الكاتبة / نانا جاورجيوس
لماذا تم تضخيم صفر مريم، ليصبح أشهر و أضخم صفر في تاريخيك يا مصر، ليتحول لقضية رأي عام، رغم أنها كأي طالبة يمكنها أن تحصل على حقها وتخرج الوزارة بكلمة إعتذار عما حدث من تزوير تحت مسمى «خطأ أو سقط سهواً» والبحث عمن عبث بأوراقها، إن كانوا يريدون معرفة الجاني ليخرجوا علينا بتقرير نزيه ينصف المظلوم ولا يتستر على مجرم، وآدي حقك يا بنتي و حقك علينا، ويقدم المجرم لمحاكمة وأقلها فصله ليكون عِبرة لغيره لا أن نتمادى في ترقيع جرائمهم التي وصل سقفها لمداه. ولكن ما حصل أنه صار صفراً مستعصياً ومشكلة حله أكبر من حل أي لغز لوغارتمي!
جاء إستكتاب مريم هزيلاً، مجرد مهزلة وإجراءات صورية كالمحاكمات الصورية للضحايا المحكوم عليهم مسبقاً بالإعدام كالتي كانت تُجرى على شعوب القرون الوسطى. إستكتاب مريم كان ليتخذونه دليلاً لإدانتها لا كقرينة لإنصافها، ما يؤكد أنهم يعلمون الحقيقة ولكنهم مكملين في طريق الظلم لنهايته لكي لا تطير كراسي الكبار، كان لابد من التضحية بمريم ومن في مثل محنتها لكي يظلوا هم فوق كراسيهم ؟!
صفر مريم غطى على عشرات الحالات التي ظلمت وسرقوا مجهودهم وتعبهم و إنفاقهم لكثير من الأموال في سبيل تحصيل أعلى الدرجات و وتحقيق أحلامهم؟ إن كانوا يعتبرون أن هذا هو المنطق وأن مريم تستحق هذا الصفر، فماذا عن صفر الطالبة مروة محمد عيسى بنت كفر الشيخ التي حصلت هي أيضاً على شرف« صفرهم المُكعب» في كل مواد المجموع، رغم حصولها على الدرجة النهاية في مادة التربية الوطنية وحصولها على 95% في الصف الثاني الثانوي. !
هل صار إسترداد مريم لحقها قضية أمن قومي، لأنه لو تم الإعتراف بخطأ الوزارة وجب عليهم تقديم المسئولين المتورطين في عشرات الحالات المماثلة وفتح ملفات الفساد كاملاً ، علاوة على وجوب الكشف عن الطلاب الذين تمت جريمة التزوير لصالحهم و ذهبت أوراق الإجابات إليهم على طبق من ذهب وهم غالباً سيكونوا من إبناء كبار المسئولين، كما ذكر إبراهيم قاسم خبير سابق ورئيس كنترول الثانوية «في برنامج البيت بيتك» بأنه واقعة غشِّ واحدة من منظومة الفساد وقعت العام الماضي 2014 وحصل فيها أحمد جمال عبد الظاهر وهو إبن مدير أمن الدقهلية صار الأول على الجمهورية بالتزوير!
أم لأن مريم لو أخذت حقها ستفتح على الوزارة أبواب جهنم لأن طابور من التظلمات سيطالبهم بحقوقهم في كشف حقيقة نتائجهم ، علاوة على فقدان ثقة الطلاب و أولياء الأمور في مصداقية منظومة التعليم وأجهزة الحكومة، وإهتزاز صورة الحكومة في نظر شعب يتابع القضية وينتظر إقرارهم بحق مريم والأخرين،لأنها قضية تمس كل بيت، وساعتها سيطالبون بإقالة الوزير والذي أطلق سيادته التصريحات الكاذبة قبل بدء أي تحقيقات ! ومن ثم ينكشف كل طابور الموظفين و المسئولين الذي تستروا أو الذين يطبخون مثل هذه الطبخات القذرة و التي فاحت رائحتها من بعض كنترولات الجمهورية لتسقط ورقة التوت و تتعرى منظومة فسادهم .
ما من خبير رأى أوراق مريم إلا وقال ببساطة ان التزوير واضح وضوح الشمس ولا يحتاج لخبراء يقررونه، طبقاً للمنطق والمجرى الطبيعي لواقعية الأمور وتاريخ التفوق للطالبة على مدار 11 سنة. فكيف نصدق المتحدث الرسمي لمصلحة الطب «الغير شرعي» هشام عبد الحميد الذي أدلى بدلوه وياريته ما أدلى، بأن تاريخ تفوق الطالبة في السنوات السابقة ليس دليلاً على تفوقها هذا العالم! وكأنه بـ رتق الأكاذيب و ترقيع إسطوانة التصريحات المفضوحة إياها سيستطيع تغييب وعيِّ الرأي العام الذي أصبح يطالبهم بمعرفة الحقيقة، فبأي منطق تتكلم يا رجل ؟! ومين قالك أننا ننتظر من سيادتك أن تقول الحق وتنصف المظلوم وتخرج إلينا بتقريرٍ يستخدم ضد تصريحات «وزارة التعتيم» و ضد الإدارة المدرسية والجهات المعنية الذين اطلقوا بالفم المليان نفي واقعة التزوير قبل بدء أي تحقيقات أو إستكتابات؟! ولنا في تقرير الطب الشرعي لخالد سعيد وتقرير مذبحة ماسبيرو وعشرات التقارير السابقة خير دليل يا رجل على فساد تقارير غير نزيهة إستُخدِمت ضد ضحاياها لتذبحهم أحياءاً أو أمواتاً مرتين!.
هناك جريمة تزوير أرتكبت وهناك طالبة بل مجموعة من الطلبة ظلمت وتجرعوا الألم النفسي وحدهم حين وجدوا مؤسسات الحكومة هي من تقف ضد مستقبلهم وتحكم على مصيرهم بالفشل، وهم يروا طلبة أخرين يسرقون مجهودهم ويلتحقوا بكليات القمة. هي كارثة بكل المقاييس لا حل لها و يستحيل على المسئول المجرم أن يقدم كبش فداء ليشيل الليلة. ولا حل لها إلا أن تعترف الوزارة بأن هناك تقصير أمني وإداري وهناك جريمة تمت بمنظومة فساد يتم فيها المتاجرة بمستقبل أولادنا .
وبدلاً من أن «يَعِدْ» سيادته، «توعد» وأطلق تهديداته، وبدلاً من يسعى للوقوف على الحقيقة لينصف المظلوم أطلق تصريحاته الإستعدائية ضد طفلة بكت على مستقبلها وحلمها وهي تراه يضيع أمام عينيها، مستخدماً نفوذه وسلطته الحاكمة بأمره ! و بأنه سيعاقبها إن ثبت كذبها لتشويه وزارته، لأنها أصرّت على مطالبته بحقها و بإظهار الحقيقة التي يعلمها جيداً، ليجلس سيادته على كرسيِّ القاضي والجلاد في آن واحد . فأصبحت تهديدات سيادته و إستبداده وإستخدامه لنفوذ الكرسي يفضح كل منظومة التعليم التي وراء كرسي سيادته!
وبالنظرة الأولى لمحتوى كراسات إجابات مادتي العربي والإنجليزي التي تم نشرها على بوابة الأهرام نجد أنها كانت عبارة عن عملية نقل لبعض رؤوس الأسئلة في ورقتي إجابة مادتي العربي والإنجليزي بجمل غير مفهومة، لمجرد إثبات حالة وتسديد خانة بحضورها.فلماذا لم يتم نشر إجابتها العام السابق في مادة الدين والتربية الوطنية لنضاهي اسلوب الإجابة والخط نرى هل فعلاً قامت بنقل الأسئلة في ورقة الإجابة فقط أم أجابت عليها و نجحت فيهم رغم أنهم مواد خارج المجموع؟! فعلى أي أساس تم إستكتاب مريم والأوراق المنسوبة إليها ليس بها أي إجابات صحيحة، مريم لو كانت «عطست» في الورقة كانت حصلت على درجات لو حتى على إجابة سؤال واحد وحيد يقول أن هذه الطالبة فكرت و إجتهدت في الإجابة وأن هذا نتاج مجهودها على مدار سنة دراسية كاملة ؟! حتى أنهم فشلوا في عملية التزوير نفسها. أم عايزنا نصدق يا سيادة الوزير أن بحرف «الحاء والتاء» يتم تحديد مصير أبنائنا قبل إجراء أي تحقيقات! أو يمكن سيادته شايفنا رابطين الجمل على باب الخيمة أم راكبين الأفيال الهندي ومعلقين الريشة فوق رؤوسنا ؟!
