بقلم: نشأت المصري
كان لي صديق قديم لا أتذكره الآن ولا أريد أن أتذكره لقد فقدت صداقته وإلى الأبد, هذا الصديق كان معه نسر أو صقر أو ما شابه ذلك فكان يلبس جوانتي من الجلد ليحمي به ذراعه من المخالب الجارحة لهذا الطائر الدموي الجارح.
وفي ذلك اليوم الذي فقدت فيه صداقة هذا المتوحش الدموي, والتي مرت أحداثه بالنسبة لي كالصاعقة فقد دعاني في أحدى الأماكن الخالية ليريني طائره المدلل ليتفاخر ويتباهى به أمامي, فذهبت تلبيةً لدعوته , فأبهرني منظر النسر وقوته وسرعته فكان يدربه دائماً على الانقضاض على الفرائس وحيوانات البرية من الفئران والسحالي وخلافه, وإلى هنا كان الوضع طبيعي تماماً.
فالنسر طائر جارح وهي دي حياته وهذا هو غذاءه , ولكن في لحظة غير متوقعة أخرج صديقي حمامة من صندوق كان في سيارته, وفي لحظة أخرى قطع رأس الحمامة وهي مازالت تترنح من حدث مفاجأة القتل الوحشي حتى أطلق عليها هذا الطائر المتوحش ليقطع أوصالها ويمزقها ويأكل أشلاءها وهي ما زالت حية.
لقد أرعبني المنظر وكدت أفقد وعيي وفي لحظة أعلنت في وجهه أنه متوحش وغير آدمي ولا يعرف الرحمة.
وفي أثناء عودتي لمنزلي كنت أفكر في موقف الحمامة المسكينة وأي ذنب فعلته, فلو كان هذا الطائر صادف طريقه حمامة وأكلها وتغذى عليها لكان له مبرر لفعلته, وكان أيضاً هناك فرصة للحمامة للنجاة من مخالبه ومنقاره بواسطة غريزة المحاكاة للطبيعة والهرب من الخطر.
ولكنه أغتصب حق الحمامة في الهروب والتخفي من هذا القاتل وقدمها له مذبوحة مبتورة الرأس, حتى طريقة الذبح الشرعية الرحيمة فقدها هذا الإنسان القاتل.
ومع مرور الزمن كدت أنسى فعلة هذا المتوحش مع الحمامة واكتفيت بالبعد عنه, ولكني وأثناء متابعتي للمسلسلات الرمضانية هذا العام تذكرت مشهد الحمامة المسكينة, وربط ما حدث لها بأحداث هذه المسلسلات, ولكن ليس العيب في المسلسلات والأفلام فهي تنقل واقعنا المرير الذي يذبح فيه البريء ليقدم غذاء للقتلة والجناة, لقد أبدعت الحلقات التليفزيونية في ترجمة الواقع المرير والذي يحكي قوة النفوذ والسلطة والقسوة والخداع والمداهمة لكرامة المسكين والشريف.
• سطوة ونفوذ السلطة والتي تجند نسور السلاطين وتغذيها على أشلاء المُسَالمين من حمام هذا المجتمع.
• سطوة وقوة رجال الأعمال الذين فقدوا الرحمة وبدلاً من العطاء بسخاء مما أعطاهم الله جندوا لأنفسهم مرتزقة ( بودي جارد ) لينهبوا أموالهم ويتغذوا على أشلاء من يخالفهم أو يعاندهم.
• سطوة ونفوذ أصحاب المناصب العليا فهم يقسمون من حولهم من المرؤوسين, فمنهم من يصلح نسر ومنهم من يصلح حمامة, وتاهت الخبرة والعمل فيكون مجهود وشغل الحمامة منسوب لأكبر نسر وبلا رحمة.
• سطوة وسلطة رجالات الدين والمفروض أنهم رعاة يحكمون بين الظالم والمظلوم بكلمة الحق يجندون لهم أيضاً نسور منتشرة في كل أرجاء خدمتهم يقطعون أوصال الحمام ويتغذون على أشلائها بحجة الغيرة على زعماء الأديان ومدبريها.
• سطوة وسلطة من يستغلون الأديان في بث تعاليمهم وينسبونها لتفاسير دينهم فيبيدون ويقتلون وينهبون باسم الدين فتأكل نسورهم أشلاء الأبرياء ومن يقاومهم أو يناقضهم ينسبون له الكفر فيحلون دمه ليصبح حمامة أخرى تحت مخالب نسورهم.
• سطوة ونفوذ رب أسرة فرق بين أبناءه فهذا نسر وذاك حمامة.
• سطوة وسلطة كل ظالم يعيش ليكثر من ظلمه ويعين من يقوم بتنفيذ هذا الظلم فيسود الفساد بين نسور المجتمع ويختفي الحمام.
المجتمع أصبح الآن منقسم إلى فئات فمنهم أصحاب النفوذ والسلطة والمال ومنهم من باع نفسه ليكون مرتزقة في يد هؤلاء وباقي المجتمع في مصر حمام كلٍ منهم ينتظر دوره لتكون أشلاءه غذاء لأصحاب النفوذ ونسورهم المرتزقة.
قبل أن يختفي الحمام من مصرنا الحبيبة كفاية تغذية للنسور حتى لا تنقلب مصر لتصبح كلها نسور وفلا تجد الحمام فتأكل بعضها.