وسط الاضطرابات التي تشهدها مصر في الوقت الحالي، يحن بعض المصريين إلى نمط الحياة السائد في آخر نظام ملكي حكم البلاد، وهو ما أثار جدلا على الإنترنت حول كيف كانت الحياة جميلة في تلك "الأيام الخوالي".
"أتوسل إلى الملك فاروق ألا يترك مصر إلى الجيش".. بهذه العبارة علق مستخدم مصري في حسابه على تويتر مؤخرا وهي دعوة بدت غريبة إلى حد كبير، وذلك لأن مصر لم تخضع لسيطرة أي نظام ملكي منذ أكثر 60 عاما.
لكن الرسالة، وآلاف الرسائل مثلها، تداولها المستخدمون في شكل عرض تاريخي جماعي دفع عبارة "غرد كأنك في الخمسينيات" لتتصدر تغريدات تويتر في مصر.
فعلى الإنترنت، حن عديد من المصريين إلى أيام الحكم الملكي. وتولى فاروق الأول عرش مصر عام 1936، وهو لم يتعد 16 عاما.
وفي البداية، كان فاروق يتمتع بشعبية لدى المصريين، لكن حياة الترف سرعان ما أغضبت المصريين، لا سيما إبان تحديات الحرب العالمية الثانية.
ووصف المندوب السامي البريطاني فاروق بأنه "قليل العلم، وكسول، ومخادع، ومتقلب المزاج، ومستهتر، ولا جدوى منه، لكنه كان يتمتع بذكاء سطحي سريع وتصرفات فاتنة".
وساهم تراجع شعبيته في ثورة 1952 التي أسست للنظام الجمهوري ونصبت في النهاية جمال عبد الناصر قائدا.
وعلى الرغم من تدني شعبيته في ذلك الوقت، يبدو أن الشعور تجاه فاروق الأول تغير إلى حد ما في السنوات القليلة الماضية، إذ نالت صفحة دشنها مستخدمون على فيسبوك في أغسطس/ آب 2011 إعجاب ما يربو على 2.2 مليون مستخدم.
ويقول عمرو أبو سيف، 40 عاما، المصري الذي دشن الصفحة على فيسبوك "صُور الملك فاروق بصورة ظالمة وخاطئة".
كما أسس أبوسيف كذلك موقعا إلكترونيا يحمل اسم الملك فاروق، في 2007 بعد فشله في العثور على أي موقع مخصص للحديث عن النظام الملكي المصري.
ويقول أبوسيف: "أنا مغرم بتلك الفترة... فالحياة كانت بسيطة وغير معقدة".
الزمن الجميل؟
هذه الصورة التي تعود إلى منتصف الأربعينيات للمطرب فريد الأطرش والراقصة سامية جمال في القاهرة تمثل أنموذجا للطراز المصري في ذلك الوقت، أو على الأقل لدى النخبة في البلاد
وتنشر صفحة الملك فاروق مقالات مفعمة بالمديح وقصصا مثيرة للذاكرة عن أسرة محمد علي، الذي كان فاروق آخر رموزها. وتتشارك الصفحة عديدا من الصور القديمة للملك فاروق مع أسرته وأخرى لشوارع هادئة ومواطنين يرتدون ملابس أنيقة.
ويطلق الكثير من المصريين على تلك الفترة "الزمن الجميل"، وتمثل حقبة الملك فاروق لدى البعض الفخامة والرقي والتسامح الديني والمجتمع المتحضر. لكن تلك الصورة المثالية تزعج الكثيرين على الجانب الآخر.
"تستحوذ هذه الصورة من الأناقة والرقي على تفكيرنا، لكن لم يكن كل شيء بهذه الصورة في تلك الفترة"، كما تقول نيرفانا محمود، طبيبة ومدونة مصرية.
وأضافت نيرفانا "يشاهد الناس الأفلام الكلاسيكية وينظرون إلى الصور القديمة التي تظهر التسامح الديني والحرية التي كانت تتمتع بها المرأة في ارتداء ما ترغب فيه. لكن لم يخدم ذلك سوى طبقة خاصة من المجتمع، حيث كان هناك ظلم وفجوة كبيرة بين الأغنياء والفقراء، الأمر الذي يغيب عن ذاكرتنا بسهولة".
صورة بائعي المياه المصريين هذه التقطت في عام 1940 تقريبا، فالحياة لدى الكثيرين في ذلك الوقت لم تكن بهذا الرقي والأناقة
لماذا الآن؟
وتعتقد المدونة نيرفانا محمود بأن الناس يرجعون الماضي هربا من الحقيقة التي تعيشها مصر في الحاضر، حيث ينتشر العنف والتفجير بشكل متزايد، والاقتصاد في تردٍ، والنظام السياسي يمر بأزمات.
لكن الكثيرين، كما تقول نيرفانا، غاب عن ذاكرتهم المعاناة في عهد الملك فاروق. وأضافت "إنه حنين انتقائي... هناك من المصريين من يحن إلى تلك الفترة لكنه نسى أن الكثير من المصريين كان عليه أن يدفع الثمن".
وأوضحت المدونة نيرفانا قائلة " طالما نظرنا إلى الماضي من خلال منظور وردي، لن نتمكن من بناء مستقبلنا".
لكن أبوسيف يختلف في وجهة النظر هذه، ويقول إن الأمر "لا يتعلق بالسياسة". ويضيف: "نحن لا نريد استعادة الحكم الملكي في مصر، وهو أمر سخيف. نحن فقط نعيد إلى ذاكرتنا كانت الأيام الخوالي أفضل، وذلك طبيعة بشرية فحسب".