في الأسطورة الإغريقية القديمة يوجد وحش هائل الحجم على هيئة «أبو الهول» يتخذ موقعًا خارج مدينة طيبة اليونانية ويلقي أسئلة على المسافرين إليها والخارجين منها. ومن يعجز منهم عن تقديم الإجابة الصحيحة يأكله الوحش.
أما في حالة أن تكون الإجابة صحيحة، يهلك الوحش. حول سوفوكليس هذه الأسطورة إلى مسرحية هي «أوديب ملكًا». كُتّاب كثيرون تناولوا أحداث المسرحية في صياغات مختلفة، ومنهم كاتب هذه السطور الذي نقل أحداثها من طيبة اليونان إلى طيبة مصر، الأقصر، في مسرحية «انت اللي قتلت الوحش»، وذلك منذ نصف قرن تقريبًا، وكان آخر عرض لها في لندن بالإنجليزية في مهرجان «شباك» (Shobak) الصيف قبل الماضي.
أجدادنا لم يبدعوا لنا الأساطير لكي نتسلى بها، بل لتكون علامات مرور إرشادية على طريق البشر. ما يهمني في هذه الأسطورة، إلى جانب أشياء كثيرة، هو فكرة «السؤال»، ثم حكاية أن يفقد الإنسان حياته عندما يعجز عن معرفة الإجابة.
فهل هذه الفكرة تشير إلى واقع في الحياة؟ ألا تستطيع أن ترى معي أن الهدف الحقيقي هنا هو إقناع البشر بأن المعرفة معادلة للروح.. وأنه بغير المعرفة، معرفة الإجابة عن السؤال المطروح عليك، فلن يصبح لك وجود.. ستضيع.. ستأكلك الوحوش؟!
لنصعد على سلم الفهم درجة أخرى.. كل مدينة، كل حضارة، كل نظام حكم مهما كانت درجة عدالته واستقراره، يوجد بالقرب منه وحش أو وحوش يلقون على حكام وشعب هذه المدينة أسئلة تأخذ شكل الألغاز. ونتيجة الاختبار معروفة.
في كل امتحان توجد أسئلة اختيارية. أما في الدنيا فكل الأسئلة إجبارية تستلزم أن تجيب عنها. هنا نكتشف بعدًا جديدًا في الأسطورة.. ليست القوة في طرح الأسئلة، بل في القدرة على مواجهتها بقوة الإجابة، وهو ما يحتم الاطلاع على التاريخ والمرور على الأسئلة المطروحة فيه وفهمها جيدًا.
وفي كل الأحوال ليس مسموحًا لك بالانسحاب أو تفادي الأسئلة أو تأجيل الإجابة عنها لحين ميسرة. قواعد اللعبة باتت معروفة لك.. أن تعرف الإجابة عن الأسئلة التي ستطرح عليك أو أن تجلس في بيتكم مستمتعًا بجهلك وعجزك.
الدنيا تطرح عليك سؤالا في كل لحظة، في الحرب وفي السلام، في الزراعة، في التعليم، في الصحة، في علاقتك بجيرانك، في علاقتك بأعدائك.. ليس من حقك أن تغضب أو تنسحب.. أجب عن السؤال من فضلك.
ali.salemplaywright@yahoo.com
نقلا عن الشرق الاوسط