بقلم منير بشاى
كنت افضل عدم الدخول فى هذا الموضوع فى الوقت الحاضر. ولكن تكررت الاشارة اليه فى عدة مناسبات، ومن كتاب ومعلقين بعضهم اصدقاء اقدرهم كثيرا. والكلام الذى ما يزال يتردد ان داعش صناعة امريكا. وقد حاولت التعليق على ما كان يكتب ولكن المساحة المتاحة لم تكن كافية. امام ذلك اضطررت الى ان اعد بتخصيص مقال كامل للموضوع. واتمنى ان من لديهم مشاعر مسبقة فى هذا الموضوع يضعونها جانبا لبضع دقائق ويفكروا فيما ساقول.
من صنع داعش؟ دعونى اليوم اخرج على قواعد الكتابة واقدم الجواب مقدما وبدون لف او دوران. ان من صنع داعش هو ايدلوجية دينية متطرفة، ولوم امريكا هو مجرد (تلكيك).
القول ان امريكا هى التى صنعت داعش لا دليل له الا الاستناد لنظرية المؤامرة والتى تفترض دائما ان امريكا هى الشيطان الاكبر تحركها اغراض شريرة تعملها اما بدون سبب لمجرد ارضاء نزواتها الشريرة او لصالح اسرائيل او لاسباب اخرى غير معروفة.
ومع نظرية المؤامرة يقدمون ما يعتبرونه ظواهر تؤيد ظنونهم. من هذه قولهم ان امريكا هى التى مدت داعش بالسلاح والمال والتدريب والتاييد المعنوى. وهم فى هذا يخلطون بين تاييد الولايات المتحدة للمجاهدين الاسلاميين الذين كانوا يحاربون الاتحاد السوفييتى قبل ثلاثين عاما (1979- 1989) عندما التقت مصالح الطرفين. هذا مع ان شهر العسل لم يدم طويلا فبعدها انقلب الاسلاميون على امريكا وحطموا برجى مركز التجارة العالمى سنة 2001 وقبل ذلك حاولوا عمل نفس الشىء سنة 1993 بنتائج محدودة وادى هذا الى القبض على الشيخ المصرى الضرير عمر عبد الرحمن الأب الروحى للاخوان وهو محبوس الان فى السجن الفيدرالى بامريكا.
الكلام عن ان امريكا هى التى تمد داعش بالمال والسلاح لا اساس له من الصحة. نعم هناك اسلحة امريكية فى ايديهم ولكن لم تمدهم بها امريكا. هذه الاسلحة وضعوا ايديهم عليها عندما غذوا اجزاء من العراق وفر الجيش العراقى من امامهم تاركا مخازن السلاح لتستولى عليها داعش.
اما عن تاييد امريكا للاخوان فى مصر فليس دليلا على ان امريكا هى التى صنعتهم ولكن يمكن ان يقال انها كانت تريد ترويضهم. ولا ننسى ان الشعب المصرى هو الذى وضعهم فى الحكم عن طريق الانتخابات. ومن الطبيعى ان تسعى امريكا الى عمل اتصالات مع الاطراف التى وصلت للحكم اذا قدموا ضمانات انهم قد نبذوا العنف وتبنوا الديمقراطية وتعهدوا باحترام المعاهدات والعهود. طبعا من الممكن ان نتهم امريكا بالسذاجة لانها صدقتهم ولكن ان نتهمها بانها ضليعة معهم لتخريب مصر فهذا لا اساس له. هذا خاصة ان سلامة مصر تخدم مصالح امريكا. وامريكا كانت وما تزال تمول مصر بالمعدات العسكرية كجزء من المعونة الامريكية بغرض هزيمة الارهاب، الذى هو داعش.
والادعاء الذى يتردد بان داعش حليفة امريكا واسرائيل، بدليل انها لم تتعرض لاى من الدولتين، هذا الادعاء كاذب. بالنسبة لاسرائيل فان هدف الاسلاميين الاساسى سيظل هو القضاء على اسرائيل. ولكن ليتحقق لهم النصر عليهم اولا غذو الدول العربية وضمها الى مشروع الخلافة الذى عندما يتحقق فان تحرير فلسطين والقضاء على اسرائيل سيكون هدفهم النهائى.
اما حكاية الود المزعوم بين داعش وامريكا فهو اكبر اكذوبة. هل تصنع دولة جماعة لكى تهدد مصالحها وتفجر سفاراتها وتذبح ابنائها؟ من الرهائن الامريكيين الذين قتلتهم (أو ذبحتهم) جماعة داعش هناك على الاقل اربعة كانت آخرهم عاملة الاغاثة كايلا ميولر (26 سنة) التى احتجزها زعيم داعش ابو بكر البغدادى لتكون محظيته الخاصة قبل قتلها. وقبلها كان الصحفيين الامريكيين جيمس فولى (40 سنة) وستيفن سوتوف (31 سنة) وبيتر كاسنج (26 سنة). اما العمليات الارهابية ضد امريكا فهى اكثر من ان نتناولها فى هذا المقال وقد احصيت عدد 31 عملية ارهابية كبيرة قتل فيها مئات الامريكيين فى العالم على ايدى جماعات التطرف الاسلامية منذ سنة 2000 فقط. هذا غير احداث 11 سبتمبر 2001 التى حطموا فيها برجى التجارة العالمى فى نيويورك وقتلوا حوالى 3000.
ومنذ ايام وفى 15 سبتمبر 2015 نشر تنظيم داعش فيديو توعد فيه بشن هجمات ضد الولايات المتحدة على غرار هجمات 11 سبتمبر 2001 وفى الفيديو قالت داعش ان افرادها عائدون الى امريكا "ومعهم سيرسلوا سيارات مليئة بالمتفجرات والانتحاريين". (وليست سيارات مليئة بالزهور والهدايا!)
والود المفقود متبادل من الجانب الامريكى. فامريكا تشن غارات جوية ضد داعش على مدار الساعة وتقتل من داعش وقادتها العدد الكثير. ومن بين من قتلتهم امريكا مؤخرا فى 18 اغسطس حاج معتز ومن معه وهو الرجل الثانى فى تنظيم داعش. نعم هى اعمال صغيرة وبطيئة وقد لمنا امريكا على ذلك كثيرا. ولكن هل هناك من المنتقدين لأمريكا من وجه اللوم الى الدول العربية والاسلامية على عدم الاكتراث بما تفعله داعش؟ وهل امريكا وحدها المسئولة عن ان ترسل ابنائها ليموتوا فى حرب قام بها عرب ضد عرب ولا يريد العرب محاربتهم او نقدهم او حتى تكفيرهم؟
هل معاملات امريكا مع داعش هى معاملة الاصدقاء؟ هل من يصنع تنظيما لخدمة مصالحه فجأة ينقلب عليه ويحاربه وتراق الدماء بين الطرفين ؟ واضح ان المنطق والعقل لا يؤيدان هذا الكلام. ولكن عندما تظهر نظرية المؤامرة يغيب العقل ويبنى الانسان استنتاجاته على أوهام.
ولكن من الغريب ان قليلين لا ينتبهون الى ان هذه الجماعة وغيرها من الارهابيين هم نتاج قناعات دينية متطرفة. كل افكارهم وممارساتهم مبنية على ايدلوجية دينية اصولية مترسخة فى اذهانهم تعود الى ما قبل ظهور امريكا بنحو الف عام. وقد ابتدأت تقوى بعد سقوط الخلافة وهدف هذه الجماعات الاسمى هو اعادة الخلافة وهزيمة العالم كله بما فيه الغرب وامريكا.
هل من قبيل الصدفة ان بن لادن فى خطابه بعد عملية 911 قد اشار الى هزيمة المسلمين فى اسبانيا التى تسببت فى ضياع الاندلس؟ ما دخل ضياع الاندلس بتحطيم البرجين الامريكيين؟ بالنسبة لبن لادن وداعش لا توجد فوارق بين غير المسلمين ولا توجد فواصل زمنية او حدود جغرافية بينهم. امريكا لا تختلف عن الغرب او عن الاقليات المسيحية التى تذبحها داعش كل يوم. الكل كفار والكل صليبيين والكل اعداء والكل مسئولون عن ما حدث فى اسبانيا والكل يجب محاربتهم وقتالهم وقتلهم.
Mounir.bishay@sbcglobal.net