وليد الغمرى | الاثنين ٢٤ اغسطس ٢٠١٥ -
٠١:
٠٢ م +02:00 EET
وليد الغمرى
بقلم : وليد الغمرى
نحن أبناء القهر، جيل نشأ وتربى فى مدارس الكهنة، حاصرونا فى أرزاقنا، وأحلامنا، وحتى فى غرف نومنا، وملئوا دفاترهم بكل همسة، وكل تنهيدة وجع، صرخت بها صدورنا العارية، جيل تعلم الخوف مما هو وراء الشمس، سنوات طويلة لم نكن نعلم ان وراء الشمس.. لا يوجد غير الحرية.
نعم نحن من رفضنا الحياة أمام شمسكم، وهى تشرق من معابد لا يسكنها غير الكهنوت، وأدخنة المباخر تفوح برائحة عفنة، لسلطة تعشق التملق، وتغزل من خوفنا سلطان جائر أعمى.
عن جيل يرفض الكهنوت فى كل شئ اكتب هذه السطور، عسى ان تحرق حروفنا المهزومة، عصور الكهنة فى معابد مصر غير الفرعونية..
لقد مارسنا فى بلاط صاحبة الجلالة "فعل" الكلمة، ونحن لا ندرك انه الفعل الأكثر جرما فى هيكلهم المقدس، لم نكن ندرى، لماذا يحاصروننا بكل ما أوتوا من قوة كى لا نكتب، ومع شروق كل شمس، كانت دمائنا وأرزاقنا وحياتنا، مستباحة بين عشرات الفرق الضالة، فتارة يتفرق دمنا فى معابد الناصريين، وتارة على مذبح الإخوان، ودوما وابدا تنتهك أدميتنا على مقاصل السلطة، ووسط كل هذا العبث، يجلس الكهنة فى كل زاوية، يضحكون على جيل كامل، يموت كل مساء على أعتاب حلم الكتابة العاصي.
سميها ما شئت، شللية أو لوبيات أو حتى جماعات مصالح، جميعهم فى النهاية كهنة لمعبد السلطة الدنس، وتبقى لعنة الكهنوت معلقة بشكلها الصارخ على مكاتب زملائي أعضاء مجلس نقابة الصحفيين، وأيا كانت أسماء زملائي من مجلس لأخر، لم يسلم احد من لعنة الكهنوت، الجميع يأتينا بمنتهى الأمل وينتهي فى ضمائرنا بمنتهى اليأس.
لقد عايشت انا وزملائي من أبناء هذا الجيل الإعلامي الميت، عصرا اسود لرموز كهنوتية، حرم علينا حتى النطق بأسمائهم غير مبتسمين، وأصارحكم أنى لم أتفهم يوما، كيف أصبح الأستاذ محمد حسانين هيكل، بمثابة الكاهن الأعظم لبلاط سرقت منه الجلالة، ولكنى شاهدت بمنتهى الوضوح كيف يتم صناعة الكهنة فى الإعلام والصحافة المصرية.
فى حكايات الظلام التى عاشها جيلنا، لم يكن لسلم الكهنوت غير وثيقتين فقط للمرور الى الرتب الكهنوتية، الأول مكاتب امن الدولة، والثاني مكاتب أصحاب المال الحرام فى مصر، واستطيع وإياكم ان احصر أسمائهم، دون ادني تفريط فى ساحة النخبة الإعلامية العفنة للكهنة الحاليين، وغالبا ما يتقاطع الطريقين لاختيار هؤلاء الكهنة، والذي لا يتجاوز عددهم المائة شخص، لينتج لنا فى النهاية حفنة من أسوأ ما أنجبت صاحبة الجلالة، بل لنقل من أسوأ من أنجبت مصر، يتحكمون فى كل شئ، طبقا لقانون واحد لا يتغير، مفاده انه لن ينجو احد من جيلكم دون تقديم فروض العهر، الفكري، والسياسي، بل والجسدي –أحيانا- لهؤلاء الكهنة الذى تم صناعتهم، واختيارهم فى أقذر وأحقر غرف النجاسة الوطنية.
لم يرحم احد أحلام جيل كامل ضاعت سدى، بل لم يلتفت احد لصرخات أطفالهم الجوعى فى رحلة البحث عن هوية فعل الكتابة، لقد كان ولازال كهنة الإعلام فى مصر، هم نبت شيطاني تاجر بأحلام وطن بكامله، فسحقت رقاب جيل كامل من شباب الصحفيين الذين شيخهم محنة الكهنوت فى عز شبابهم.
الغريب ان احد لم يلتفت الى ان صناعة كهنة الإعلام، تم بمعرفة رتب كهنوتية اكبر، داخل الجسد الوطني المريض، فليس ضباط امن الدولة غير شكل من أشكال الكهنة للسلطة فى مصر، فى نفس التوقيت الذى لا يعرف احد ماهية الأموال الحرام التى تدفقت من كل حدب وصوب، لتصنع كهنوت إعلامي جديد، يسوق الوطن نحو هاويته، فليس أصحاب رؤوس الأموال فى الفضائيات الخاصة، والصحف الخاصة، غير واجهة لأموال.. اتحدي ان كانت الدولة المصرية، بكل أجهزتها تستطيع الجزم بماهية وهوية تلك الأموال، والتى تهدر مع كل شروق شمس فى غرف الطباعة، او خلف الكاميرات فى مدينة الإنتاج الإعلامي.
هم يا سادة جزئ من كهنوت اكبر شارك بمنتهى العنف فى سحق هامتنا، لينتهي ذلك الجيل الى لا شئ غير أحلام ضائعة وبطون جائعة، ليصبح الهدف فى النهاية ليس قتل جيل من أصحاب الكلمة فحسب، بل اغتيال وطن بكامله، أصبحت عقول شعبه فى يد حفنة من الكهنة، سواء تم صناعتهم فى الداخل، او حتى تم صناعتهم فى غرف المعلومات خارج الوطن.
نقلا عن روز اليوسف
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع