الأقباط متحدون - «عدن».. المدينة الجميلة التى تحولت إلى «خرابة»
أخر تحديث ٠٥:٣٠ | الاربعاء ٩ سبتمبر ٢٠١٥ | ٤نسى ١٧٣١ ش | العدد ٣٦٧٨السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

«عدن».. المدينة الجميلة التى تحولت إلى «خرابة»

أحد شوارع «عدن» بعد أن تحول إلى «خرابة»
أحد شوارع «عدن» بعد أن تحول إلى «خرابة»

 وقف حسين موتى أمام ركام منزل متهدم بشارع الهيثمى بحى كريتر بوسط عدن يقرأ الفاتحة فى هدوء: «هنا كان يسكن جيرانى، رفعت جثثهم بنفسى بعدما دمر القصف المنزل وراحت أسرة جارى أبومحمد بكاملها»، صمت الرجل لحظات يبتلع ريقه، ويكمل تمتمته بآيات الله راجياً الرحمة لجيرانه، انسالت دمعة وحيدة على وجه الرجل الأربعينى، مسحها وانصرف فى صمت.

 
أطلال وركام وألغام فى الشوارع.. وأحياء خالية من السكان.. وبقايا منازل مهدمة.. ورائحة الموت تنتشر فى كل مكان
رائحة الموت وركام المبانى هما فقط الباقيان شاهدين على ما جرى فى عدن المدينة الأشهر والأهم فى الشرق لسنوات طويلة، والشوارع خالية من المارة، والصمت يلف المكان، لا يكسره سوى أصوات الغربان، غربان سوداء ذات رقاب زرقاء حطت على أطلال المبانى المتهدمة وكأنها تنعى شهداء ماتوا تحت تلك الأطلال، وسكاناً هاجروا تاركين حيهم مرتعاً للغربان.
 
ففى شارع المدرسة بحى الفيروز التابع لمديرية «دار سعد» بقيت دبابة معطوبة وجّهت فوهتها نحو منزل لم يبقَ منه سوى جدران متهدمة بفعل حمم تلك الدبابة التى بقيت لتروى تفاصيل معركة دامية دارت فى الحى الهادئ.
 
ثلاث مديريات من أصل ست فى محافظة عدن تحولت معظمها إلى أطلال ودُمرت بناياتها ذات الطراز الإنجيلزى، كانت عدن محمية إنجليزية منذ 1839، وحتى عام 1968.
 
بين ركام أحد المبانى وقف حازم العبيدى، الشاب الثلاثينى، يبحث عما تبقى من ذكرياته: «هنا كان بيتى، لم يبقَ منه إلا هذا»، وأشار لمفتاح فى يده، ونظر نحو الركام: و«هذه». صمت الشاب الذى يعمل ومعظم أفراد عائلته فى السعودية، نظر نحو أطلال المنزل متحسراً: «تكلف هذا المنزل نحو ستة ملايين ريال راحوا فى لحظة والآن نحن فى العراء، نزحت وأسرتى إلى قريتنا، نسكن بيتاً قديماً كان لجدى بعدما خسرنا كل شىء»، قال العبيدى.
 
حسب الإحصاءات المبدئية نزح نحو 80 ألف شخص من عدن ومدن الجنوب بعد احتلال الحوثيين وأنصار الرئيس المخلوع «صالح» لعدن وقيامهم بحصار المدن وتجويعها، فضلاً عن مجازر دامية ارتكبوها فى عدة أماكن.
 
كانت عدن، المدينة الجميلة الشهيرة باسم «عين عدن»، قد تحولت بفعل الحرب الدامية التى استمرت نحو ستة أشهر إلى مدينة منكوبة طبقاً لتصريحات الوزير عبدالرقيب فتح، وزير الإدارة المحلية ومسئول لجنة الإغاثة باليمن لـ«الوطن»: «أعلنا عدن كمدينة منكوبة من جرّاء ما حدث بها، ونبذل قصارى جهدنا لتعود الحياة إلى طبيعتها».
 
