الأقباط متحدون - مصر.. ربما
أخر تحديث ٠٩:٢٦ | الاثنين ١٢ اكتوبر ٢٠١٥ | ٢ بابه ١٧٣٢ ش | العدد ٣٧١١ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

مصر.. ربما

علي سالم
علي سالم

 بالطبع أنا أعرف كل الأسئلة من نوع: مصر إلى أين؟ أما السؤال الذى أدهشنى حقاً فهو: مصر.. أين؟ وكان لابد أن أرد عليه بسؤال أشد، فكان: مصر.. ربما؟ وفى كل الأحوال الأسئلة من هذا النوع تتعامل مع مصر بوصفها مركبة فضائية سابحة فى الفضاء تنتظر من يشير عليها بخريطة طريق. غير أنه لابد من الاعتراف بأن السائل بكل هذا النوع من الأسئلة لا يشعر بالطمأنينة للطرق التى تتبعها، ويرى أنها لا توصل لشىء، ولما كانت الدنيا تعبر عن نفسها من خلال مشاهد يقوم بها بشر، فإنه بدراسة هذه المشاهد يمكن التعرف على حقيقة الأمراض التى تمر بهذا المجتمع، إنها مشاهد ليست خاصة بالبشر، بل بالبشرية، ليست خاصة بأصحابها بل تمتد لتصبح سقفاً للمجتمع ككل.

 
بعد عدة كلمات شبه غاضبة بين رئيس التحرير وعضو مهم فى مجلس التحرير، خرج رئيس التحرير إلى صالة المحررين، التى كانت مكتظة بالمحررين، وقال بصوت قوى: أيها السادة الزملاء.. تعرفون بالطبع أننى أقود معركة ضارية ضد تدخل الإدارة فى التحرير، لأنها تمثل تعدياً سافراً على جهود العاملين وشرف الصحافة. أما الآن فدعونى أقرر أمامكم بوضوح أننى لن أسمح لأصحاب رؤوس الأموال المصرية بأن يفسدوا هذه الصحيفة التى أتشرف برئاسة التحرير فيها.. اهتفوا معى: تسقط رؤوس الأموال المستبدة.. يسقط أعضاء مجلس الإدارة.. تحيا الصحافة المصرية حرة.. يسقط أى حد عاوز يضايقنا فى شغلنا.
 
مشكلة المشاريع التى قام بها رجال الأعمال فى مجال الميديا، أنه كان من المستحيل عليهم الوصول إلى أعداد من العاملين يؤمنون باقتصاد السوق، ولذلك كان من الطبيعى والمخيف أيضاً أن يكون معظمهم من المؤمنين بحتمية الحل الاشتراكى، غير أنهم عملوا جميعاً فى إطار الحرفة لتقديم صحافة جيدة، ولكنك بالطبع ستجد أنهم بشكل عام يتخذون موقفاً ضد ما يسمى برجال الأعمال، وهم على استعداد فى أى لحظة للهجوم على أصحاب رؤوس الأموال خاصة هؤلاء الذين يعملون عندهم. هكذا يعبر المشهد الذى عرضته للتو، ليس عن رئيس تحرير بعينه، بل عن طائفة بأكملها تشعر بالرعب من التحول إلى الاقتصاد الحر فى مصر وترى فيه نهايتها. فى الثقافة الاشتراكية ترحب بأن تموت من أجل الزعيم، غير أنك فى الاقتصاد الحر تكره أن يصارحك صاحب الجريدة بأنك مخطئ، لأنك تقوم - مثلاً - بتعيين عشرات الناس، بينما الجريدة ليست فى حاجة إليهم، أى كلمات خشنة من أصحاب رؤوس الأموال ستوقظ بداخلك حتماً شعورك القديم بأنك تخوض معركة ضد مصاصى دماء الأحرار والثوار والصحفيين الأبرار.
 
هذه ليست ثقافة جماعة من البشر، بل هى ثقافة مرحلة ترفض الانسحاب فى عناد، وبذلك يكون السؤال هو: ماذا بوسع مصر أن تفعل بهذا النوع من الثقافة العامة.. إلى أين يستطيع أى شعب أن يصل بهذا النوع من الأفكار فى هذه المرحلة من التاريخ.
 
هكذا يكون السؤال الواجب توجيهه إلى أنفسنا هو: من يستطيع فى مصر تغيير أفكار ساعدته طويلاً على الوجود والشهرة واللمعان؟
 
نقلاً عن «الشرق الأوسط»

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع