بقلم : محمود بسيوني
هل كان ظهور داعش صدفة ؟..قطعا لا!
داعش او تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام او دولة الخلافة الاسلامية الجديدة هي المحصلة النهائية لخطاب ديني ومشروع سياسي مستديم ومستمر وقائم منذ انهيار الخلافة العثمانية وظهور تنظيم الاخوان المسلمين الذى ورث افكار وتعاليم محمد ابن عبد الوهاب المتشددة التي اجهز عليها الجيش المصري عام 1816 ، ويمكن تلخيص هذه الرحلة في جملتين "الجاهلية" او غياب الاسلام وتحكيم شرع الله ..ومن اجلها تراق الدماء منذ ظهور الاسلام وحتى اللحظة الحالية وستسمر .
نحن امام تجلى للمشروع الإسلامي ووصله الى منتهاه بتأسيس الخلافة فعليا بمعنى ان يصبح لدى المجاهدين ارض وحدود وموارد وجيش وادارات محلية وقضاء يحكم بما يرون انه شرع الله وخليفة يدعى ابو بكر البغدادي و اصبح له اتباع يدينون له بالولاء في اربعة انحاء الكرة الارضية ..معنى ذلك ان مشروع الاخوان وباقي التيارات الاسلامية قد انتهى بظهور الخليفة وهو الامر الذى تطور الى صراع دموي بين كل هذه التنظيمات نراه الان جليا على الساحة السورية في عمليات الذبح المتبادل بين جبهة النصر وجيش الفتح من جهة وداعش من جهة اخرى .
قد تستغرب من انضمام المئات أو الالاف الى داعش ، والامر بسيط يكفى ان تحضر خطبه من خطب الجمعة او درسا للدين في احدى المدارس او تقرأ على شبكات الانترنت ان الاسلام هو الدين الذى يجب ان يحكم العالم !..واننا الافضل ..واننا نعانى بسبب بعدنا عن شرع الله ! ..وان كل ما نعيش فيه هو جاهلية ..وان الفرار لله بالجهاد هو الحل ..وان الجنة ملكية خاصة لنا تنتظرنا فيها اجمل النساء ، بهذا الخطاب البسيط وبعض المظاهر مثل النقاب والذقن تبدأ الرحلة الى المجهول الذى يتساوى فيه الغنى والفقير ..الجاهل والمتعلم ..التطرف للجميع .
الغريب والمريب ان اغلب الدراسات والابحاث الى تتناول ظاهرة العنف والتطرف في الشرق الاوسط تركن الى استسهال مريع يرتكز على ارجاع الظاهرة الى غياب الديمقراطية والقمع السياسي وانتشار الفقر والجهل ، او بمعنى ادق غياب مشاركة المتطرفين في العملية السياسية والتنموية ، وراهنوا على ان الحريات واطلاقها بما فيها حرية هؤلاء في العمل يمكنها ان تكون الحل ، و هذه النظرة للأسف الشديد كانت هي الغالبة في رؤية مراكز الدراسات والأبحاث الامريكية والاوروبية التي وضعت تصورات الاصلاح السياسي للشرق الاوسط في ما بعد ثورات الربيع العربي مستلهمة النمط التركي الاردوغانى ..الذى اثبتت الايام انه نظام متطرف قمعي يتجمل ببعض الرتوش العلمانية .
يمكن ان ترى الحقيقة في تونس بعد ازاحة الاسلاميين عبر انتخابات ديمقراطية ، فعلى الرغم من عدم الاقصاء او الملاحقة الامنية لهذه العناصر المتطرفة وغياب القبضة الامنية الحديدية التي كانت موجودة في حكم الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن على الا ان ظاهرة التطرف والارهاب امتدت وتطورت حتى شاهدنا جريمة سوسة التي راح ضحيتها 38 سائحا ، كل جريمتهم ارتداء "البكينى " على شاطئ البحر وهو ما لم يعجب داعش تونس .
داعش عايشه حوالينا وجوانا ..تلك حقيقه ..وتفسيرها ممكن تلاقيه ببساطة في قصة محمد عطا المتهم في احداث 11 سبتمبر وهو شاب مصري سافر للخارج لدراسة الهندسة المعمارية في المانيا ثم جندته القاعدة لتنفيذ الهجمات على الولايات المتحدة ..كيف تحول هذا الشاب من مهندس له مستقبل لا يعانى القمع او التهميش او الفقر الى إرهابي عتيد وقبله الطبيب ايمن الظواهري ابن الاسرة الغنية وقبلة سيد قطب منظر التكفيرين لنصل الى سيف الدين زرقى منفذ عملية سوسة وراقص البريك دانس وهى نفس افكار شباب العمليات النوعية في جماعة الاخوان المسلمين الذين يرون ان العنف هو سبيلهم لإعادة الجماعة للحكم بعد ان انتزعها المصريين منهم في ثورة 30 يونيو ، وهم السيطرة على العالم الذى يبدو انه اضاء داخل هؤلاء وحولهم من اناس اسوياء الى ارهابيين يقودون السيارات المتفجرة ويستحلون دماء الابرياء .
بدون تغيير الخطاب الديني ومناهج اعداد الدعاة ..لا امل ..بدون تعظيم مبادئ التسامح والرحمة وقبول الاخر في الاسلام ..لا امل ..بدون القضاء على الاسلام السياسي فكريا وامنيا سنظل ندور في الحلقة المفرغة الى الابد .