الأقباط متحدون - البديل عن حكومة الطوارئ
أخر تحديث ٠٧:٠٤ | السبت ٥ سبتمبر ٢٠١٥ | ٣٠مسرى ١٧٣١ ش | العدد ٣٦٧٤السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

البديل عن حكومة الطوارئ

د.عبدالخالق حسين
بعد نشر مقالي الأخير الموسوم (مناقشة هادئة مع دعاة حكومة الطوارئ)(1)، وكالعادة، استلمت الكثير من التعليقات المؤيدة والمعارضة، وهذه حالة صحية لإثارة الجدال، وتبادل الأفكار بغية إيجاد حلول ناجعة للأزمات العراقية المستفحلة.

ومن هذه التعليقات مقال للصديق الدكتور مؤيد عبدالستار، بعنوان: (العبادي مكبل اليدين وفي فمه ماء ... تعليق على مقال: مناقشة هادئة مع دعاة حكومة الطوارئ للدكتور عبد الخالق حسين) (2). كما واستلمتُ رسالة من الصديق الكاتب الدكتور فخري مشكور، يؤيدني على ما جاء في المقال، مع اقتراح (لو تتحفونا بالحل البديل في مقال آخر)، إضافة إلى تعليقات أخرى أغلبها محفزة على مواصلة السجال.

والحقيقة إن العراق يعاني الآن من آلام المخاض العسير لولادة مجتمع عراقي جديد، ليتخلص تدريجياً من ذله وتخلفه، وصراعاته وتراكمات القرون الماضية من المظالم.
 
إن العراق يواجه اليوم وبشكل حاد ما وصفه عالم الاجتماع العراقي الراحل علي الوردي بـ(التناشز الاجتماعي)، ففي الانعطافات التاريخية العاصفة، ينشق المجتمع إلى جبهتين، جبهة مع التغيير، في حالتنا الراهنة نحو الديمقراطية، وجبهة أخرى ضد التغيير تريد إبقاء ما كان على ما كان، أي ضد الديمقراطية. ولذلك تسعى الجبهة الرافضة للتغيير إلى نشر الفوضى والإرهاب والفساد واعتبارها صفة ملازمة للديمقراطية.
 
فأنصار التحولات في عجلة من أمرهم يريدون تحويل العراق إلى دولة عصرية ديمقراطية من طراز دول العالم الأول، وفي الطرف الآخر قوى ظلامية إرهابية مضادة اتخذت من الإسلام أيديولوجيا وذريعة لإرهابها، تريد إعادة العراق 14 قرناً إلى الوراء، مستخدمة أبشع أنواع الإرهاب وحشية وهمجية وقسوة.

والمفارقة أن القوى الظلامية تتلقى الدعم من الحكومات الخليجية الغنية، وبمباركة من أمريكا. والمشكلة أنه عندما نذكر أمريكا في هذه اللعبة القذرة، يتهمنا البعض بأننا نؤمن بنظرية المؤامرة، في الوقت الذي اعترفت فيه حتى هيلاري كلنتون، المرشحة لرئاسة الدولة، بدور بلادها في خلق طالبان والقاعدة وداعش وغيرها من العصابات الإرهابية الهمجية البربرية. 
 
هل حكومة الطوارئ ممكنة؟
المقصود بحكومة الطوارئ هو: حل البرلمان، وحل الحكومة، وإلغاء الدستور، وتشكيل حكومة من التكنوقراط المستقلين، يعني العودة إلى المربع الأول.

فيطرح الأخوة هذه الاقتراحات التي قد تبدو جميلة نظرياً ولكنها مستحيلة عملياً. وعندما نقول لهم أن هذه المقترحات غير ممكنة التطبيق، يتهموننا بالتخلي عن مواقفنا التقدمية. فلو كانت حكومة الطوارئ هذه ممكنة عملياً في الظروف العراقي الراهنة،

لكنت من أول الداعين لها والمرحبين بها، لأنها الأسرع في حل المشاكل التي يعاني منها الشعب، كما رحبنا بإجراءات المشير عبدالفتاح السيسي في مصر، الذي أطاح بحكومة الإخواني محمد مرسي في عام 2013،

بعد انتفاضة الشعب المصري. فبعمله البطولي هذا، انقذ السيسي ليس مصر وحدها فحسب، بل و أنقذ العالم كله من نظام فاشي إسلامي لا يقل خطورة على السلام العالمي من النازية الهتلرية، فتصوروا لو أن شخصاً مثل السيسي ظهر في ألمانيا النازية في أوائل حكم هتلر، وقام بانقلاب عليه لأنقذ الشعب الألماني والعالم كله من شرور النازية الهتلرية والحرب العالمية الثانية.
 
