د. عبدالخالق حسين
من النكات السوداء التي نستلمها عبر الإيميل، واحدة تقول: "أوقفت بارجة حربية بريطانية أربعة مسلمين في قارب صغير يجدفون نحو الساحل البريطاني. فصاح بهم الربان في مكبرة الصوت: "إلى أين انتم ذاهبون؟" أجاب أحدهم: "نريد أن نغزو إنكلترا !" فانفجر طاقم البارجة بالضحك، وبعد التوقف عن الضحك، سألهم الربان هازئاً: " وبأربعة أشخاص تريدون غزو إنكلترا؟"، فأجاب المسلم: "كلا، نحن الأربعة، الدفعة الأخيرة، وقد وصل قبلنا ستة ملاين إلى هناك".
قد تبدو هذه مزحة، ولكن هذا هو الواقع المضحك المبكي والمزري الذي يهدد الغرب بالغزو الإسلامي التدريجي عن طريق الهجرة المليونية من البلاد الإسلامية، وتحت مختلف الأسباب والذرائع. والملاحظ أن الحكومات العربية التي أحالت حياة شعوبها إلى جحيم لا يطاق، وأرغمت الملايين بالهجرة وقبول مخاطر الغرق لتتحول إلى طعام للأسماك من أجل الوصول إلى سواحل أوربا، بلاد "الكفار". هذه الحكومات، وخاصة مثلث الشر (السعودية وقطر وتركيا) المسؤولة عن هذه المأساة، تنصلت عن مسؤولياتها، ورفضت قبول أي لاجئ في بلدانها. وبدلاً من الاعتراف بأن هذه الجماهير هربت من إرهاب المنظمات الإرهابية التي أوجدتها حكومات محور الشر وبدعم ومباركة من أمريكا، تنشر في وسائل إعلامها أنهم هربوا من حكومة بشار الأسد، وتواصل دعمها للإرهاب.
والأسوأ والأنكى، أن السعودية التي رفضت قبول أي لاجئ سوري، تبرعت ببناء 200 مسجد لهم في ألمانيا. جاء هذا في تقرير موثق بقلم الصحفي الأمريكي دانيال غرينفيلد (Daniel Greenfield) نشرته صحيفة (Front Image) الإلكترونية الأمريكية، يتحدث فيه عن خبث ولؤم النظام السعودي. أنقله بإيجاز وتصرف، ليطلع القراء على وجهة نظر الغربيين في موجة نزوح اللاجئين المسلمين ومآسيهم، جاء فيه:
((المملكة العربية السعودية لا تسمح ببناء كنائس في بلادها، ولكنها تمول ببذخ لبناء المساجد في بلاد الكفار، و لا تقبل اللاجئين السوريين، رغم أنهم إخوانهم في الدين، ولكنها تعهدت أن تبني لهم 200 مسجد في ألمانيا. انها كريمة !... ان الطريقة الصحيحة الوحيدة لأوروبا أن ترد بالمثل على هذا الكرم، هي أن ترسل مليون من مثيري الشغب من عشاق كرة القدم (Soccer hooligans)، إلى السعودية لتعليمهم خطورة تحطيم البلاد والإساءة لأي مواطن يصادفهم)).
