بقلم - القس بيسنتي جرجس
قرأت مقالك الذى ينتقد ظاهرة نضح الزيت من بعض الأيقونات القبطية ، وينتقد إيمان الأقباط وإعتقادهم بالشفاء الإعجازى للزيت ، وقارنت - سيادتكم - بين الظاهرة والإعتقاد بظاهرة أخرى وإعتقاد فى إعجازية ( بول البعير ) والشرب منه ..
إسمح لى يا سيدى أولاً أن أعتذر عن الحديث عن ( بول البعير ) والخوض فيما أظنه لا يعنينى ، كمسيحى ، فلست من هواة إقتحام عقائد الآخرين طالما لا تضرنى ولا تقترب من إيمانى ، ولكنى أعتب علي سيادتكم فقط عقد المقارنة لتثبت حجتك على طريقة ما إخترعه الرئيس المُغتال ( أنور السادات ) كلما أراد مداعبة الإسلاميين المتطرفين ومغازلتهم ، فيتبع سياسة ( الموازنات ) الخبيثة مدعياً التطرف والإرهاب ( من الطرفين ) .. !!!
وبغض النظر عن تصديقى لإدعاء نضح الأيقونات من عدمه فدعنى أركز - عزيزى - على إعتقادنا وعقيدتنا فى الزيت المقدس ، ليس كعقيدة فحسب ، بل إيمان إنجيلى ووصية أيضاً ..
الرشم ( أو الدهن ) بالزيت هو أول ممارسة طقسية مارسها يعقوب أبو الأسباط لتدشين المذبح بعد رؤيته الشهيرة للسلم يصل الأرض بالسماء ( وصب زيتاً ودعا إسم ذلك المكان بيت إيل - تك ٢٨ ) ، وعلى هذا المنوال لازالت الكنائس والمذابح تُدشن بالرشم بالزيت المقدس ..
والرشم ( أى المسح ) بالزيت هو الطقس الذى كان يُمارس لإقامة الملوك والأنبياء والكهنة فى العهد القديم حسب وصية الكتاب المقدس وكلمة الله ، لهذا دعوا بمسحاء الرب ( مز ١٠٥: ٥ ) ، وحتى لا أخوض فى تفاصيل قد لا تهم القاريء العادى أكتفى بالقول أن السيد المسيح - له المجد - دعى بهذا الإسم كونه ( المسيا ) ، أى الممسوح ، النذير والمقدس للرب ، ففى شخصه الإلهى نرى رئيس الكهنة وملك الملوك وتتحقق كل النبوات ..
والزيت النقى من بذار الزيتون يشير إلى النقاء فى شفافيته ، وهو مصدر الإنارة والإستنارة فى مصابيح العذارى بطقس العهد القديم ولا يزال وإلى وقت قريب يستخدم لذات الغرض ، وزيت الزيتون سريع الإنتشار برائحته النفاذة خاصة وإن أُضيفت إليه الأطياب بحسب طقس سفر اللاويين ، وكما أشار سفر نشيد الأناشيد أيضاً ( كم رائحة أطيابك أطيب من كل الأطياب - نش ٤ : ١٠ ) .. وبالنقاء ، والإنارة والإستنارة ، والرائحة الطيبة ، فى ثلاثتهم مع رمزية السلام فى شجر الزيتون وزيته نرى بوضوح رمزية ( الروح القدس ) ، روح السلام والنقاء والإستنارة ..
السيد المسيح مارس الشفاء ، بل وإقامة الموتى بوضع اليد واللمس والكلمة ، ومعجزاته - له المجد - يؤمن بها المسيحى وغير المسيحى على السواء ، هذا حق لا شك فيه ، وقد أعطى السلطان للآباء الرسل ولمن له الموهبة ، وواضح أن تلاميذ الرب والآباء الرسل قد مارسوا الطقس فعلاً ( دهنوا بزيت مرضى كثيرين فشفوهم - مر ٦ : ١٣ ) ، ولهذا أوصى الرسول يعقوب فى رسالته الشهيرة : ( أمريض أحد بينكم ؟ فليدع قسوس الكنيسة فيصلوا عليه ويدهنوه بالزيت ، وصلاة الإيمان تشفى المرضى - يع ٥ : ١٣ و ١٤ ) ..
وبهذا نرى أن الطقس والإعتقاد هو وصية إنجيلية ، وليس إعتقاداً فلكلورياً شعباوياً ، وهو ممارسة إيمان وليس ( تعويذة ) ، أو إختراع ونتاج خرافات ـ لا سمح الله .. !!
ولا يتعارض هذا مع العلم إطلاقاً - سيدى الدكتور خالد - فكاتب هذه الكلمات لسيادتكم طبيب درس الطب ومارسه ، وهو كاهن أيضاً يمارس الدهن بالزيت ويوصى المريض بمتابعة العلاج والإنصياع لأوامر الطبيب ، فالسيد المسيح - له المجد - والذى نخدمه لم ينكر الطب ولم يحتقر العلم والعلماء ( حاشا ) ، فهو صاحب القول الشهير ( لا يحتاج الأقوياء إلى طبيب بل المرضى ) ، وفى مثل السامرى الصالح يذكر لنا بإستفاضة وصية السامرى لصاحب الفندق كيف يعتنى بالمريض المصاب ويضمد جروحه ( لو ١٠ ) .. ممارستنا الصلاة تسند الطب لا تعارضه ، وإيماننا بالمعجزات إضافة تؤكد أن الطب يحتاج الإيمان ، ألا تطلب أنت سيدى الطبيب العون من الله وتوفيقه وإرشاده فى تشخيص حالات مرضاك وعلاجهم ؟
أنهى حديثى - سيدى - مشيراً أن ليس بين المسيحيين متطرفين ، وإن تطرفوا فى إعتقادهم فهذا الإعتقاد لن يضر أحداً أبداً ، فهم مسالمون لا عنف فى عقيدتهم ولا ضرر فى زيتهم أو بخورهم أو صلواتهم ، الزيت لا يقارن ببول البعير أبداً ، وكم يسيء إلى مشاعرنا أن ننعت بالتطرف وسيادتكم الأقدر على التمييز وتعرف من هم المتطرفون ومن هم ضد العلم والعلماء ، لا أنفى وجود بعض حالات الجهل والأمية بين البسطاء ، هذا أمر طبيعى فى مجتمع به نسبة عالية من الأمية والفقر والمرض ، ولكنهم يحتاجون إرشادنا لا مهاجمتهم فى عقيده تدعو وتصلى من أجل خير بلادهم ورفعتها ، والتاريخ يشهد معى ولا ينكر ..
أشكركم سيدى الفاضل على سعة صدركم ، وأشكر فكرك الواعى ومقالاتك الكثيرة التى طالما تمتعت بها وتعلمت منها .. مع إحترامى ومودتى ومحبتى ..