عندما كتبت عن خطأ رؤية هلال ذى الحجة الذى أوقعنا فى حيص بيص وأوقعنا فى حيرة هل وقفة عرفات كانت فى توقيت خاطئ؟!، وهل نحن عيّدنا بعد العيد الحقيقى؟!، أسئلة شائكة وحيرة كنا فى غنى عنها نتيجة إصرار المسؤولين فى السعودية على ممارسة هذا السلوك العشوائى اللاعلمى وفرضه على العالم الإسلامى كله، وصلتنى ردود كثيرة ملخصها استنكار اعتراضى واتهامى بالنمكية والتطرف فى استخدام العلم وتعظيم إمكانياته، بحيث إننى لم أختلف عن متطرفى الإسلام السياسى، البعض قال ما تسيب الناس تفرح برؤية الهلال وينتظروا المفتى فى لهفة،
اترك الناس فى انتظار المفاجأة الجميلة والفرحة المباغتة، ليه بتضيقوها على المسلمين وعايزينهم يمشوا بالورقة والقلم والحسابات الفلكية والمعادلات الرياضية الخانقة، اتركوهم لمشاعرهم الدينية الجياشة الفياضة؟!، والسؤال هل الفرحة لا تنفع ولا تُجدى ولا تؤتى ثمارها إلا بإهانة ومرمطة العلم؟!، القضية ليست قضية هلال ذى الحجة أو رمضان أو شوال وانتظارنا للمفتى مساء أمام التليفزيون، لكى نعرف الخبر اليقين وإذاعة أغنية عبدالمطلب أهلاً رمضان أو ليلى مراد يا رايحين للنبى الغالى، لكنها قضية احترام كلمة العلم، واحترام العقل، وعدم الخضوع للتفسيرات الحرفية للنصوص، وجعل الفكر رحباً ومرناً أمام تغيرات الدنيا وتطورات الكون، القضية ليست قضية نتيجة حائط هجرية دقيقة فقط، لكنها قضية اتباع نظام وعدم عشوائية، فمن لا يعرف هل غداً رمضان أم لا، يتبرمج عقله على تفكير الصدفة والعشوائية وكراهية العلم، ذلك لأن العلم يحاول أن يفهم ظواهر الكون التى كان قبلها يفسرها بقانون الصدفة أو يحيلها ويلصقها بقوى خارجية، بل يتعدى العلم محاولة فهم هذه الظواهر إلى محاولة التحكم فيها وتسييرها لصالح الإنسان، فقد كان يخاف من الرياح ويجعلها إلهاً، ثم عندما فهمها تحكم فيها واستفاد منها ولم يستسلم إليها، من يستطيع أن يحدد إجازته بعد شهر ويحجز تذكرته بناءً على الشهر الميلادى هو إنسان محدد التفكير، لكن من يقول لك أنا لا أستطيع حجز التذكرة، لأننى لا أعرف ميعاد العيد هو إنسان محدود التفكير، لن يستطيع الانطلاق إلى حدود الحلم وشواطئ التقدم، مواعيد طائرات وحجز فيزا وتذاكر مباريات ومسارح ومواعيد إجازات.... إلى آخر كل هذه الأنشطة يعرفها المواطنون فى بلاد الدنيا قبلها بسنة وبالدقيقة والثانية، لكن يعرفها طبقاً لنتيجة الحائط المعتمدة على التقويم الجريجورى وليس التقويم الهجرى، البعض غاضب لأننا نحن المسلمين لا نستخدم التقويم الهجرى ويتهموننا بإهدار الهوية وفقدانها، ولكن أيها الغاضبون، قفوا مع أنفسكم لمجرد دقائق واعترفوا بأن تقويمكم الهجرى بهذه الطريقة العشوائية لا يمكن الاعتماد عليه فى أى نشاط اقتصادى أو اجتماعى أو إنسانى عادى، لابد أن تسألوا أنفسكم هل هو تاريخ هجرى أم هجرة من التاريخ؟، عندما تقررون الهجرة من التاريخ والحضارة سيلفظكم التاريخ وتخاصمكم الحضارة.