ولكن كما ذكرنا في مقالنا السابق، إن ظروف العراق تختلف كلياً عن ظروف مصر، ولا يمكن استنساخ التجارب. فحكومة الطوارئ هي أشبه بحكومة انقلاب عسكري، لذلك تحتاج إلى قائد مدعوم من القوات المسلحة ذات الانضباط العسكري الحديدي، وشعب متجانس ومتماسك، ودون أن يواجه قوى إرهابية وتدخلات أجنبية. 

 
أما العراق فعلى العكس تماماً من مصر، حيث شعبه منقسم على نفسه ومتعادي فيما بينه، وثلث مساحته محتل من القوى الإرهابية (داعش). ولنكن واقعيين، فهذه القوى الإرهابية المحتلة تتمتع بتأييد من قبل قطاع واسع من السكان كرها للديمقراطية. أما الجيش، فكما قال عنه فريد زكريا، المعلق الأميركي في مقالة نشرتها واشنطن بوست: "انه لم يعد هنالك أحد في العراق مستعدا للقتال من أجل العراق نفسه.

ليس الأمر نقصا في رغبة القتال بشراسة...فالكرد يقاتلون بشراسة من أجل كردستان، والشيعة يقاتلون باصرار من أجل اهلهم، والسنة المنتمون الى تنظيم الدولة الاسلامية يقتلون ويموتون من أجل قضيتهم. لكن لا أحد يبدو مستعداً للقتال من اجل العراق". و يستنتج زكريا "ان المشكلة الحقيقية لا تكمن في انهيار الجيش العراقي، بل في انهيار العراق."(3)
 
أما القوى السياسية فهي الأكثر انقساماً وتصارعاً ، و ولاءها ليس للعراق، بل لأية حكومة خارجية تقدم لها الدعم المالي والإعلامي والعسكري. هذا هو وضع العراق باختصار شديد، لذلك فالدكتور حيدر العبادي "...مكبل اليدين وفي فمه ماء.."(2)، فهو رجل مدني، ينتمي إلى (حزب الدعوة الإسلامية)، الذي يبدو أنه يعاني من انقسام الولاءات بين قياديه، وكتلته (التحالف الوطني)، هي الآخرى منقسمة على نفسها، وتعاني من صراعات ومنافسات شرسة على الزعامة و المناصب،

والمنافع والنفوذ. إضافة إلى تدخلات خارجية فضة من قبل دول الجوار وحتى من أمريكا عن طريق دعم الإرهاب، تستطيع بها أن تغير الموازين في صالح الجهة التي تمنح تنازلات أكثر لهذه القوى الخارجية على حساب الشعب العراقي ووحدته الوطنية. وعليه، وكما استنتجنا في المقال السابق فإن (حكومة الطوارئ)، رغم أنها تبدو الحل الأمثل والأفضل للعراق نظرياً، إلا إنها غير ممكنة عملياً. 
 
ما البديل عن حكومة الطوارئ؟
 
البديل هو الاعتراف بالأمر الواقع، إذ لا يصح إلا الصحيح الممكن، فمشاكل العراق كثيرة، ولا يمكن حلها بعصا سحرية بين عشية وضحاياها، ومعجزة كن فيكون. كذلك يجب أن نخفف من غلواء التحريض ضد النظام الديمقراطي، وإثارة المجتمع والمزايدة بمآسي الناس، فالمواطن العراقي هو مشحون أصلاً بجرعة ضخمة من المشاعر العدائية ضد الحكومة منذ الرضاعة، وأية حكومة كانت. وأن لا ننخدع بما تنشره مصانع فلول البعث والإعلام المضاد من إشاعات مسمومة وأكاذيب ما أنزل الله بها من سلطان ضد العراق الجديد. فالملاحظ أن الحملة مركزة لإلقاء اللوم في الفساد على السياسيين الشيعة فقط، وكأن سياسيي كردستان و"سنستان" براء من أي فساد. كذلك يجب عدم التساهل مع أية جهة إعلامية تنشر الأكاذيب والأباطيل لتضليل المجتمع، والتحريض على إشعال الفتن الطائفية. فحرية التعبير لا تعني حرية التضليل ونشر الأكاذيب والإشاعات المسمومة.
 
