الأقباط متحدون - المسيحيىة و العلمانية
أخر تحديث ٠٨:٤٢ | الخميس ١ اكتوبر ٢٠١٥ | ٢١ توت ١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٠٠ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

المسيحيىة و العلمانية

بقلم /القس ايمن لويس
 أستضافتى قناة العقل الحر ، منذ اكثر من شهر لأتحدث عن موقف المسيحية من العلمانية . وفى العدد الماضى كتب الزميل الفاضل بالجريدة الاستاذ / رفعت عوض الله مقاله المعتاد بعنوان (موقف العلمانية من الدين ) . واظن ان ما سوف اقول لن يخرج عن ما قاله الزميل من حيث المضمون ، وان كان حديث الزميل تناول موقف العلمانية من الدين . لكن ما اود ان اخص به انا الحديث هو موقف المسيحية على وجة التحديد من العلمانية .. لاننى الاحظ ان مجتمعنا اعتاد على وضع الدين بصيغة العموم فى خانة واحدة ويكون فى الغالب هو ان يتم الحديث عن وجهة نظر الدين من ناحية النظرة الاسلامية ، وهذا خطأ كبير فلكل رسالة دينية خصوصية خاصة والثقافة المسيحية تبعد اميالا لا تحصى عن الثقافة الاسلامية نصا وفكرا ومنهجا واسلوب وسلوكا . وجدير بالذكر ان المسيحية بحسب الاعلان الانجيلى ، رحلة ايمان وليست ديانة تحكمها نظم عبادية وشعائر وحلال وحرام وشريعة .

عودة لصلب الموضوع ، ان مشكلة العلمانية هو ما تم ترويجة فى المجتمع من تعريف مغلوط بفعل فاعل عن العلمانية ، وهو عبارة عن تشهير بغرض إساءة السمعة ليكون تعريف العلمانية هو الانحلال والفجور والتأمر على الدين !!؟ فى استغلال لجهل وفقر غالبية المجتمع بالثقافة العامة وسيادة النعرة الدينية حتى درجة الهلوسة والسعار . وعندما نتحدث عن الدين هنا لا نتحدث فى المطلق بل على الدين الاسلامى على وجه الخصوص .

ان العلمانية بكل بساطة هى . فصل الدين عن الدولة والحكم .. أى فصل المؤسسات الدينية عن السلطة والسياسة . وعلية يتم تجريد الادارة السياسية للدولة من اى صبغة أو انحياز دينى بالمطلق ، او اجبار احد على اعتناق دين معين او معتقد معين ، ولا يكون النظام مناصرا لدين على حساب باقى المعتقدات . بل على الدولة والنظام ان يكونا مكفلين بحماية اى فرد وضمان حصانته وحقه فى ان يختار اى عقيدة او معتقد دون اى تهديد . أذا فما تم ترويجه عن ان العلمانية هى الالحاد او اللادينية او انها بدعة الغرب المسيحى المتأمر على الدين الاسلامى والدولة الاسلامية وفق عقيدتهم المسيحية !! . ما هو الا اكاذيب ومغالطات مقصودة لضمان استمرار الهيمنة الدينية على نظم الدول الاسلامية . فالعلمانية ليست دين ولا عقيدة دينية لكنها مبدأ وفلسفة لنظام ادارة السياسة لضمان الحيادية وحماية حقوق وحرية الافراد والحفاظ على تعدد الثقافات .

