بعض المثقفين لا يرى في الكاتب المسرحي المصري الكبير الراحل، سوى أنه رمز التطبيع مع إسرائيل، يجردونه من كل ما قدمه لملايين العرب، وللثقافة العربية، من أعمال أصبحت خالدة. ولا نريد أن نجردهم من حقهم في انتقاده وانتقاد من لا يحبون، لكن المرفوض هو إرهاب المثقفين بسبب مواقفهم السياسية، بتخوينهم وعزلهم ومحاربتهم، هي أكثر من حالة تعبير، وأكثر من مجرد رأي مضاد.
يتجاهل هؤلاء تاريخه وإنتاجه، ويسعون فقط للتشهير به بسبب خلافهم السياسي معه. وفي النهاية، التاريخ هو الحكم، سيتذكره وسينساهم. علي سالم من الشخصيات الرائعة التي أضافت إلى الفن والثقافة وحتى في السياسة. وهجومهم عليه فشل في إسكاته، فشلوا في ثنيه والتراجع عن مواقفه، بخلاف بعض الفنانين والروائيين، الذين لم يحتملوا الهجمة وقرروا «التوبة».
وعدد مِن مَن شنوا الحملات عليه في حياته وبعد مماته، هم من المنافقين الذين ينتمون لدوائر لها علاقات سياسية وإعلامية وثيقة بإسرائيل،
وبعضهم من عرب إسرائيل الذين تحولوا نحو الشعبوية ومحاولة استرضاء فئات من الجمهور. وما تبقّى هم من الإسلاميين، من فئة الإخوان، التي لو طال بها الحكم لكانت أكثر واقعية من الرئيس المصري أنور السادات، الذي أنجز حربًا وسلمًا أكثر مما حققه مدعو القومية والإسلامية.
لم يتزحزح عن موقفه، كمثقف وصاحب رأي، عن مفهوم أن العلاقة مع الإسرائيليين، لا تعني أبدًا التخلي عن حقوق الفلسطينيين ومساندتهم، ونحن رأينا كيف أن القوى الثورية العربية تستخدم القضية الفلسطينية لأغراض أخرى، أضرّت بحقوق الفلسطينيين على مدى عقود. وعدد من نقاده في نفس معسكرات نظام الأسد و«حزب الله»، إلى جانب فلول اليسار، وإسلاميي إيران، مثل «حماس». هؤلاء ظهروا على حقيقتهم في ثورات الربيع العربي، فكانوا في صف القتل والتشريد والظلم. على أية حال، علي سالم مواطن مصري مارس حقه وفق الاتفاقيات الموقعة، وهو الأمر الذي لم يجرب، حتى الرئيس المخلوع محمد مرسي، تحديه أو تغييره، بل أكد على احترامه على اتفاقية كامب ديفيد الموقعة مع إسرائيل.
وعندما يرمي هؤلاء المثقفون الإساءات على شخصية مثل علي سالم في حياته وبعد مماته، يكشفون عن زيفهم، يعجزون عن احترام أبسط حقوق الإنسان المثقف؛ حقه في التعبير عن رأيه وممارسته.
ترك لنا الراحل أعمالاً ستخلده أبدًا، أكثر من عشرين عملاً مسرحيًا لا تزال مهيمنة على الساحة، وبالتالي ليس في حاجة إلى شهادة مخالفيه. وكنت قد سألته مرة ونحن على الغداء عن رأيه في زملائه الذين انقلبوا على مواقفهم، وكانوا في نفس الخط السياسي الانفتاحي، قال، أنت تعرف أن الظروف صعبة، ووجدوا من الأسهل عليهم مسايرة التيار الغوغائي، بدلاً من الاستمرار في مواجهته. وعن نفسه، كان يتحدث عن رغبته في الهجرة إلى تركيا، رغم تحفظه على مواقفها السياسية. فالمصريون بقي عندهم حنين قديم لزمن كانت تركيا قبلة الساسة والمثقفين.
* نقلا عن "الشرق الأوسط"