hadarat.ahram.org.eg | الاثنين ١٤ سبتمبر ٢٠١٥ -
٠٨:
٠٥ م +02:00 EET
صورة أرشيفية
يقول (آتم إن) :"كنت وحيدًا وساكنًا فى قلب النون حيث لم يكن ثمة مكان لوقوفى أو لجلوسى ..لم تكن هليوبوليس مدينتى قد أسست بعد ..ولم يكن عرشى بعد قد صنع ولم أكن بعد قد خلقت (نوت)، ذلك المجمع الإلهى الذى كان مايزال فى داخلي..كنت أحلق ساكنا وكأنى "العدم".
ثم يقول النون أو "العدم"لآتم إن": تنشق ابنتى(مآت) وأرفعها إليك مستنشقًا لكى يحيا قلبها ولتكن ابنتك مآت وابنك الحياة معا واحدا".وكان أن خلقت نفسي بنفسي كما أردت فكنت ذلك الأزل (رآ)الخارج من النون أو "العدم" وسيد النور.
وكان اليوم الأول حيث جسٌد آتم ..رآ الثنائي الإلهى الاله شو والإلهة تفنون ...ثم ينجبان جب ونوت ثم ينجب جب ونوت إيزيس وأوزيريس وست ونفتيس وقد كان الثنائيان متكاملين، بذلك تكتمل الألوهة المصرية وقد صارت تساعية متقاسمة بالمناصفة بين ذكور وإناث ..تلك ببساطة هى صورة الكون عند المصري القديم وتصوره لدور المرأة والأنثى، وهو تصور المشارك المنادد المناصف ويُبرز التاريخ المصري القديم بحكاياته وملكاته ذلك بوضوح.
كما بدأت الأنثى المصرية كإلهة تتقاسم الخلق مع الآلهة الذكور ولها ما لها من مكانة التقديس والعبادة، كما كانت المرأة المصرية أيضا ملكة أو "فرعونة "، ولم يكن مستهجنًا عند المصري القديم أن تحكمه "فرعونة"، ولم يكن هذا الأمر نادرًا، فقد حكمت عشرات إن لم تكن أكثر من "الفرعونات".
وكان الدم الملكى - وتحدده الشرعية الإلهية- هو معيار الحكم، وقد فضل المصريون القدماء أن تحكمهم "فرعونة" ذات دماء ملكية على ذكر من عامة الشعب ليس ابنًا للآلهة. وقد كان الجوهر الإلهى ينتقل من الزوج الملك لزوجته فيؤهلها ذلك للحكم كما فى حالة نفرتيتي وإخناتون. فيما تولت الأميرة حتشبسوت الحكم خلفاً لأبيها تحتمس الأول، كما اضطلعت ابنتها نفرو بجميع شئون الحكم كولية للعهد ووريثة للملك .
كان معيار اختيار ملك انتسابه لأم ذات دماء ملكية فقد كان المجتمع المصري "أمومى" فالأطفال ينتسبون للأم لا الأب، كما كانت القوامة للمرأة على زوجها وكان الرجل يتعهد فى عقد الزواج بطاعة المرأة فى جميع الأمور، كما كان قدماء المصريين يعتقدون باكتمال الأنثى عن الذكر، وكمالها وتفوقها عليه.
كانت الصفات الأنثوية مفضلة فى مصر القديمة على تلك الذكورية لأنها ترمز للخصب والعطاء والتضحية، لذا فقد جعل الفنان المصري عند نحته لتماثيل الفراعين أثداء صغيرة تشبه ثدى الأنثى ويلاحظ ذلك جليًا فى تماثيل ملوك كل من الأسرة الثانية عشرة، والثامنة عشرة.
عملت المرأة المصرية قديمًا فى أغلب المجالات مشاركة لزوجها أو أخيها أو منفردة فى تجارة أو زراعة أو صنع للحلى والنسيج، كما عملت ككاهنة وطبيبة وراقصة ومغنية وعازفة وكاتبة وطبيبة مثل(بثت) التى حملت لقب كبيرة الطبيبات خلال عهد الأسرة الرابعة.
اعتبر المصرى المساواة بين الجنسين شئ فطرى وطبيعى، وعكسه هو المضاد للطبيعة المعاكس لمنطق الأمور. وكانت الزوجة داخل بيتها هى ربته وحاكمته،بل ترث ميراثًا مساويًا للرجل. كما كانت تلتحق بالتعليم لتدرس العلوم والآداب والرياضيات واللغة كتابة وقراءة حيث انقسمت لغة المصري القديم إلي قسمين: لغة كتابة وهى الهيروغليفيىة، ولغة هيراطيقية دارجة للتحدث بها. كما كانت الطالبة تمنح الجوائز وتستطيع التخصص فى أى مجال علمى تريده دون تفرقة بينها وبين زميلها.
كان العصر الذهبي للمرأة المصرية القديمة، هو العصر الحديث حيث حكمت مايزيد عن ستين ملكة، وحيث أصبحت مصر إمبراطورية قوية وانتهت مركزية الحكم الذى ميز الدولة القديمة.
المصري القديم والمصرية القديمة.. ثنائية فطرية وظاهرة مجتمعية عبقرية الوجود، وبينما كانت المرأة الرومانية والإغريقية تُمتلك كسلعة أو عبدة .. من حق الأب أو الأخ أو الزوج بيعها فى السوق.. كان المصري القديم يطلق على إبنته أجمل الأسماء ،ويناديها بأرقى النداءات وينشد فيها الشعر معجباً بفطنتها وكمال عقلها.
ومن االقصائد ما نجده يمدح فيها المحب محبوبته قائلًا:
ذات الفضائل الساطعة والبشرة الناصعة ذات النظرة الصريحة
والشفاه التى تنطق فى عذوبة فلا تخرج من بينها كلمة واحدة تجاوز المطلوب..
.إنها جميلة الخطو حين تمس قدماها الأرض،
إنها تغمر بالسعادة كل من تلقي إليه بالتحية
ونختتم تلك العذوبة بالحكمة التى كانت عماد حضارتنا بقول الحكيم سنب–حتب لابنه:
"إذا أردت الله فأحب شريكة حياتك،
اعتن بها تعتن ببيتك،
وإذا أسعدت بيتك أسعدت نفسك .
. قربها إلي قلبك فقد جعلها الإله توأماً لروحك".
ثم ينهى كلامه بعد كثير من النصح لابنه موصيًا إياه بحفظ النعمة (الزوجة) التى دعى الإله كثيرًا ليرزقه بها، شاكرًا الإله لحفظ تلك النعمة.