مينا ملاك عازر
توقفنا في المقال الماضي عند معركة صغرى خاضها ووزير خارجيتنا الأسبق محمد الزيات مع وزير خارجية أمريكا الأسبق الثعلب هنري كيسنجر حسمها كيسنجر بكلام يبدو لأي متروي ومتأني أنه قد حكم الحكم الذي تستحقه أمريكا ومعها إسرائيل.
قلت أنني في هذا المقال أنتوي أن أعرض فصول أخرى للحرب الدبلوماسية التي خاضتها مصر ضد العدو الإسرائيلي ومن ورائه الأمريكي حتى استطاعت أن تضع الولايات المتحدة في وضع المضطر لأن يقوم بدور يتمم فيه عملية سلام شريف، مصلحة مصر فيه مقدرة ومصانة، ومن معارك الحرب الدبلوماسية معركة أخرى هاتفية بين كيسنجر والزيات كان الأخير يُخبر فيها الأول بأن مصر ترد على عدوان إسرائيلي وكان الرد من الجانب الأمريكي أنه يتمنى أن يكن الرد المصري محدود في استهانة واضحة تماماً بالرد المصري، وتعبير عن ثقة بعدم قدرة المصريين في الإتيان برد عنيف موجع للإسرائيليين.
ولكن أتى المصريون بما لم يتوقعه الأمريكيون والإسرائيليون على أرض المعركة، فانقلبت الأوضاع لمدة طويلة في أمريكا، وبفضل مراسلات دبلوماسية رائعة قام بها الرئيس الراحل الشهيد محمد أنور السادات ومستشاره للأمن القومي محمد حافظ إسماعيل تم تحييد الآلة العسكرية الأمريكية لمدة طويلة بل تم تأخير تدخلها لمدة كانت كافية لإتمام نصر حاسم على أرض المعركة، بل أنه عندما حدثت الثغرة قامت البرقيات الدبلوماسية المصرية بمفعول الساحر في تقليص دور الجسر الجوي الحربي الأمريكي الداعم لإسرائيل، وعندما تفاقم الموقف وبات من الضروري إصدار قرار لوقف إطلاق النار لعب حافظ إسماعيل دور كبير في إجبار كيسنجر على دفع الإسرائيليين لاحترام القرار الصادر بوقف إطلاق النار الذي سبق لكيسنجر أن حض الإسرائيليين على كسر احترامه وانتهاكه، ومحاولة احتلال السويس لولا مقاومة باسلة من الجيش المصري ومن الشعب الرائع العظيم.
أخذ المصريون يقاتلون دبلوماسياً في كل الأصعدة حتى استصدروا قرارين آخرين لوقف إطلاق النار برقمي 339، 340 حتى تم تنفيذهم على أرض الواقع، والتزام الإسرائيليين بالقرارين نزولاً على انتصارات دبلوماسية مؤازرة ساندهم فيها جيش قوي عسكرياً أدى ملاحم وبطولات رائعة على أرض المعركة كانت تعطي القدرة للمفاوض المصري للتفاوض وإتمام اتفاقيات ناجزة تقدم لهم الأرض وتعيد لهم كل حبة رمل من الرمال المصرية.
وبقى أن أبرز المعارك الدبلوماسية في تلك الآونة تلك المعركة التي خاضها وزير خارجيتنا إسماعيل فهمي مع كيسنجر في الولايات المتحدة الأمريكية والتي تطلبت منه أن يلتقي بالرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في المكتب البيضاوي، حينها قدمت مصر خطة احترمها الأمريكيون وكادوا أن يتبنوها لولا الإعلان عنها فلم يستطيعوا أن يضعوا اسمهم عليها ويقدموها للإسرائيليين لكن في كل الأحوال نجحت الدبلوماسية المصرية في إجبار العالم وعلى رأسهم الأمريكيين على احترام المفاوض المصري حتى أن نيكسون بنفسه خرج لتوصيل فهمي لسيارته بعد اللقاء سالف الإشارة إليه.
آخر القول، في مسألة الحرب الدبلوماسية هذه المرة أن الحديث عن الدبلوماسية المصرية لا يكفيها مقالتين فكما لا يكفي القوات المسلحة المصرية القليل من الكلمات للتعبير عن امتناننا بما قدمته، هكذا أيضاً رجال خارجيتنا لا يكفيهم القليل من الكلمات، وأدعو الله أن يعطني الفرصة مرة أخرى لأستفيض لحضرتك في المزيد من المعارك الدبلوماسية التي خضناها.