(1)
وصف مصر والعالم ليس «رفاهية». إنه ضرورة. فلا سبيل للتقدم ما لم يكن لدينا «نص شامل وتفصيلى» عن «أنفسنا» وعن «الآخرين». نص شامل: جامع وموسوعى، شارح لمسيرة مصر التاريخية بنجاحاتها وإخفاقاتها، ولمواردها البشرية والطبيعية، ولفولكلورها وثقافاتها، وأهم عقولها ومساهماتهم المعرفية والإبداعية المتنوعة، لملامح الموقع والموضع، لتطورها البنيوى والمؤسسى، لمسارها الاقتصادى فى ظل أنظمة حكم وطنية ووافدة كان لكل منها نظامها الاقتصادى، وتراثها المعمارى والفنى، والحضارى/ الثقافى، كيف أسس العقل المصرى مدارس قومية فى شتى المجالات فى: القانون والهندسة والموسيقى والفن التشكيلى.. إلخ. وفى المقابل لابد من وضع نص شامل: جامع وموسوعى؛ عن جديد العالم الذى سبقنا بما لا يقل عن خمس موجات معرفية وهو ما يمكن أن نخصص له مقالا لاحقا...
(2)
قد يقول قائل إن هناك جهودا بذلت فى إعداد بحوث متنوعة فى شتى المجالات من خلال «المجالس القومية المتخصصة»، أو غيرها من الجهات، فإننى أظن أن الحاجة ماسة لتجديد هذه الدراسات ووضعها فى «نص شامل وموحد»، على غرار ما فعلته الحملة الفرنسية من خلال عملها الموسوعى: «وصف مصر»، ترجمة العظيم الراحل زهير الشايب. أو ما أنجزه على مبارك من خلال العمل الموسوعى الوطنى: «الخطط التوفيقية»...
(3)
ففى وصف مصر التاريخى نجده يتحدث عن: ملامح الطقس فى مصر، وعن السكان وعادات وتقاليد المصريين، وعن الإنسان المصرى فى سنوات عمره الأولى، الطفولة والتربية، وكذلك الفنون والعلوم والآداب، وعن خصوبة المرأة ونظام الرضاعة، وعادة الختان، والتعليم الأولى، والأدب والشعر. وينتقل إلى الإنسان المصرى فى طور الرجولة والعادات المدنية والأسرية. وفى طور الشيخوخة. ويسجل الجنازات وشكل المقابر والمقاهى. والنظم المتبعة والمؤسسات القائمة. وعن القضاء وهياكله. والحقوق المدنية، كما يدرس دراسة تفصيلية لبعض الأماكن. كما يسجل تفاصيل القبائل العربية التى وفدت إلى مصر وتوزعها الجغرافى وفى ماذا عملت، كما امتد الوصف إلى النظام المالى والإدارى لمصر الدولة، وللموازين والنقود المعمول بها. ولفن الغناء والموسيقى السائد عند قدماء المصريين والمحدثين منهم، بالإضافة إلى دراسة مدينتى القاهرة والإسكندرية معماريا وطبوغرافيا، بالإضافة إلى مدن وأقاليم مصر: شرق وعمق وغرب الدلتا، مع دراسة تفصيلية لبحيرات مصر، وحدودها، وكذلك للفروع القديمة لنهر النيل، كما خصصت الموسوعة مجلدا كاملا لآثار مصر الفرعونية فى شتى جهات القطر كذلك المخطوطات والآثار الفلكية المكتشفة فى مصر، والنقوش فى المعابد، وهندسيات المعابد والقصور، والمسلات، والحمامات، والمدرجات، والأعمدة، والقواس، والمحاجر، وتجويفات الجبال، والمساجد، والديرة،. ولما للأقصر من أهمية خاصة تم تخصيص مجلد لوصف آثار مدينة طيبة العريقة والمعروفة «بالأقصر». ودرس الوصف بعض الموضوعات الخاصة جدا مثل: معنى ودلالة العلامات الرقمية عند قدماء المصريين، فك شفرة اللغة الهيروغليفية،...، إلخ.
(4)
لم يقف الأمر عند رسم الخطوط العامة فقط. وإنما تطرقت موسوعة وصف مصر إلى رسم التفاصيل فى شتى المجالات: التجارة والصناعة والزراعة منذ العصور القديمة حتى ذاك الوقت. ففى مجال الزراعة نجد الوصف يرسم أوضاع الزراعة المصرية تفصيلا من حيث: حالة ومساحة الأرض القابلة للزراعة، أعمال الرى، الوسائل الصناعية للرى، الأدوات الزراعية المستخدمة، المقاييس الزراعية، والمكاييل المعمول بها وكيف تتم إدارة القرى المصرية، كما يعرف الوصف بالمحاصيل الزراعية التى تتم زراعتها وتوزيعها فى ربوع مصر وعن الحيوانات التى تتم تربيتها، كما يتطرق الوصف لأنواع الملكية وكيفية تحصيل الرسوم... أما عن الصناعة فإن الوصف لم يترك صناعة إلا ووصف حالها وأوضاعها، فعرض لصناعات: الأوانى الفخارية، ولبنات البناء النيئة والمحروقة، والمنسوجات القطنية والكتانية، ومختلف أنواع الأقمشة، والحصر، والزيوت المختلفة، والخل والنبيذ، وتقطير ماء الورد، والسكر، وملح النشادر، ومعامل إفراخ البيض، والملح البحرى، وملح البارود.. إلخ.
(5)
شمل الوصف العديد من الدراسات المتخصصة ذات الطابع الفكرى والتاريخى مثل: كتابات المؤرخين حول مصر، والفترات التاريخية التى شهدتها مصر ووضع الملاحظات البحثية حولها. كذلك دراسات مقارنة حول: الحالة القديمة والحديثة لمصر، ونسب ومعدلات الإنتاج والاستهلاك للمصريين. كما حاولت الدراسة الشاملة الإجابة عن بعض الأسئلة الهامة والكبيرة مثل: لماذا بنى المصريون الهرم؟، ونظام الحكم فى مصر وتطوره، وطبيعة تقسيم العمل فى مصر، والنظم الضريبية، وكل ما يتعلق بالنيل من حيث: المقياس وتاريخه، وتاريخ وجغرافيا وادى النيل، وأسماء النيل، ومنابعه، ومجراه،.. إلخ. ونظام نهر النيل من حيث: حجمه، وانحداره، وسرعة مياهه، ومدة بقاء المياه مرتفعة أو منخفضة، وثبات قاعه وضفافه وفقا لدرجة ونشاط التيار الذى يقوم بنحتها خلال الفيضانات القوية العرضية أو الموسمية، ونوعية الرواسب التى ينتجها.. إلخ.
(6)
فى المجمل، قدم «وصف مصر» نصا شاملا حول مصر. وعلى نفس النهج سار على مبارك فى منتصف القرن الثامن عشر، من خلال الأجزاء العشرين لموسوعته الوطنية، التى أسس بها وصفا مصريا/«بأيدينا» لمصر/«عننا»، مثل قاعدة معرفية تفصيلية عن مصر لا غنى عنها فى أى انطلاق نحو المستقبل... ونواصل...
نقلا عن المصري اليوم