بقلم : يوسف سيدهم
دخول روسيا كطرف فاعل في الأزمة السورية من شأنه أن يغير الوضع علي الأرض ويدفع بتلك المحنة التي عصفت بسوريا في طريق الحل,ذلك ليس لأن روسيا تملك وحدها أوراق حل الأزمة لكن لأن التدخل الغربي…المكون من تحالف أمريكا ونحو40دولة أخري لضرب الإرهاب-لم ينجح حتي الآن عبر أكثر من عام علي تشكيله في تغيير الخريطة بل الثابت أنه أورث سوريا-ومن قبلها العراق-مأساة استفحال الصراع وتفجر الإرهاب بشكل غير مسبوق وتنامي مناطق نفوذداعش حتي قاربت علي ثلث مساحة كل من العراق وسوريا وسط ذهول الدول المجاورة والكثير من شعوب العالم,ووسط فزع يتملك الجميع من تلك القدرة الكاسحة لقوات داعش علي اجتياح مناطق جديدة وبسط نفوذها علي مدن وقري وتجمعات سكانية وفرض إرهابها وجبروتها علي كل من لم يستطع الفرار قبل انقضاضها علي المكان,هذا علاوة علي ما تتناقله الأنباء عن الممارسات الرهيبة البشعة التي ترتكبها قوات وممثلوداعشتنكيلا بالسكان وتدميرا للمتلكات والآثار في صور عرفها التاريخ الإنساني علي أيدي جحافل التتار والمغول والبربر وغيرهم ممن نشروا الرعب والهلاك أينما حلوا.
سكت-أو تقاعس- التحالف الغربي عن ضربداعش وكانت البيانات الصادرة عن حصيلة الضربات التي وجهها التحالف ضد تجمعات وحشود ومراكز قيادةداعش مخجلة ولاتتناسب مع القدرات العسكرية للتحالف,حتي أنها تركت فضاء نشطا للتكهنات والاجتهادات التي تتحدث عن استراتيجيات غربية تقف وراء خلقداعش وتمويله وإمداده بالسلاح وغض النظر عن جرائمة ومجازره وتغييره للتركيبات السكانية علي الأرض لأنه يخدم في الأصل المصالح الاستراتيجية الغربية في تفتيت دول المنطقة وتدمير شعوبها بإدخالها في صراعات عرقية وعقائدية تقضي عليها-وهو ما نجح في العراق وسوريا وليبيا واليمن لكنه فشل في مصر- والحقيقة أن تلك التكهنات والاجتهادات فرضت نفسها علي الرأي العام بفضل استمرار الإخفاق الغربي وتحالفه العسكري في القضاء عليداعش وإيقاف اجتياحه العجيب وممارساته الرهيبة التي أعادتنا إلي القرون الوسطي!!
هنا كان دخول روسيا حلبة هذا الصراع حتميا لإيقاف تلك المهازل,وطبعا تسبب ذلك في إزعاج قوي التحالف الغربي-سياسية كانت أم عسكرية-لأنه عرقل خططها واعترض استمرار قواعد اللعبة التي فرضتها علي هذا الصراع.ولم يكن ذلك خافيا علي أحد فقد تبدي جليا في التصريحات المتبادلة بين بوتين من جانب وأوباما والرؤساء الأوروبيين من جانب آخر والتي وصلت إلي درجة مقلقة من المواجهة والتحدي أدخلتها في مستوي الحرب الباردة,وهنا تدخلت أنجيلا ميركل رئيسة ألمانيا بتصريح مفاجئ هز التوازنات بين الأطراف حين نصحت أقرانها الأوروبيين بترك مؤازرة أمريكا والتفاوض مع روسيا لإيجاد مخرج سياسي للأزمة السورية.
وذلك ماتم بالفعل حيث اعترف الجميع بدخول روسيا كطرف في محاولة حل الأزمة السورية,اعترفوا أولا بأن يكون لروسيا دور سياسي ودخلوا معها في معركة شد وجذب حول بقاء أو رحيل بشار الأسد ضمن صفقات حل الأزمة,وأمام صرامة وإصرار روسيا علي بقاء الأسد بدأت تظهر المرونة والحلول الوسط,وبينما الجميع يتأهبون لترتيب مائدة المفاوضات التي ستجمع سائر القوي السياسية السورية من نظام شرعي يحكم سوريا إلي فصائل متعددة للمعارضة,باغتت روسيا الجميع وأطلقت أولي ضرباتها الجوية لتحطيم قدراتداعش وإقصائه عن أن يجلس كطرف معترف به علي مائدة المفاوضات…واستمرت ضربات روسيا بلا هوادة الأمر الذي أحرج التحالف الغربي وكشف-بل فضح-تقاعسه المخجل عن كبح جماحداعش عبر أكثر من عام.
الآن العالم يراقب كيف يتم إعادة ترتيب الأوراق وتوزيع الأدوار حول مائدة المفاوضات لحل الأزمة السورية…لكن ماذا يفكر السوريون أنفسهم في مصير بلادهم وكيف يرون ماحدث ومايحدث وماسيحدث فيها؟…إن الأمر شديد التعقيد حيث تتباين الآراء بين مؤيد ومعارض للأسد,وبين مبرئ ومدين للمعارضة السورية المسلحة,وبين قابل ومتوجس بشأن محاولات أسلمة هذا الصراع,وبين توزيع الاتهامات حول التطهير العرقي والعقائدي للمسيحيين في سوريا ومن يقف وراءه ويموله ويؤججه في هذا البلد الذي لم يعرف نعرة التعصب الديني في تاريخه…إن الخوض في كل ذلك يكشف حقائق خطيرة أخطر ما فيها لنا نحن المصريين أنها تعيد علي ذاكرتنا شريطا طويلا من تاريخنا المعاصر عشناه من عام 1952 إلي عام2013 وتلك قصة يطول شرحها!!