80 ألف نازح حتى اليوم.. و«الأهالى» يعيشون بلا كهرباء ولا بنزين.. وحمى «الضنك» أصابت المئات بسبب تلوث المياه
تبدو المدينة كأى مدينة خارجة لتوها من حرب طاحنة نقشت كل فصولها على جدار أبنيتها ومبانيها، تعانى من أزمات لا حصر لها: «الحمد لله، الآن المياه عادت إلى المنازل بعد انقطاع طويل»، قال مازن سائق التاكسى: «لكن ما زالت الكهرباء تشكل أزمة كبيرة فى ظل ارتفاع درجة الحرارة والرطوبة بشكل كبير»، صمت السائق وأضاف: «ويبقى البنزين أهم المشاكل». تمتد طوابير السيارات أمام محطات البنزين لمسافة كيلو وكيلو نصف تقريباً بعد قطع عدد من شباب المقاومة مستودعات البترول «بالبريقة»، حيث مستودعات الوقود التى تغذى مدينة عدن، نتيجة عدم حصولهم على الرواتب، بعدما قاتلوا فى الحرب وطردوا الحوثيين من عدن ومن معظم مدن الجنوب.
 
«لن نستطيع أن نلبى كل الطلبات الآن، ونعلم جيداً أن الجميع حارب وشارك فى طرد العدوان وكلهم لهم حقوق فى رقابنا، لكننا لن نتمكن الآن من تلبية جميع المطالب، سيحصلون على ما يريدون وزيادة، لكن عندما تتحسن الظروف، لم يمر على تحرير عدن سوى شهر واحد تقريباً، وعلى الجميع أن ينتظر»، قال الدكتور محمد مارم، مدير مكتب الرئيس هادى منصور فى عدن ومسئول الرئاسة بالجنوب اليمنى.
 
وبينما يطالب الدكتور مارم الجميع بالانتظار يصرخ الحاج عثمان محمد مطالباً الدولة بالتدخل حتى يتمكن من استعادة أسرته التى تعيش بالجبل: «أين الدولة، وأين الحكومة؟ نحن ننام بالعراء».
 
اعتدل الحاج عثمان فى جلسته على حجر من بقايا منزله بحى الفيروز، وحكى: «هذا المنزل كان لى، كان منزلاً كبيراً يضم 16 غرفة، نحن عائلة كبيرة تتكون من 22 فرداً، ونتيجة للقتال الدائر فى حينا خرجت أنا وأسرتى إلى قريتنا فى الجبل، تخيل بنينا عشة للنساء، وكنت أنا والشباب ننام أمامها، لم نجد الغاز ولم نجد أى وسيلة للحياة، وللآن نطبخ على الحطب، هذا هو حالنا، والدولة لم تعطنا شيئاً».
 
بانفعال واضح حكى أحمد شهاب، الشاب الثلاثينى، عن أزمة الأسعار التى اعتبرها واحدة من أخطر الأزمات التى تواجه المواطنين فى عدن: «السلع قليلة وغالية جداً وتجار الحروب يتلاعبون بنا فى ظل غياب واضح للحكومة، تخيل كيس الدقيق 40 كيلو كان يباع بـ7 آلاف ريال، وأثناء الحرب ارتفع إلى 20 ألفاً، وقتها قلنا نتحمل ظروف الحرب والحوثيون يحاصرون البلاد ويمارسون حرب تجويع علينا، وقد يضطر التجار لدفع رشاوى لتهريب البضائع، ولكن بعدما انتهت الحرب وتحررت البلاد لم تنخفض الأسعار مطلقاً، كيس الدقيق وصل سعره إلى 13 ألف ريال، التجار يستغلوننا والحكومة غير موجودة، حتى المرتبات لا يدفعونها لنا، أنا كنت سمكرى سيارات وتطوعت مع المقاومة، كنت فى البداية أحصل على 500 ريال سعودى و2000 ريال يمنى كل شهر، والآن لا نحصل على شىء، المرتبات لا تأتى وحياتنا أصبحت صعبة».
 
الحوثيون منعوا توصيل الغذاء وأطلقوا النيران على السكان.. و«العبيدى»: لم يبق من بيتى إلا المفتاح
تركت الرجل الغاضب وتحركت بين أطلال المنازل أبحث فى تفاصيل ما جرى.. «قف.. قف» كان الصوت ملهوفاً، جرى نحوى رشدى سعد، العامل بمحل إصلاح مولدات الكهرباء وهى المهنة الرائجة الآن فى عدن نتيجة انقطاعات الكهرباء المستمرة.. «احترس هنا منطقة ألغام»، صاح فىّ الشاب الأسمر محذراً: «لا تدخل هذا الشارع فيه ألغام»، ما زالت المدينة تعانى من انتشار الألغام الأرضية التى زرعها الحوثيون بين المنازل وفى المزارع وعلى الطرقات.
 
فى الطريق من مديرية دار سعد غرب عدن إلى مديرية كريتر أو حى كريتر الشهير بقلب المدينة كانت أطلال جامعة عدن تقف شاهدة على قصف صاروخى دمر المبانى والمعامل قاعات الدراسة. فى البداية رفض عبدالقوى، أحد حراس الجامعة، دخولنا، جاء زميله وقال: «عذراً فهو غاضب من الحكومة، لم يتقاض راتبه بعد». بعد سلسلة مفاوضات أدخلنا بشرط التقاط صورة له أمام ركام المبنى الذى تنبعث منه رائحة الموت، قال الشاب الغاضب: ما زالت هنا عشرات الجثث لحوثيين كانوا قد احتلوا مبنى الجامعة وطردونا منه، وعندما قصفت الطائرات المبنى قُتل العشرات منهم كانوا فى جلسة «قات» -نبات مخدر يمضغه اليمنيون- بعد القصف فروا وتركوا قتلاهم هنا، حاولوا إخراج جزء منهم ولكن عودة الطائرات دفعتهم للهرب تاركين أشلاء زملائهم. وما زلنا ننتظر وصول أجهزة لرفع الأنقاض والوصول لتلك الجثث لدفنها.
 
كانت الصورة أكثر قتامة فى «كريتر»، قلب عدن التاريخية، الشهيرة بالمبانى التاريخية والتراثية والتى دُمرت كلها تقريباً.. «هناك مبان تعدى عمرها 150 سنة وتهدمت نتيجة الاشتباكات التى جرت فى شوارع كريتر»، قال عادل الجوشى، الصحفى اليمنى، أحد سكان الحى: «هذا المبنى القديم كان مبنى البلدية، وتلك البناية كانت للبنك الأهلى، وهذا الجدار المتهدم للمتحف الحربى، وكلها مبان بنيت على الطراز الإنجيلزى»، قال الجوشى غاضباً: «لقد عانينا من حصار خانق طوال فترة الحرب ومنعت عنا المواد الغذائية والغاز لدرجة أن السيدات كن يطبخن على الحطب، هذا غير انتشار حمى الضنك -حمى استوائية تأتى نتيجة تلوث المياه- والتى أصابت نحو 1500 مواطن تقريباً».
 
«كان الوضع الصحى فى كريتر شديد الصعوبة»، قال الدكتور الخضر الصور، مدير صحة عدن: «انتشرت حمى الضنك بين المواطنين، وهى حمى تأتى فى المناطق الاستوائية نتيجة تلوث المياه وانتشار الذباب والناموس عليها، وما حدث أنه أثناء حصار الحوثيين للأهالى قُطعت المياه فجمع الأهالى المياه من عدة مصادر وخزنوها فأتى عليها الناموس وانتشرت الحمى بين الأهالى» وأضاف: «ورغم عودة المياه والحياة لطبيعتها فإننا ما زلنا نعالج عدداً من الحالات المصابة بالضنك، تعد كريتر وخور ميكسر ودار سعد أكثر الأحياء التى تضررت وطالتها أعمال تخريب واسعة».

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.