بقلم :  سمير حبشــــــــــى 
يا سادة : ليت الظالم يعلم أن من جُرْح الظلم تسطع شموس الأرض ..  ومهما مر السيف على الأعناق لكى تنحنى الرؤوس  ، ومهما زاد لهيب النيران ، وجُدلت أحبال المشانق  للأحرار يوما ، فلن يركعوا .. ملح الأرض ، نور العالم ،  أبناء المسيح  ، كما لقبهم أبانا الذى فى السموات ، أقباط مصر ، الذين حفروا اسمها فى جبهة الشمس  ، ورسموها صورا لأحفادهم ، وكتبوها على أبواب قلوبهم ، وحملوها فوق أكتافهم ، ولأن الحق يسطع من أحداقهم ويُغلف كل صرخاتهم ، فلن يقوى أحد أن يجعلهم يركعون .. ولأنهم يعرفون أن مشاعل الحق لابد أن تنتصر وتضئ ، وليل الظلم مهما طال فهو قصير ، ولابد أن تُشرق شمس حرية وحقوق الإنسان .. نجدهم هذه الأيام لم ينسوا حق الشهيد .
 
تمر على أقباط مصر فى يوم الجمعة التاسع من شهر أكتوبر من كل عام  ، ذكرى تترك لهم فى  الحلق غصة ، وفى القلب جرحا نازفا ، طالما لا يزال الطغيان قائما والظلم  وسدا منيعا حائلا أمام حق شهدائهم  ، الذين قُتلوا فى مثل هذا اليوم ، من أربع سنوات ، برصاص ومدرعات الجيش المصرى ، أمام مبني ‫‏ماسبيرو‬ أثناء وقفة سلمية - بدون سلاح - ، لوقف هدم الكنائس في مصر ، فمازالوا قتلة الشهيد مينا دانيال وشهداء ماسبيرو، أحرارا، ولم يُحاكموا حتى الآن ..  ومذبحة ماسبيرو لها ثلاث وجوه .. ضحية ، ومحرض ، وفاعل .. والضحية أمام بطش وظلم الحكام ، منذ الغزو العربى لمصر دائما هم الأقباط . والمحرض فى هذه المذبحة هم قادة الجيش الذين أعطوا الأوامر . والفاعل هم جنود القوات المسلحة ، الذين ليس لهم الحق فى الرفض ولا يملكون غير " تمام يا أفندم " . وللأسف فإن الجريمة كانت مدبّرة مع سبق الإصرار والترصد ، بين الجيش والميديا الخاصة بالسلطة ، فقد تقيأت القنوات التليفزيونية الخاصة بالحكومة كل الأكاذيب ، حيث تركزت تغطيتها للأحداث ، على أن الأقباط تعدٌوا على قوات من الجيش ورجال الشرطة العسكرية بالسيوف والخناجر والأسلحة النارية ، ومن خلال نداءات إستغاثة كاذبة ،  طلبوا إنقاذ جنود الجيش من أيدى الأقباط الذين يفتكون بهم .
 
 والحقيقة التى يعرفها العالم أجمع ، وظهرت على جميع القنوات الخاصة أنه فى يوم 9 اكتوبر 2011 خرج أقباط مصر فى مسيرات ، فى أكثر من  مكان ، كتعبير عن رفضهم و غضبهم من العنف والظلم الذى حاق بهم ، ويترصدهم فى كل مكان فى بلدهم الأم مصر  كل يوم  ، و الذى زادت وتيرته بطريقة خطيرة ، و على ما حدث فى فض اعتصام 4 أكتوبر بالقوة .. ومن شبرا خرج الأقباط ، و بعض منهم لبس  ملابس بيضاء مكتوب عليها اسماء ضحاياهم ، وواضعين أكفانهم على أكتافهم ،  كتعبير على انهم مستعدون للإستشهاد ، فى سبيل الكرامة و الأمن و العدل الذى خرجوا من أجله ،  و طالبوا بعزل  محافظ أسوان ، و كانوا يهتفون " باطل .. باطل ". وانضم للمظاهرة بعض من المسلمين ، الذين يشعرون بالظلم الواقع على  الأقباط ، وحضر أقباط من سوهاج و أسيوط ، وكانت المسيرات سلمية تماما ، ولا يحمل أحد منهم شئا غير الصلبان واللافتات التى تطالب بحقوقهم .. وسارت الجماهير القبطية حتى وصلت إلى مبنى ماسبيرو ، وهناك كان الموت ينتظرهم ، متمثلا فى جريمة كاملة ، أعد كل مشاهدها رجال السلطة ، من القيادات العسكرية ، وقنوات التليفزيون الخاصة بحكومة العسكر. وتم السيناريو المرسوم للمذبحة ، حيث قامت قوات الجيش بضرب المتظاهرين بالرصاص ، وبعدها قامت مدرعات الجيش بمهاجمتهم وهرسهم ، وراح ضحية هذه المذبحة أكثر من خمسة وعشرين قبطيا ، هذا غير المئات التى أصيبت .. أما عن الذين قُتلوا فى هذه المذبحة ، فقد ألقيت جثثهم فى النيل ، والباقى ألقوا فى المشارح بطريقة لا تليق بآدمية الإنسان. 
 
