المناهج صعبة.. والامتحانات مقرفة.. والمصححون ظلمة.. أعمل إيه؟ ذلك هو لسان حال أى تلميذ بليد يخفق فى الامتحان، تجده يعلق الفشل على أسباب من خارجه، ويندر أن يعترف بأى أسباب ذاتية أدت إلى فشله؛ كالإهمال فى المذاكرة، أو عدم التركيز فى الإجابات، وعدم مراعاة المعايير المطلوبة فى الأداء الذى يؤدى إلى النجاح. ذلك ديدن «البُلدة» فى كل زمان ومكان. أقول هذا الكلام بمناسبة ذلك الهجوم الذى شنه المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، على الإعلام المصرى، وتحميله مسئولية تراجع السياحة فى محافظتى الأقصر وأسوان، وتأكيده أن معدلات السياحة انخفضت «بسبب ما تنشره وسائل الإعلام المصرية سواء بالغلط، أو بعدم فهم لطبيعة المنطقة»، مشدداً على أنه يجب على كل مواطن أن يقود حملة لتنشيط السياحة بالأقصر.
التعميم آفة العقل البشرى.. لست أدرى عن أى «إعلام» يتحدث «محلب»، إننى أستطيع أن أسلم بأن بعض القنوات التليفزيونية الإخوانية تركز على التفجيرات والأحداث الإرهابية التى تشهدها مصر لتخاطب بها الخارج، وتحاول إقناعه بأن السلطة الحالية غير قادرة على السيطرة، كجزء من الصراع معها، لكن أن يدمغ «محلب» الإعلام المصرى كله بهذه الصفة، فهذا ما لا يصدقه عقل، خصوصاً أن مئات القنوات الفضائية المصرية والمتعاطفة مع مصر والسابحة فى الفضاء الكونى تستنسخ أكثر تجارب الإعلام الاشتراكى رداءة، وتعيدنا إلى خطاب إعلامى يمكن وصفه بخطاب «المحفوظات»، استرجاعاً لفكرة «كتاب المحفوظات» الذى كان مقرراً على تلاميذ المدارس خلال فترة الستينات!. ومؤكد أن المهندس «محلب» يعلم أن موضوع النشر الإعلامى عن الإرهاب قد تم حسمه بعد تصديق رئيس الجمهورية على قانون مكافحة الإرهاب، الذى يمنع أى إعلامى من اللجوء إلى مصادر أخرى غير البيانات العسكرية والأمنية الصادرة عن الجهات الرسمية، عند تغطية الأحداث الإرهابية، الأمر الذى يعنى أن الصحف ستتحول رسمياً -فيما يتعلق بتغطية أحداث الإرهاب- إلى مجرد نشرات حكومية، وستتحول قنوات التليفزيون إلى مجرد ببغاوات فضائية من العصر الحجرى!.
هذه الحكومة «بليدة»، لا تختلف عن ذلك التلميذ «الخايب» الذى يعلق فشله على شماعة الآخرين، رافضاً اتهام نفسه، فهى لا ترى نفسها مقصرة فى التعامل مع قضية ضعف التدفق السياحى إلى مصر، فالوزارة المعنية والحكومة تقومان بالواجب وزيادة من أجل مضاعفة عدد السائحين الوافدين إلى مصر، لكن الإعلام «الوِحش» هو الذى يهدر جهودها. يقفز رئيس الوزراء مثلاً على عجز مكاتب الإعلام الخارجى التابعة للهيئة العامة للاستعلامات عن القيام بدور مذكور فى شرح وتوضيح حقيقة الأوضاع فى مصر، وضعف دور آلة الخارجية المصرية فى تعديل أوضاع ومواقف الدول التى تتحفظ على نظام الحكم الحالى، لا يلتفت رئيس الوزراء أيضاً إلى التأثيرات السلبية لبعض القوانين التى تصدر ويتم التصديق عليها، وتسىء إلى مصر أبلغ الإساءة بمجرد أن يعلن ذلك. قانون مكافحة الإرهاب واحد من هذه القوانين، فما معنى أن تصدر قانوناً لمكافحة الإرهاب، إلا اعتراف رسمى بأنك تعانى من الإرهاب، ولا تمثل دولة آمنة كما تزعم؟! لقد صدّقت السلطة على هذا القانون رغم أن لديها فى قانون العقوبات ما يكفى لمواجهة من يكيد لها!. على الحكومة قبل أن تنظر إلى القذى فى عين الإعلام أن تستخرج الخشبة التى فى عينيها!.
نقلا عن الوطن