ويستدرك الكاتب قائلاً: (( بالطبع السعوديون ليسوا أغبياء إلى هذا الحد ليقبلوا بهذا العرض. ولا حتى مثيري الشغب يجلبون معهم النساء والأطفال ليجعلوا منهم دروعاً بشرية لإثارة المشاعر والعواطف متجهين نحو بلدان يحملون لها الحقد والكراهية،... الغربيون هم الوحيدون أغبياء بما فيه الكفاية ليسقطوا في هذا الفخ.... لقد لعبت المساجد السعودية دورا رئيسيا في صعود الإرهاب الإسلامي في الغرب. فتصور وصول ما يقرب المليون مهاجر، وبناء هذا العدد من المساجد في ألمانيا، ماذا ستكون النتيجة؟... ربما الخليفة القادم للدولة الإسلامية، وهو يقطع رؤوس بعض الكفار المحليين، سيصيح الله أكبر بلكنة ألمانية. وربما ستكون هامبورغ هي مركز الدولة الإسلامية... القلة من الناس يسألون أنفسهم لماذا السعودية على استعداد لبناء 200 مسجد لهؤلاء " اللاجئين اليائسين الفقراء"، ولكنها ترفض قبول أي منهم في بلادها؟... انه نفس الجواب على السؤال: لماذا يدعي الكثير من المسلمين أنهم يهتمون بـ"الفلسطينيين" إلى حد الإبادة الجماعية، ولكنهم يرفضون إيواء أي فلسطيني ومنحهم الجنسية؟))
ويستنتج الكاتب: ((هؤلاء ليسوا لاجئين، بل هم جيوش... لا تأخذ الجواب مني، بل خذه من اردوغان، الرجل الأكثر شعبية بين المسلمين الألمان مما هو بين شعبه المظلوم. فهذه قصيدة لشاعر إسلامي تركي سجنته حكومة تركيا العلمانية سابقا، قبل أن تصبح القصيدة نشيداً يتردد في المآذن والتي تقول: "المساجد ثكناتنا، والقباب خوذنا، والمآذن حرابنا، والمؤمنون المخلصون جنودنا" ... المملكة العربية السعودية عرضت فقط لبناء 200 ثكنة لـ 800000 جندي لغزو ألمانيا.))(1).
مرة أخرى نسأل: هل حقاً الدول الغربية، وبإمكانياتها العظيمة في جميع المجالات: العلمية، والتكنولوجية، والسياسية، والاستخباراتية والإعلامية وغيرها، تجهل ما تقوم به دول مثلث الشر (السعودية وقطر وتركيا)، من دور في صنع وتمويل المنظمات الإرهابية؟ الجواب: كلا وألف كلا. فحتى عندما تبدو لنا أمريكا بريئة، وأنها تبذل كل ما في وسعها لمحاربة داعش وغيرها، وأن دول مثلث الشر تضحك على أمريكا، فهذا بحد ذاته ضحك على الذقون. لقد بات واضحاً لدى كل ذي عقل سليم أن داعش، وغيرها من التنظيمات الإرهابية هي من صنع حليفات أمريكا وبمباركة منها، وحتى بأوامرها. وهي طريقة جديدة في إخضاع الحكومات التي ترفض الخضوع الكلي لإرادة الدولة العظمى، فبدلاً من أن ترسل أمريكا جيوشها لشن الحروب بشكل مباشر، تستخدم تنظيمات الإرهاب لهذا الغرض. وهذا ما يسمى بالجيل الرابع من الحروب (Fourth Generation Warfare) كما جاء في كتاب (آفاق العالم الأمريكي) للباحث الإماراتي الدكتور جمال سند السويدي(2)، ولا أحد يستطيع أن يتهم المؤلف بمعاداة الغرب، فالكتاب كله ترويج لأمريكا، ولكنه كباحث أكاديمي ومنهجي، ذكر الحقيقة، فصنَّف الحروب إلى أربعة أجيال حسب المراحل التاريخية، وآخرها الجيل الرابع فيقول:
"وبصفة عامة تبدو حروب الجيل الرابع مشتتة وليست مركزة في جبهات قتال محددة، تذوب فيها الفروق بين الحرب والسلام. ولا تكون ذات توجه معين بحيث لا يمكن التعرف على جبهات القتال ومعالمها. وتختفي في ظلها التفرقة بين "المدني" و"العسكري". ويتم القيام بالعمليات على التوازي في كل أعماق العدو، بما في ذلك ثقافة مجتمعه وليس بُنيته المادية الملموسة فقط. ويتم فيها استخدام التقنية، لكون العمليات النفسية هي السائدة كسلاح عملياتي واستراتيجي، ويتم استخدام فايروسات الحاسوب لإحداث اضطراب بين المدنيين والعسكريين. ويتم التركيز على دعم الجمهور للعسكريين، تصبح الأخبار على القنوات التلفزيونية سلاحاً أقوى من الفيالق المدرعة، وبالتالي، يتحول التركيز من مقدمة العدو، أي جيوشه، إلى ساحته الخلفية، أي المجتمع. كذلك تتضمن النظرية استخدام الإرهابيين في هذه الحروب، ليكونوا جزءً من مزيج الإرهاب والتقنية المتقدمة، وعناصر أخرى مثل الدين والأيديولوجيا، والهجوم من الداخل على ثقافة المجتمع، كعناصر تنتج صراعات من الجيل الرابع". (ص 563-4)
