بقلم: يوسف سيدهم
كارثة احتراق سنترال العتبة الأسبوع الماضي-المعروف باسم سنترال الأوبرا-وتداعياته من الدمار والتلفيات التي لحقت بالمباني المجاورة وعلي رأسها وحدة مرور العتبة,ليست الأولي ولن تكون الأخيرة في مسلسل الحرائق التي تكبد اقتصاد هذا البلد ضربات تلو ضربات وتخلف خسائر جسيمة في المنشآت وفي البنية التحتية والمرافق…والأمر حتي الآن مرهون بتقرير النيابة والمعمل الجنائي لتحديد حجم الخسارة في وحدات سنترال الاتصالات وفي العناصر الإنشائية للمبني الذي يضمها,ناهيك عن الخسائر المحتملة في مرافق ومشتملات وملفات إدارة مرور العتبة الملاصفة للسنترال.وكلاهما سوف تكشف الأيام عن انعكاس الخسائر التي لحقت بهما علي معاناة المواطنين سواء في انقطاع أو تضرر خطوط الاتصالات أو في تلف وضياع الأوراق الرسمية للسيارات المسجلة في مرور العتبة…علما بأن المضحك المبكي في مثل هذه الحالات أننا نكتشف أن مالم تدمره نيران الحريق تولت تدميره المياه المستخدمة في إطفاء ومكافحة الحريق!!!
وبغض النظر عما ستكشفه التحقيقات من أسباب اندلاع الحريق سواء كانت أسبابا هندسية أو فنية أو جنائية-أو حتي تخريبية إرهابية-فالنتيجة واحدة:إن مبانينا العامة ومرافقنا ومصانعنا تقف عارية من سائر وسائل الأمن والسلامة…تقف وكأنها قنابل موقوتة عرضة للانفجار في أي لحظة دون أنظمة حماية أو إنذار أو تدخل للحيلولة من وقوع كارثة مدمرة…وكأننا أمة مصابة بغيابة الوعي نعود عقب كل حريق وكل كارثة لنتحدث ذات الحديث ولنكرر نفس الكلام:هل المبني مجهز بأنظمة الإنذار ضد الحريق؟…هل المبني مزود بوسائل فعالة للتعامل مع الحريق فور رصد بوادر اشتعاله؟…هل المبني به صناديق إطفاء الحريق وخزانات المياه المخصصة لخدمة شبكة إطفاء الحريق؟…هل إدارة الأمن الصناعي بالمبني تضم الكوادر المدربة علي رصد الحريق والتدخل الفوري للتعامل معه وتقوم بالتفتيش الدوري علي جميع عناصر شبكات الإنذار والإطفاء كما تقوم بإجراء التجارب الدورية لاختبار كفاءة النظام والعاملين فيه بإطلاق إنذارات خادعة دون وجود حريق حقيقي لتقييم جميع وسائل الأمن الصناعي بما في ذلك سرعة تأمين المبني وحصر الحريق للحيلولة دون امتداده أو اتساعه وخروجه عن حدود السيطرة,وبما في ذلك أيضا اختبار أساليب إخلاء المبني من شاغليه والمترددين عليه بسرعة توجيههم إلي مخارج الطوارئ وسلالم الهروب دون ذعر أو ارتباك أو تدافع أو إصابات؟…وفوق كل ذلك هل هناك دراسة علمية لمشتملات المبني الإنشائية والمعمارية والمواد المستخدمة في تنسيقه وديكوراته علاوة علي ما يضمه من شبكات وتجهيزات,لتحديد المواد المناسبة لإطفاء الحريق حتي لا تدمر أو تتلف المبني ومحتوياته بدعوي إطفاء النيران؟…وفي مبني مهم جدا مثل سنترال الأوبرا هل هناك نظام مزودبه المبني وطوابقه لعزل كل قطاع من قطاعاته أو كل دور من أدواره فور اندلاع حريق بإحكام إغلاقه بأبواب أتوماتيكية مقاومة للنيران حتي لا ينتشر الحريق؟
كل الأسئلة السابقة إجابتها حتما هيلا لأن الإجابة إن كانت نعم كان السيناريو الكارثي الذي حدث في مبني السنترال سيتبدل…سيخضع الحريق فورا وقبل انتشاره أو خروجه عن نطاق السيطرة للرصد وللتعامل في إطفائه وتأمين عناصر المبني ومرافقه ومشتملاته والعاملين فيه والمترددين عليه من أيه أضرار…ولم يكن من الضروري أبدا اللجوء لاستدعاء سيارات الإطفاء ولم نكن لنقرأ المسير المأساوي الذي اعتدناه في جميع الحرائق التي سبقت سنترال الأوبرا-وجميع الحرائق التي سوف تعقبه طالما نستمر في حالة الغيبوبة التي نحن عليها-ففي حالتنا جاءت الأنباء بالآتي:احتراق أربعة طوابق بالكامل وحدوث تلفيات وخسائر جسيمة بالمبني ومحتوياته(!!)…استمرت سيارات الإطفاء في مكافحة الحريق لمدة عشر ساعات متواصلة (!!) …تعطل معاينة المبني لحين انتهاء أعمال تبريده لتكرار اشتعال النيران بسبب حرارة الجو(!!)…معاينة آثار الحريق لبيان كيفية حدوثه وتحديد نقطة بدايته ونطاق امتداده(!!)…انتداب لجنة من أساتذة كلية الهندسة لمعاينة المبني ومدي تأثره من جراء الحريق(!!)..معاينة وحدة مرور العتبة ومبني شرطة النجدة الملاصقين للسنترال للوقوف علي مدي تضررهما من الحريق(!!)…كل تلك التصريحات لاتمثل إلا سيناريو كارثيا متكررا اعتاد الموطنون سماعه عقب كل حريق,بينما المتخصصون والمهندسون مصابون بالحنق والهلع لأنهم يعلمون أن الكارثة الحقيقية تكمن في غياب الوعي والإدارة وعدم تفعيل معايير المساءلة والحساب للمسئولين الجاثمين علي رأس المرفق المعرض للكارثة.
إذا كنا نقول لايلدغ المؤمن من جحر مرتين بمعني أن من تصيبه مصيبة سوف يعي أسبابها ويحصن نفسه ضد عدم تكرارها,بالنظر إلي المسلسلات البغيضة المتكررة للكوارث التي تحل علينا وعلي رأسها حرائق المباني لعله من الأوفق أن نقوللايلدغ المؤمن من جحر ألف مرة!!!!