وفى هذا اليوم استوطن الحزن فى قلوب كل أقباط مصر ، فى داخلها وخارجها ، وبدأت حكومة العسكر تُخرج لسانها للعالم أجمع ، من خلال بيانات كاذبة ومؤتمرات شكلية ، تحاول الإختفاء وراءها ، حتى لا يظهر موت الضمائر ، ويقرأ الجميع  الصفحة التى كُتبت فى تاريخهم الأسود ، وفى اليوم الثالث لوقوع المذبحة -  كان موعد الإجتماع الأسبوعي للمتنيح البابا شنودة الثالث ، الأسد الذى كان يعيش آلام وأحلام أبنائه الأقباط ، وفى كلمته رد على المجلس ، وقام بسرد عدة معلومات مخالفة لرواية المجلس العسكرى عن الأحداث، وقال : إن الضحايا الذين قتلوا في ماسبيرو "شهداء"، وفي مستهل كلمته للحاضرين ، قال : "أعزيكم جميعا في استشهاد أبنائنا الذي قتلوا في ماسبيرو". وناقض قداسته رواية المجلس العسكري عن "تسلُح المتظاهرين"، بقوله: "هؤلاء الأبناء العزل ، الذين لم يحملوا سلاحا مطلقا"، مشيرا إلى أنهم لو كان معهم أسلحة لتم ضبطها ، خلال المسافة الطويلة ، التي ساروا فيها من شبرا إلى ساحة ماسبيرو  "مكشوفين أمام الناس ". وسرد قداسة البابا شنودة حصيلة الضحايا - الذين وصلوا إلى 24 قتيلا و300 مصابا - مؤكدا أن ثلثهم دهسته عربات الجيش، والثلثين الآخرين قتلوا بالرصاص .. وقد أراد أن يرسل رسالة للدولة والرأي العام عن موقف الكنيسة مما حدث، فقال : "أولادنا هؤلاء محبوبون لنا، ودمهم ليس رخيصاً علينا".كما طالب البابا بالإفراج عن المحبوسين على خلفية الأحداث، معربا عن استيائه الشديد من تغطية التلفزيون المصري للأحداث.
 
يا إخوتى هذه كانت الإبوة الخالصة من الجالس على كرسى مار مرقس ، فهل استمرت هذه الإبوة وتمثلت فى خلفه قداسة الأنبا تواضروس ، للأسف لا فقد ظهر أن كل ما يقوله فى الأحداث الأليمة التى تحل بأقباط مصر ليس إلا ما يثلج قلب رجال السلطة ، فقد فاجأ الجميع فى حواره لقناة فوكس نيوز العربية" إن حادث ماسبيرو كان خدعة كبيرة من الإخوان للشباب المسيحي، إذ أن الإخوان استدرجوا الشباب لمواجهة الجيش ثم تركوهم، مضيفًا: "فوَّتنا الفرصة على من كان يريد استدراجنا لحرب أهلية بعد فض اعتصام رابعة . وأنا لا ألومه على تصريحاته هذه لو لم يكن يعرف الحقيقة ، بالرغم أن عدم معرفته للحقيقة تعتبر مصيبة لمن فى مركزه ، وأما إذا كان يعلم ويقوم بلوى الحقائق ، فالمصيبة أعظم .. 
 
  إن قضية ماسبيرو ليست قضية قبطية ، بل قضية وطن ، يجب على قياداته الحفاظ على منجازات ثوراته باحترام حقوق المواطنين، ولا يجب أن تؤخذ على أنها  قضية أقليات ، لأن ما حدث فيها جريمة كبرى، يجب أن يحاسب فيها كل مسئول .. والمسئول الذى أمامى الآن هو رئيس الجمهورية " السيسى " ، فلا يستطيع أحد أن ينكر أن السيسى فى وقت المذبحة كان يتبوأ مركز رئيس المخابرات العسكرية ، أى أنه يحيط بل يعرف بكل دقائق المذبحة ، ومن دبرها ، ومن كان ورائها ، ولماذا تمت .. وقد مر أربع سنوات عليها ، والأقباط يطالبون بحق شهدائهم ،  وهو يصنع أذنا من طين والأخرى من عجين ، كما عهدناه فى كل مصائب ونكبات الأقباط الدائرة يوميا على أرض مصر ، ولكننا لا ولن ننسى أن تلك المذبحة ستظل وصمة عار على جبين المؤسسة العسكرية ، حتى يتم محاكمة القتلة من العسكر المسئولين عن تلك المجزرة الدنيئة، نطالب بالقصاص من الجناة وتحديدا المشير طنطاوي ، والفريق سامي عنان، واللواء حمدي بدين، فضلا عن كل مجند ورتبة عسكرية، كان موجوداً أثناء الواقعة"، وسنذكرها ما بقى فى العمر بقية، و سنورثها لأبنائنا، لأن المتستر على قاتل يعتبر شريك فى الجريمة. وهذه همسة أقولها فى آذان كل القيادات الدينية والعلمانية والعسكرية.