لقد تطرقنا إلى دور أمريكا في خلق داعش لأغراضها في مقال لنا بعنوان: (هل داعش صناعة أمريكية؟)(3). و ربما يسأل البعض، وهل أمريكا وحلفائها يتآمرون على أنفسهم، ويجلبون مشاكل اللجوء بالملايين لبلدانهم؟ الجواب: أن هذه المشاكل هي من (العواقب غير المقصودةunintended consequences). إذ كما يقول ماركس: "يصنع الناس تاريخهم بأنفسهم وبوعي، ولكن النتائج تأتي على غير ما يرغبون." فأمريكا والدول الغربية، استخدموا السعودية في تشكيل منظمات الجهاديين الإسلاميين في أفغانستان ومنها القاعدة، وطالبان، وبالمال الخليجي، والعقيدة الوهابية، لطرد الاتحاد السوفيتي من أفغانستان وإسقاط النظام الشيوعي فيها. وقد تم لهم ذلك، ولكن من عواقبها غير المقصودة كانت كارثة 11 سبتمبر 2001، وغيرها من الكوارث الإرهابية على أوربا وأمريكا والعالم. ونفس الكلام ينطبق اليوم على داعش وأحرار الشام وجبهة النصرة وغيرها، فهي تنفذ ما يراد منها من تحطيم العراق وسوريا وليبيا ومصر ولصالح إسرائيل، ولكن في نفس الوقت خلقت مشكلة الهجرة المليونية نحو الغرب.
هذا الكلام ليس من باب نظرية المؤامرة، كما يعتقد البعض، بل حقائق اعترف بها حتى المسؤولون الأمريكيون. قلنا مراراً أنه يجب التمييز بين المؤامرة التي هي من صلب السياسة، و(نظرية المؤامرة) التي يراد بها تعليق غسيل التخلف العربي على شماعة الآخرين، وإبعاد التهمة عن المؤامرات الحقيقية في خلق مشاكل المنطقة. وهاهي أمريكا تبشر أنه لا يمكن القضاء على داعش بسنة أو سنتين، بل ربما إلى خمسين سنة!!! ولكنها في نفس الوقت تعارض أية جهة تساهم بجدية في محاربة داعش، مثل الحشد الشعبي في العراق، والدعم العسكري الروسي لسوريا، وهذا دليل على أن أمريكا تحتاج هذه التنظيمات الإرهابية لاستنزاف الطاقات البشرية والمادية والعسكرية لدول الشرق الأوسط، ولتبقى إسرائيل الدولة العظمى الوحيدة في المنطقة. فلو أرادت أمريكا حقاً القضاء على الإرهاب في المنطقة لاستطاعت تحقيق ذلك بمجرد توجيه أمر إلى حكام دول مثلث الشر بإيقاف الدعم عن هذه المنظمات الإرهابية لأنتهى كل شيء، ولكنها لا تريد ذلك بل تريد إبقاء الإرهاب للأسباب آنفة الذكر.
فالكل يعترف بتآمر (CIA)، في إسقاط حكومات وطنية مثل حكومة محمد مصدق في إيران، وحكومة الزعيم عبدالكريم قاسم في العراق، وسوكارنو في إندونيسيا وغيرها كثير. ألم تكن هذه مؤامرت؟
يؤسفني أن أقول أن الذي لا يميز بين المؤامرة الحقيقية ونظرية المؤامرة، فهو مثل الملك السعودي سلمان الذي لا يميز بين الرخاء والاستخراء (شاهد الفيدو رقم 4 في الهمش).
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- Daniel Greenfield: Saudi Arabia won’t take any Syrian refugees, but offers to build 200 mosques for them in Germany
http://www.frontpagemag.com/point/260080/saudi-arabia-offers-build-200-mosques-syrians-daniel-greenfield
2- عبدالخالق حسين: قراءة في كتاب: آفاق العصر الأمريكي -السيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=695
3- د.عبدالخالق حسين: هل داعش صناعة أمريكية؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=711
4- تقرير متلفز: الملك سلمان: مملكة آل سعود للإستخراء
https://www.youtube.com/watch?v=9LCkWhciP3A