بقلم منير بشاى
الخبر الذى يغطى مصر حاليا هو التحقيق مع تسعة من الوزراء وثلاثة من الصحفيين فى اكبر قضية فساد فى عهد الرئيس السيسى. القضية تتعلق بتسهيل الاستيلاء على اراضى للدولة تبلغ قيمتها 3 مليار دولار وتم بيعها بسعر زهيد نتيجة دفع رشاوى لكبارالمسئولين. والتحقيق يشمل وزير الزراعة واعضاء مكتبه وعددا من الوزراء. وادت مبدئيا الى اقالة وزير الزراعة.
القضية قيد التحقيق ولا يجب القفز الى ادانة احد قبل صدور حكم القضاء. ولكن القضية تبرز مدى مشكلة الفساد الذى يعم مصر فى العقود الاخيرة واستشرى خاصة فى عصر مبارك وما يزال يسرى فى جسد الامة حتى بعد قيام ثورتين.
وهى فى اعتقادى التحدى الاكبر امام الرئيس السيسى الذى يعمل ليل نهار نحو بناء مصر الجديدة. بناء المرافق سهل وهو يحتاج الى المال والوقت فيتم دون مشكلة. ولكن بناء الانسان هى المهمة الاصعب فكيف تعيد بناء اخلاقيات الناس التى فسدت؟ ما هى الاليات؟ وما هو حجم التكاليف؟ وكم يتطلب ذلك من وقت؟ ومن يمكن استخدامه لبناء اخلاقيات الامة؟ اذا كان الفساد قد ضرب باطنابه على من هم اكبر الرؤوس فى البلاد والذين يسيطرون على مقاليد الامور؟ كل هذه امور لا توجد اجابات اكيدة وحاسمة لها.
وقد لاحظنا ان الرئيس السيسى لا يعتمد كثيرا على عناصر المجتمع المدنى فى بناء مصر. وهى مأساة خطيرة خاصة ان هذا المجتمع هو من يعانى المشاكل مثل ارتفاع الاسعار وتدنى الاجور والبطالة ومشاكل الاسكان والتعليم والمواصلات وغيره وغيره. من يحل مشاكل هذا الشعب اذا كان الشعب نفسه غير مؤهل لاصلاح شؤونه؟
فى كل مشاريع مصر الحالية نجد الدولة تعتمد فى تنفيذها على مؤسسات الجيش لأن الجيش هو المؤسسة الوحيدة المتماسكة فى مصر والتى تتمتع بالضبط والربط والتى عندما تؤمر عناصرها تطيع وتنفذ. فليس من غريب ان الجيش هو من قام بالدور الاكبر فى اسهامات مشاريع مصر الكبرى مثل حفر تفريعة قناة السويس وتمهيد الطرق وبناء ما حطمه الارهاب، وهو من يمد الجمعيات التعاونية بالخضروات واللحوم والفاكهة عند حدوث ازمات غذائية، وهو الذى يشغّل افرانه عندما تضرب الافران المدنية. حتى الاغانى الوطنية التى تعبىء الشعب تم انتاجها فى استوديهات القوات المسلحة. فأين اسهامات المدنيين فى مصر الجديدة للأسف الشديد؟
ليس هذا محاولة للحط من مقدرة هذا الشعب. فالشعب المصرى الذى بنى الاهرامات وشيّد حضارة الفراعنة هو شعب قادر على صنع المعجزات. والبعض من هذا الشعب الذين سافروا ليعملوا فى بلاد أجنبية قد نافسوا غيرهم من شعوب الشرق والغرب وتفوقوا عليهم فى كافة المجالات.
ولكن امراض المجتمع قد ضربت الشعب المصرى وشلته عن ان يساعد نفسه وعلى رأس هذه الامراض الفساد الذى حطّم كل شىء جميل فى مصر فأصبح كل شىء يعتمد على الرشوة والسرقة والغش والخداع.
وهناك امراض اخرى مثل التسيب. كل شىء يسير دون ضوابط فى المواعيد ولا قيمة للوقت ولا احترام للعهود ولا رغبة حتى لمحاولة ايجاد فرص للعمل لتحسين حالة الفرد والمجتمع. التسيب هو الذى يجعل الموظف يعمل ما لا يزيد عن نصف ساعة فى اليوم ويظن ان هذا كافيا لبناء مصر.
والاهمال من اكبر امراض مصر. اصبح الانسان لا يحترم سمعة بلده عندما يضع عبارة صنع فى مصر على منتجات غير صالحة للاستعمال. ولكن طالما يستطيع ان يعمل هذا دون مساءلة فلا يعنيه الامر شيئا.
اما الفوضى فحدّث ولا حرج. النظام خلق لكى تكسره لا لكى تتبعه. فكل شىء فى مصر لا يخضع للدراسة او التخطيط ولكن الصدفة والقدر يلعبان دورا كبيرا فيه.
وآخر القائمة وان لم يكن اقلها اهمية هو التعصّب الذى يطلق عليه خطأ بأنه التديّن. هذه هى الممارسات التى عن طريقها يظن الانسان انها ضمن الحياة الاخرة لانه فشل فى الحياة الدنيا.
احيانا انزعج من بطء الدولة فى تحقيق الاصلاح المنشود. ولكن كلما نظرت الى حجم المعوقات التى تقف فى طريقهم لا املك الا ان التمس لهم العذر، مع الدعاء بالتوفيق على تحمل العبء الكبير الذى وضع على كاهلهم. واعود لاذكّر الشعب المصرى انه لا توجد توصيفة سحرية لتحسين احوالهم ولا توجد قوة فى الوجود تستطيع ان تغيّر ما بهم الا انفسهم وما يعملونه. واهم من هذا كله ان يعود للانسان المصرى ضميره الذى نام، بل ربما قد مات.