بقلم : نانا جاورجيوس
لماذا إتجهت أنظار عرب الجزيرة إلى ليبيا بترقب وبصمت مطبق و مُخزي، خصوصاً مملكة الشر لبني وهاب؟ وصمتهم على ما يُمارس ضد الشعب الليبي، وترقب للموقف المصري و ردَّة فعل الجيش المصري على كل حدث يأتينا غرباً من هجمات داعشية. حاولت داعش بعناصر من حماس وبيت المقدس قبل أيام تأسيس «ولاية داعش بصعيد مصر» بمركز ديروط والقوصية بأسيوط . تسللوا للداخل عبر واحة جغبوب الليبية بأسلحتهم الثقيلة. فقام الجيش بتصفية العشرات منهم وأحبط المخطط .
والسؤال لماذا لم يتحالف العرب مع نداءات مصر للقضاء على معقل داعش في ليبيا كما تحالفت مصر مع السعودية لضرب حوثييِّ اليمن، رغم ان خطر داعش أكبر ألف مرة من خطر الحوثيين إللي قتلت السعودية في سبيلهم أكثر من أربعة آلاف يمني، منهم أكثر من ألف طفل، ولم تقضِ على الحوثيين بل على مستقبل شعب فقير و حطمت وطن بأكمله وشردت الآلاف من أشقاء العروبة؟!
و الغريبة هو إعتراض العرب خصوصاً مملكة الشر الوهابية، على ضربات مصر الجوية لليبيا رداً على مذابح المصريين هناك، و أعتبرتها تدخل في الشأن الليبي رغم التنسيق التام بين الجيش المصري والحكومة الليبية !.
السعودية سخَّرت كل إمكانياتها المادية لدعم داعش في كل بلدان الإنقسامات المتناحرة«دول الحريق العربي» في العراق و اليمن و سوريا و كانت السبب في إغتيالهم للقذافي في ليبيا. أما مصر تضغط عليها كل مرة لتفتح معابرها وبوابات الجحيم للغزاوية وهي تعلم أن كل تنظيمات التطرف الفلسطيني يعبرون ويعششون بأوكار و بؤر بسيناء لتنتشر تدريجياً في باقي المحافظات، حماس و القسام وجبهة النصرة و القاعدة و داعش، تحت مسمى« تنظيم ولاية سيناء» حتى زحفوا بتفجيراتهم اليوم لقلب القاهرة.
تنظيم داعش الليبي وهو المعقل الثاني للبغدادي وتدعمهم السعودية وهي تعلم أنهم يشكلون أكبر تهديدٍ يطوقون به مصر غرباً لخنقها.
- عملية القتل الخطأ وملابسات حادث السياح المكسيكيين بالصحراء الغربية بمنطقة محظورة والإشتباه بهم من قبل القوات المسلحة، جاءت قبل إسبوعين من عملية تصفيتهم لعناصر داعش من حماس والقسام. ورغم أنه قتل جاء بطريق الخطأ إلا أنه رد الفعل الطبيعي في مثل هذه الظروف، ولكنه كشف عن نشاط داعش بصعيد مصر و لفت الإنتباه لوجود معسكر لتدريب عناصرهم الإرهابية بهذه المنطقة بالصحراء الغربية والتي تتوسط محافظات الصعيد وظهور سيارات الدفع الرباعي الداعشية. فهذه المنطقة مجتمع قبلي لبدو قبائل العرب، علاوة على إكتظاظها بالكثاقة القبطية في جبل ديروط والقوصية وأسيوط وسوهاج حتى المنيا، فهي المنطقة التي تحمل الهوية المصرية والتراث المصري والقبطي وتلاحم مسلميها وأقباطها. وتنتشر على حوافها أيضاً قبائل البدو التي لها إمتداد طبيعي لقبائل سيناء و فلسطين وقبائل ليبيا وتحمل الطابع القبلي المنغلق والمشابه للمجتمع السيناوي، فهي المناطق الحدودية التي دخلت من خلالها ترسانة الذخيرة الثقيلة منذ ثورة يناير 2011 عبر الحدود الليبية ومنها كان يتم تسليح التنظيمات الإرهابية على الحدود السودانية وترسل شحناتها لسيناء و غزة لتنفيذ الهجمات الإرهابية التي شهدتها سيناء ومحافظات القنال، فالمناطق الصحراوية بصعيد مصر مهملة تنموياً وأمنيا ويطحن الفقر سكانها، كما أن المحافظات نفسها مركز نشاط الإخوان بنفس فكر الإسلام الراديكالي الذي يحتضن فكرة الجهاد الداعشي منذ أيام رئيسهم المؤمن السادات وإتهامه للإقباط بأنهم يريدون إقامة دولة قبطية عاصمتها أسيوط، وأنه سيفني الوجود القبطي ويحولهم لشحاتين و« ماسحي الأحذية» !.
