من التصادمات التى عاشتها البشرية، اصطدام قنبلة نووية سُميت «الولد الصغير» بأرض هيروشيما اليابانية، مخلفة وراءها سبعين ألف قتيل وعدداً مماثلاً من الجرحى فى اللحظات الأولى. وكذلك اصطدام رأس «ولد صغير» بالأرض عقب سقوطه من على سريره. ومن العجيب أن الحالة الثانية من الاصطدام تخلع معها القلوب عند تخيلها، فيما تبقى الحالة الأولى أمراً ممكناً وعادياً وله منطق مقبول لدى البعض!!
من الناحية الفيزيائية، إذا تلامس جسمان فقد تصادما، وقد يكون هذا التصادم مرناً (مثل اصطدام كرة القدم بعارضة المرمى) أو غير مرن (مثل اصطدام سيارتين ببعضهما). ومن الناحية الاجتماعية، الصدام من ضروريات الحياة، ويحدث على كل المستويات. أخطر التصادمات هى التى تحدث بين الدين والحياة، والغلبة ستكون دوماً للحياة، وبالتالى فعلى الدين استيعاب تطورات الحياة ومقتضياتها لأن الأخيرة لا تستوعب أحداً، هى تتقدم فى طريقها دون محطات توقف.
الأفراد أيضاً يتصادمون حين تتقاطع طرقهم معاً، والمؤسسات كذلك تصطدم فيما يُعرف بـ«المنافسة»، والمجتمعات ككل تتصادم بعدة أشكال؛ فطبقات المجتمع تحتك معاً يومياً فيما نسميه «الصراع الطبقى»، ويحدث ذلك حين ترتطم قمة إحدى الطبقات بقاع الطبقة التى تعلوها لنحصل على نتائج تتضمن كل الاحتمالات؛ فقد يذوب جزء من إحدى الطبقتين فى الأخرى، أو قد تنشأ طبقة وسيطة بصفات مشتركة بين الاثنتين. وطبقات المجتمع ككل تصطدم بالطبقة الحاكمة، ولو كان هذا الاصطدام مرناً لنتج عنه «إصلاح» يتجه من الأعلى إلى الأسفل (من نظام الحكم إلى الشعب)، أما لو كان الاصطدام غير مرن فتنتج عنه «ثورة» تأخذ الاتجاه العكسى.
بعض المجتمعات تتطور سريعاً بينما تظل مجتمعات أخرى «محلك سر»، والسبب يأتى من علم الكيمياء ويقدمه لنا العالمان «ويليام لويس» و«ماكس تراوتز» فى نظريتهما للتصادم، وهى تفسر لنا سبب تباين سرعات التفاعلات الكيميائية المختلفة، وقد أثبتا أن سرعــة أى تفاعــل تعتمد على عاملين هما: عدد التصادمــات خــلال الفترة الزمنية، وهذا مفهوم، وأيضاً عدد التصــادمات الفعالة، وهى تلك التصادمات التى تُنتج مادة جديدة (ما يحدث من ملاسنات إعلامية مثلاً هى ليست تصادمات بل مماحكات لا قيمة لها ولن تفيد). أهم اصطدام لتتقدم الشعوب هو اصطدام المستنير فى كل عصر ظلامى بالحائط بقسوة، وحتى إن تضرر هو فإنه يترك بالجدار شرخاً يعمل عليه من بعده لإسقاطه ليشع النور، هكذا تتقدم الشعوب.
نقلا عن المصرى اليوم