ان منبت ومنشأ العلمانية يرجعه البعض مع ظهور الفلسفة اليونانية القديمة مثل ابيقور ، كما كانت أيضا الدولة الرومانية دولة مؤسسات ولا تتدخل فى المعتقد الدينى الا اذا اثار اصحاب معتقد ما القلاقل بما يهدد السلام الاجتماعى (مثل ظهور الجماعات اليهودية الجهادية المتطرفة) . الا ان بلورة الفكر العلمانى بدء فعليا من عصر التنوير الاوربى (توماس جيفرسون وفولتير) وغيرهم . ومن ثم بدأ تفسير الظواهر الطبيعية والنظام الكونى بمعزل عن الدين . كما اشارت بعض المراجع ان كلمة علمانية مصدرها فى الاصل يونانى تعنى (عامة الشعب) ثم تحدد معناها فى عصر الاصلاح الدينى بأوربا ، انها عكس كلمة الاكليروس (حكم الطبقة الدينية) . كما ذهب البعض ان اصلها يرجع السامية السريانية تعريفا لكل ما هو ينتمى الى (العالم المادى او الدنيوى) وهذه جميعها هى شرح وتعريف العلمانية . ومنها كان صياغة الموسوعة البريطانية للعلمانية Secularism .. انها حركة أجتماعية تتجه نحو الأهتمام بالشؤن الدنيوية من منظور العلم بعيد عن الالتزام بالامور الدينية او الروحية والاخراوية (يلاحظ هنا اننى عنيت بأبراز معنى ومفهوم العلمانية وليس تحليل الكلمة لغويا) . وكان اول ظهور للعلمانية كممارسة سياسية فى القرن الثالث عش فى اوربا للفصل بين السلطة الزمنية والروحية (الكنيسة) – والمطالبة بأستقلال الملك عن الكنيسة وانهاء صراع الباباوات وبخاصة فى فرنسا . وبعد قرنين من الصراع العنيف حدث الصلح بين المفكرين وعلماء اللاهوت ولاسيما ان انخراط الكنيسة فى السياسة كان بمخالفة بالاعلان الانجيلى . وتم الاقتناع بأن فصل السلطة عن الدين هو الاساس وهو الاصح . ودء العودة للاصل الذى قبلة المسيح فى وجوده على الارض وهو ( ان ادارة الدول من رجال السياسة من خلال القوانين الوضعية هى الاساس ، وما الالتزام بالوصايا الروحية الا انها مسؤلية شخصية تختص بعلاقة الانسان بالله وهى لا تتعارض مع النظم الارضية ولا تسبب اى اضطرابات اجتماعية ) .