كيف ننشد تقدم مجتمعي يقضي فيه منظومة الفساد على مستقبل وأحلام أبنائنا ! و كيف نخرِّج أجيال صالحة نطالبها بالإنتماء الوطني ونحن ننتقم منه و نسلبهم أبسط حقوقهم ونقتل احلامهم ونحطم مستقبلهم بالقهر والذل والتجبر، أليست ممارسات الظلم تخرج إلينا إنسان موتور وغير سوياً و أكثر تجبراً وظلما وأكثر نقمة وخطراً على مجتمعه ؟ كيف نطالبهم بواجباتهم لوطنٍ كان كارهاً لهم سالباً لأبسط حقوقهم، قاذفاً بهم في جحيم اليأس ؟! والسؤال الأهم كيف نثق في أطبائنا و نأتمنهم على حياتنا ونحن نعلم ان الكثيرين منهم أشتروا شهادتهم بالفلوس من تعب ومجهود وفكر أخرين كدوا وإجتهدوا ولم يحصدوا نتيجة عرقهم بل أُنتهكوا بوحشية وسُلبوا بدم بارد وتم تحطيمهم فوق صخرة جبروت الفساد ؟!
يا سيادة رئيس الوزراء أنت والد وتعرف معني الإبوة وأب لجميع الطلبة قبل أن تكون رئيساً للوزراء، وظلم مريم ورضوى ومروة و مارينا وغيرهم هو ظلم لكل المصريين الذين يترقبون إظهار الحقيقة ولا شيء سواها، و أن هناك ظاهرة من الكذب الفاضح مستشرية وتمارس بتلقيائية من فساد إدراي و موت للضمير المهني، أوراق مريم والأخرين تم تبديلها داخل مدارسهم فور إنتهاء كل إمتحان لهم ولم تخرج المسئولية عن مراقب الدور و رئيس اللجنة أو الرئيس العمومي للجان، وهم المسئولين الأوائل لتسلم أوراق إجابات الطلبة قبل ختمها وتشميعها وإرسالها لكنترولات التصحيح ، لأنهم أول من نفوا حالة التزوير قبل أي تحقيقات وقبل أي إستكتاب وقبل تقرير الطب الشرعي وقبل أن تفصل النيابة العامة في القضية.
إنها جريمة مكتملة الأطراف والأركان لأنها منظومة متشابكة من الفساد المتوغل والمتغول الذي يصعب إقتلاعه إلا لو إعترفنا بوجودها و تصدينا لها بشجاعة، لأن كل العيب ليس في تصحيح الخطأ بل في التستر عليه. إن كان سيادة رئيس الوزراء طلب مقابلة مريم للوقوف على حقيقة ظلمها،وطلبت مريم منه طلباً منطقياً عادلاً وهو إطلاعها على كراسات الإجابات بالكنترول بدون أي أسماء مدونة عليها لتتعرف على أوراقها و مضاهاتها بخطها، فكم من مريم لم ولن تستطع مقابلة سيادته؟!
لا أعلم حقيقي، هل نحن وصلنا لمرحلة الفساد الفاضح والذي تعرى حتى من ورقة التوت و التي سبق وحذرنا منها الكاتب جلال عامر: « إذا إستمر الفساد في مصر على هذا النحو، فسيأتي اليوم الذي يصبح فيه العشرة الأوائل في الثانوية العامة بالتعيين» ؟!
سؤال برئ مطروح لكل ذي ضمير مازال حيّ، ننتظر إجابته حين يشفقوا على أبنائنا ويلطفوا بعقولنا و يحلوا لنا لغز الصفر المريمي الذي إستعصى عليهم تقديم تبرير منطقي له رغم هيلمان تحقيقاتهم التي لم تفضي إلا لمزيد من إفتضاح عمليات الترقيع، ففي كشفه، كشف لمنظومة الفساد التي كانت ورائه وكانت سبب في كارثته! .