وتشردك وتشتتك في العالم؟
من فضلك لا تقل هذا بسبب الجالس علي الحصان الأحمر!
ربما الحصان الأحمر وراكبه وسيلة ليقول لك الله "أين أنت أيها الإنسان"؟!