ان الفصل بين الدين والدولة وصياغة المصالحة بينهما وعدم الأصطدام والتوافق هو الابداع المعجزى الذى قدمة العهد الجديد لتكون رسالة الايمان المسيحى ليست فى عداوة مع النظم الارضية والادارات السياسة . والان نقدم نماذج من النصوص المسيحية التى تؤكد ان العلمانية ليست فى تعارض منهج الايمان المسيحى .
•    اعلان الرب يسوع : مملكتى ليست من هذا العالم . لو كانت ممكلكتى من هذا العالم ، لكان خدامى يجاهدون لكى لا اسلم إلى اليهود ، ولكن الان مملكتى ليست من هنا يو36:18 .
•    اتظن أنى لا أستطيع الأن أن أطلب إلى أبى فيقدم لى أكثر من أثنى عشر جيشاً من الملائكة !!؟ مت53:26 .
•    لمن هذه الصورة والكتابة ؟ قالوا له : "لقيصر" . فقال لهم : "أعطوا أذا ما لقيصر لقيصر وما لله لله " مت22 :20 ، 21 .
•    13 أخضعوا لكل سلطة بشرية إرضاء للرب . 14اخضعوا للملك ، الذى هو السلطة العليا ، وللحكام الذين يرسلهم لمعاقبة الأشرار ، ولمدح فاعلى الخير . 1بط2 الترجمة العربية المبسطة .
•    ينبغى ان يخضع كل شخص للسلطات الحاكمة ، فما من سلطة إلا وهى من الله . والحكام الموجودون معنيون من الله .2 إذا من يعادى السلطات ، فإنه يعادى ما رتبه الله . ومن يعادى ما رتبه الله ، فإنه يأتى بدينونة على نفسه . 3 فالحاكم لا يشكل تهديداً لمن يفعل الخير ، بل لمن يفعل الشر . فإذا أردت ألا تخاف منه ،افعل ما هو صالح ، وستنال منه المدح . 4 فهو خادم الله العامل لمصلحتك . لكن إذا فعلت الشر ، فمن الطبيعى أن تخاف ، لأنه لا يحمل سيف السلطه عبثا ! فهو خادم الله الذى يعاقب فاعلى الشر نتيجه لغضب الله عليهم . 5 لذلك ينبغى أن يخضع لهم ، لا خوفا من غضب الله وعقابه فحسب ، بل من اجل راحة الضمير أيضا . 6 وهذا ما يدعوكم إلى دفع الضرائب . فالحكام هم خدام الله ، وهم منشغلون بتنفيذ هذه الأمور . 7أعطوا كل صاحب حق حقه . أدفعوا الضرائب لمن يجمعون الضرائب ، والرسوم لمن يستوفون الرسوم ، وقدموا المهابه لمن يستحقونها . وأظهرزا الاكرام لمن يليق به رو13 .الترجمة العربية المبسطة .
•    كن مراضيا سريعا ما دمت معه فى الطريق ، لئلا يسلمك الخصم إلى الشرطى فتلقى فى السجن مت5:5 . (احترام دولة المؤسسات السلطه التنفيذية والسلطة التشريعية) .
•    مقاومة الرب يسوع طمع التلاميذ فى المناصب الارضية والسلطة السياسية الحاكمة : وكانت بينهم أيضا مشاجرة ، من منهم يظن أنه يكون أكبر ؟ لو24:22 (صراع الحصول على الخلافة والمناصب) .
•    طلب الوساطة واستخدام العلاقة العائلية فى تحقيق الاطماع للحصول على المناصب السياسية !! . حينئذ تقدمت إليه أم أبنى زبدى مع أبنيها وسجدت وطلبت منه شيئاً !!؟ فقال لها : ماذا تريدين ؟ قالت له : أن يجلس أبناى هذا ، واحد عن يمينك والأخر عن اليسار فى ملكوتك .. فلما سمع العشرة أغتاظوا من أجل الأخوين مت20 :20 -24 .
•    حسم يسوع لأفكارهم المغلوطة عن مفهوم الملكوت انه روحى ولس سياسى ارضى . فدعاهم يسوع وقال : أنتم تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونهم والعظماء يتسلطون عليهم . فلا يكون فيكم هكذا . مت20 : 24 – 26 .

من هذه النقاط التسع يتضح الفكر اللاهوتى للايمان المسيحى الذى يؤكد ان المسيحية شئ والنظم السياسية الارضية شئ ، وان الامور الروحية مستقله عن الامور الأرضية . وأن ممارسة الايمان قضية شخصية هى من اجل الضمير مع الرب ، وان فصل الدين عن الدولة التى تنادى به العلمانية ليس امرا مستحدث بل هو قديم قامت به الامبراطورية الرومانية فى عهد المسيح . ولان المسيحية تحترم حرية الاعتقاد الشخصى والحقوق الشخصية وتفصل بين الدين والدولة وليس بينها وبين العلم عداوة وتؤمن بالتعددية الثقافية ونصوصها تكفل التعايش مع الاخر والمختلف والانظمة السياسية غير الدينية . فليس بيننا وبين العلمانية كمسيحيين اى مشكلة وليس بين المسيحية والفلسفة العلمانية كنظام سياسى اى اختلاف .. وعندما يتحدث اصحاب الديانة التى لديها مشاكل مع اى نظام سياسى اخر يخلف عقيدتهم ، عليهم ان لا يتحدثوا عن الاديان بالمطلق فلسنا على مسافة واحدة من القضاية المجتمعية فمنظورنا مختلف فى كافة الامور والقيم والعقائد كبعد المشرق عن المغرب .


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter