مينا ملاك عازر
كنت أنتوي ألا أكتب عن الحياة الشخصية لمسؤول عام، بعد أن قامت في مصر ثورة، وتعزز ذلك لدي عندما قامت الثورة الثانية، في الثورة الأولى لم أكن أرى من يستحق الخوض في تهنئته بعيد ميلاده مثلاً ولا تعزيته في غالي بعد اشتراكهم في قتل مصر أمنا كلنا، وفي ما بعد الثورة الثانية كنت أرى أن كبار الحكام والمسؤولين علينا أن نحميهم من وصلات الإطراء والمديح المفسدة للكروم الطيبة، وعندما جاءني خبر فراق والدة الرئيس السيسي للحياة، أمسكت نفسي وقررت ألا أكتب عن هذا الحدث الجلل، الحدث الشخصي في حياة الرئيس، وكنت أتأهب للكتابة عن أمور أخرى ككلمته التي قالها في الندوة التثقيفية، وهي عامرة بما يستحق التعليق مدحاً أو قدحاً، ولكنني سرعان ما عدلت عن ذلك لإدراكي أمراً هاماً ألا وهو عظم الخطب، وعمق الألم على الإنسان لفراق أمه مهما كانت شخصيته قوية ومهما كان منصبه عالي، وما جعلني أعقد العزم لأكتب عن ذلك الحدث المؤلم للرئيس موقف الرئيس من رفضه التعازي في وسائل الإعلام بأموال مكلفة وإلى هنا ترى الأمر عادي، أما أن يعمم الرئيس الخاص بعد سنوات اعتدنا فيها تخصيص العام ودفع من يريدوا تعزيته لوضع أموال العزاء في صندوق تحيا مصر هو كان بالنسبة لي العاصفة التي تدفعني لأن أواسي رجل يستحق المواساة لأن الخطب عظيم لا شك في ذلك.
رحلت أم الرئيس السيسي التي غرست فيه قيم حب الوطن والاعتدال، وحب الجميع دون تفرقة ودون النظر لخانة الدين أو خانة النوع، علمته العدل وحب الحق والبذل والتضحية والفداء لأجل الوطن، وما كان لأحد سوى الأم أن يعلم تلك القيم السامية، وإن علمها له الأب مع أمه فيشكر الأب الذي اختار لأبنائه أماً صالحة قبلما يختار لنفسه زوجة جميلة، واختيار الأب لشريكة الحياة اختيار مصيري ليس له فقط وإنما لأبنائه، وقد أحسن الأب الاختيار وقد أحسنت الأم التربية، فشكراً لها لما قدمته لمصر من هدية ثمينة، ورجل كريم وإنسان عظيم.
قد أختلف مع السيسي في بعض أمور لكن لا أستطع إلا أن أنحني لكرمه وفرط حبه للوطن حين يأمر بتوجيه أموال العزاء لصندوق تحيا مصر، فلتحيا مصر وليموت أعدائها، ولتبقى أم الرئيس السيسي مثلها ككل أم مصرية في قلوب أبنائها مهما رحلت وابتعدت عنه، وما أقسى رحيل الأم فلا يطيقه أحد ولا يتحمله أحد، وربنا يحفظ الجميع من شعور رحيل الأم وفراقها، فلا طاقة لأحد أن يتحمله.
ليس تملقاً مني للرئيس، الكتابة في أمر شخصي له، ولا رغبة مني أن أساير الواقع إنما هي الحقيقة وعلي أن أقولها، كما أن في هذا الحدث المؤلم فرصة لا تفوت لأشكر الله على أنه أعطاني أماً رائعة وأدعوه أن يحفظها لي إلى الأبد ولا يريني فيها مكروه.
المختصر المفيد يظل الرجل طفلاً , حتى تموت أمه , فإذا ماتت ، شاخ فجأة.