وجماعة الإخوان المسلمين بالصعيد خصوصا المنيا وسوهاج وأسيوط وقنا هي أكثر المحافظات التي إنتخبت مرسي وأيدت حكم «الإخوان الوهابيون» وهي المحافظات التي شهدت أكثر ممارسات الإخوان عنفاً ودموية وأكبر ممارساتهم الإجرامية للإخوان وأذنابهم ضد الأقباط من فرض للجزية، لهدم كنائسهم لعمليات الخطف المنظمة لأغنياء الصعيد وخطف بناتهم و رجالهم حد تواطؤ أفراد من الأمن أحياناً .
حتى أن الإرهابي أيمن الظواهري وبعد أن ضمت داعش تنظيم القاعدة تحت لوائها وفي تصريح له في بداية هذا العام، قال: «ذبح الأقباط من إهتماماتي ولكن ليس الآن»، فمسألة الأقباط وتصفيتهم بالنسبة لقيادات تنظيمات الإرهاب مجرد مسألة وقت. وجهادهم المقدس ضد مسيحي العراق وسوريا يريدون تكراره بتصفية أقباط مصر! ولو نظرنا لأهداف الجماعات الإسلامية الإخوانية والسلفية سنجدها نفسه نظرة «الصهيونية» لأقباط مصر والذين يرون فيهم أنهم العقبة الحقيقية أمام مخطط تقسيم مصر والمنطقة و التي تتبناها الصهيونية الماسونية العالمية بذراعيها« الداعشي السلفي- الإخواني».
فمحافظات الصعيد« أسيوط، قنا، سوهاج، المنيا» تعني للسعودية «أقباط مصر وتراثها وهويتها الفرعونية والمصرية الأصيلة» مما جعلهم ضد تحقيق أهداف آل وهابية ويشكلون درعاً واقياً وحصناً ضد مخططتهم بنسيجه المتآلف والمتغلغل بمحافظات الصعيد، ما يعتبرونه تحدي حقيقي وجب معه تقليص الوجود القبطي لأجل تمدد مشروعهم السلفي الوهابي، خصوصاً أنها المحافظات التي تقاب الضفة المقابلة لهم من البحر الأحمر،ذاك المعبر الملاحي والذي يأتي ويذهب من خلاله حجاج مصر عبر مواني البحر الأحمر جنوباً والتي تواجه محافظات الصعيد، فالطريق الطبيعي لداعش وذخيرتهم لدخول محافظات الصعيد هو الصحراء الغربية عبر الحدود الليبية. بالإضافة للتحكم السلفي المبطن بصعيد مصر خصوصاً سلفيو المنيا وأسيوط الذين يشعلون الأوضاع بحرق الكنائس المتكررة تارة وهدم منازل الأقباط ونهب ممتلكاتهم تارة أخرى وأحيانا تهجيرهم قسرياً بتواطؤ أمني مخزي بالصمت وممارسات التعتيم، فشريحة ليست صغيرة من مجتمع الصعيد هم دواعش أصوليين تم تجنيدهم لخدمة المشروع الوهابي الجهادي .
و للأسف لا نتعلم الدرس من الأحداث والتاريخ والمواقف ولا نعلم أن ما يمارس جزئياً من إرهاب تنطلق منه شرارته الصغيرة ضد الوطن اليوم هو نفسه الذي يمكن تصعيده ليحرق الوطن غداً لمن لهم المصلحة في إشعال الوطن كما يحدث يسوريا والعراق. ومصر يتغلل فيها الإرهاب كل يوم أكثر. ومصر تدعم السعودية و تورطت في عاصفة الحزم لأجل المصالح السياسية المشتركة فإصطبغنا دولة وشعباً بالصبغة السلفية الوهابية التي نجح آل سعود في الترويج لها وتمرير مناهجها الأصولية وفتاويها وفقهها المتشدد وهيمنتهم على مؤسسة الأزهر منهجاً وفكراً وشيوخاً، وعلى وسائل الإعلام المصرية وقنواتها الدينية بالإضافة لدعوات السفير السعودي بمصر لرؤساء تحرير الصحف الخاصة والقومية وإعلامييّ مصر للحج على نفقة السعودية خصوصاً بعد أن جاء وزير الثقافة المصري الجديد حلمي النمنم مناهضاً للفكر الوهابي مما جعلهم يشنون هجومهم عليه، فوزير ثقافة مصر يعني لهم تغيير فكر مجتمعه وتوعية ثقافته وهو ماتخشاه السعودية لأنه سيهدم ولو جزئياً ما بنته ومولته على مدار عقود طويلة من فكر متطرف لشريحة كبيرة من المجتمع المصري.
أصبح من الضروري تجفيف منابع الإرهاب الوهابي الداعشي، والتي أصبح معها ضرورة تخفيف العلاقات الدبلوماسية لمملكة الإرهاب. والبديل هو مساندة النظام السوري الذي كشف لنا أنها لم تكن ثورات بقدر أنها تمزيق الأوطان لتوزيع ثرواتها على كل دواعش المنطقة العربية. لهذا وجب إعادة العلاقات الدبلوماسية السورية ومساندة الشعب السوري في محنته، تلك العلاقة التي قطعها الإخوان وبالتالي تكون وجهة مصر هو التحالف الروسي الذي يشن حربه الآن على داعش سوريا ويقضي عليهم أسرع من التحالف الأمريكي المتواطئ مع تنظيم داعش وكل الدول العربية التي تمولهم واولها مملكة الوهابية.بهذا سنجفف منابع الإرهاب الداخلي والخارجي نسبياً وسنمسح الصبغة الوهابية التي إصطبغ بها العقل الجمعي للمصريين، سياسة وشعباً ومعها سنخلع ثوب البداوة وثقافة الجاهلية وندوس على ريالات السُحت النفطية التي سلبتنا إنسانيتنا ومسحت هوية فكرنا المصري !
فكلما ضيَّقت داعش الخناق وتكتَّلت على مصر شرقاً و غرباً، ستظل دائرة الإرتباك السياسي ترتفع وتيرتها وتفضي لدائرة مغلقة وتوتر للأحداث السياسية والإرهابية في هذا المربع « مصر؛ السعودية؛ ليبيا ؛اليمن». فاليمن بسبب باب المندب وقناة السويس الملاحية والذي سيكون حجتها لتوريط مصر في حروب اليمن مقابل أن ترد مصر للسعودية ريالاتها المدفوعة مقدماً. أما ليبيا ففتكوا بالقذافي لتصير المعقل الثاني للبغدادي لقلقلة غرب وجنوب مصر وإستنزاف قوتها الإستراتيجية وتفكيك التركيبة الشعبية والتلاحم التاريخي بين مسلمي و أقباط محافظات الصعيد الذي يشتعل إثر كل حدث سياسي كبير يحدث. لتطوق أجهزة المخابرات الداعشية لقلب الوطن و مصر هي قلب هذا الوطن لموقعها الإستراتيجي ولجيشها الصامد الذي هو العقبة الوحيدة بالمنطقة أمام مخططاتهم بعد تفكيك الجيش العراقي وإختراق الجيش السوري. وكما قال الرئيس السيسي بأحد خطاباته أن مصر تواجه أقوى تنظيم سري في العالم.و كنت أعلم جيدا أن هذا ما سيحدث، وأنتم تعلمون أننا سنواجه إرهاباً من كل مكان في العالم.