إن حزمة الإصلاحات التي أعلنها رئيس الوزراء حيدر العبادي، وصادق عليها البرلمان، يجب تنفيذها بالسرعة الممكنة وبلا تردد، وفضح كل من يحاول عرقلتها ومهما كان. وهنا أتفق مع الكاتب الأخ عبدالصاحب الناصر في مقاله القيم: (يجب تسمية الفاسدين وفضحهمName and Shame).(4)
 
كذلك، أقترح على الدكتور حيدر العبادي، كرئيس لمجلس الوزراء، والقائد العام للقوات المسلحة، أن يذهب إلى البرلمان ويواجههم بالحقيقة المرة ، أن البلاد مقبلة على كارثة اقتصادية، بسبب انهيار أسعار النفط من 150 دولار للبرميل قبل عامين إلى نحو 40 دولار اليوم. ويصارحهم بأنه لا يمكن أن يحقق أي إصلاح ويداه مكبلتان، لذلك عليه أن يطالبهم بمنحه حرية اختيار وزراء حكومته ومحاسبة الفاسدين. فوضع العراق هو الوحيد في العالم حيث تفرض على رئيس الوزراء أشخاص بعضهم غير أكفاء. لذا فمن حقه أن يختار الأفضل من الكتل السياسية المشاركة في الحكومة، وأي وزير أثبت فشله بعد فترة ستة أشهر، من حق رئيس الوزراء إعفاءه من منصبه.

 
* كذلك محاسبة المسؤولين على الفساد وإعلان سياسة التقشف في صرفيات الدولة.
 
*مطالبة شرطة الانتربول بملاحقة جميع الذين سرقوا أموال العراق من أمثال حازم الشعلان وأيهم السامرائي وغيرهما وتسليمهم إلى العراق.
 
* استرجاع جميع الأراضي والممتلكات العامة التي استحوذت عليها الكيانات السياسية والأسر المتنفذة دون وجه حق.
 
* يجب حصر المحاصصة على تشكيل مجلس الوزراء فقط، وهذا ما يجري في الحكومات الإئتلافية في الأنظمة الديمقراطية، حيث تتناسب حصة كل كتلة في مجلس الوزراء مع نسبة مقاعدها في مجلس البرلمان. وهذا ما يسمونه بحكومة الشراكة(partnership) ولا بد منه. ولكن يجب أن تتحرر مؤسسات الدولة الأخرى (civil servants) من هذه المحاصصة، و أن يعتمد التعيين على الكفاءة، ومبدأ (الشخص المناسب في المكان المناسب)، لذلك فليس شرطاً أن يكون رئيس أركان الجيش كردياً كما يطالب به النواب الكرد.
 
* تطهير القوات المسلحة والأجهزة الأمنية من المتخاذلين، ومحاكمة الضباط الذين سلموا الموصل والأنبار إلى داعش، 
 
* قطع جميع التخصيصات المالية عن المناطق المحتلة من قبل داعش، لأن هذه الأموال تذهب إلى داعش، فالعراق هو البلد الوحيد الذي يمد عدوه بالمال والسلاح، وهذه مأساة ومهزلة في آن.
 
* تخفيض رواتب المسؤلين الوزراء والبرلمانين، والمدراء العامين وكذلك رواتبهم التقاعدية.
 
لا شك أن هناك إجراءات أخرى كثيرة يمكن أن تساعد على حل الأزمة العراقية، وهنا أتفق مع الصديق أياد السماوي في عدد من الاجراءات التقشفية التي ذكرها في مقاله الموسوم: (ما العمل لمواجهة الكارثة المحدقة بالبلد ؟؟؟) جدير بالاعتبار(5)
 
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  

http://www.abdulkhaliqhussein.nl/

ــــــــــــــــــــــــ

روابط ذات صلة بالمقال

1- عبدالخالق حسين: مناقشة هادئة مع دعاة حكومة الطوارئ 

http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=790

2- مؤيد عبد الستار: العبادي مكبل اليدين وفي فمه ماء ..... تعليق على مقال : مناقشة هادئة مع دعاة حكومة الطوارئ للدكتور عبد الخالق حسين

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=482938

3- حارث حسن: عن "الجيش الذي لا يقاتل"..مثال العراق

http://arabi.assafir.com/article.asp?aid=3174&refsite=facebook&reftype=sharebutton&refzone=like

4- عبد الصاحب الناصر: يجب تسمية الفاسدين وفضحهم (Name and shame)

http://www.akhbaar.org/home/2015/8/197226.html

5- أياد السماوي: ما العمل لمواجهة الكارثة المحدقة بالبلد ؟؟؟

http://www.akhbaar.org/home/2015/8/196912.html

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter