الاثنين ١٧ اغسطس ٢٠١٥ -
١٤:
٠٩ ص +02:00 EET
بقلم منير بشاى
ليست من عادتى ان اتعرض فيما اكتب لمناقشة الأمور ذات الطابع الشخصى، الا فيما ندر. ولكننى اليوم أخرج عن هذه العادة لأن الموضوع أكبر واهم من ان احتفظ به لنفسى.
يوم 22 اغسطس 2015 يوافق العيد الخمسين لزواجنا انا ورفيقة عمرى مارى بشاى. وهى علامة هامة على طريق حياتنا لم أكن اتصور اننى ساعيش لأراها. فمع ان قلمى كتب ما يزيد عن الف مقال ولكنه يقف اليوم عاجزا عن التعبير عن مدى شكرى لله ازاء احساناته الكثيرة، وعلى راسها توفيقه فى اعظم حدث فى حياتى وهو اختيار شريكة الحياة. وهذه المناسبة تعطينى الفرصة لاعبر عن بعض دينى للانسانة التى شاركتنى هذه الرحلة، وكانت لى خلالها نعم الرفيق وخير المعين.
قبل خمسة عقود عندما أدركت ان الوقت قد حان للبحث عن نصفى الحلو، لم يكن الأمر امامى سهلا. لم اكن اعرف من اين ابدأ أو الى اين انتهى، خاصة انه لم تكن لى دراية بعالم المرأة. كنت اصغر اخوتى وكنا خمسة من الذكور، ولم نحظ باخت يمكننى ان استعين بارشادها فى هذه الخطوة من حياتى.
وما زاد احساسى بالتخوف ملاحظتى لبعض الاسر التى لم تكن موفقة فى الزواج. واذكر اننى طلبت معونة الله لقيادتى فى الاختيار السليم. ولم اكن اعرف ان نصفى الحلو الذى كنت ابحث عنه لم يكن بعيدا عنى. وعندما تجرأت واتخذت الخطوة نحو الارتباط لم اندم عليها مرة واحدة فى حياتى.
بعد ذلك دعيت ذات مرة للاشتراك فى ندوة عن عادات الزواج فى الدول المختلفة. تكلم كل واحد عن بلده وتكلمت انا عن ما يحدث فى المجتمع القبطى. وبعد الكلام وجهت لى احدى الحاضرات الافريقيات سؤالا عن ما اذا كانت اسرة العريس عندنا تدفع مهرا لأب العروس. فقلت مبتسما اننا لا ندفع مهرا، وأضفت اننا نحصل على نسائنا بالمجان! ولكن لئلا يساء فهمى اضفت أن مال الدنيا لا يمكن ان يضاهى قيمة امرأة فاضلة. ولم تكن هذه العبارة التى قلتها بعفوية بعيدة عن الحقيقة.
وتذكرت كيف ان سليمان الحكيم حاول ان يضع ثمنا للمرأة الفاضلة فلم يستطع. وانتهى سليمان اخيرا الى القول ان ثمنها يفوق اللالىء (الياقوت) أمثل 31: 10 فلو كان مطلوبا من الرجل ان يدفع ما يوازى قيمة المراة الفاضلة فما وجد من بين المقبلين على الزواج من يمتلك تلك الثروة. حتى سليمان مع انه كان يملك القدر الكثير من اللالىْء ولكن يبدو ان كل لالىء سليمان لم تمكنه من الحصول على المرأة الفاضلة مع انه حاول 1000 مرة. فالمعروف عن سليمان انه كانت له 700 من الزوجات و 300 من السرارى ولكنه لم يقل لنا ان من بين هؤلاء قد وجد المرأة الفاضلة التى كتب عنها.
ولكننى، ودون الحاجة الى اللآلىء، التى لم اكن امتلكها، قد وجدت تلك المرأة الفاضلة ومن اول محاولة. وقد كانت فعلا فاضلة فى كل شىء. كانت هى الابنة الفاضلة - والاخت الفاضلة – وبعد ان انتقلت لبيت الزوجية اصبحت الزوجة الفاضلة - والام الفاضلة – والجدة الفاضلة.
لا اكاد اصدق ان نصف قرن من الزمان قد مر بهذه السرعة. نعم لم تكن الرحلة دائما مفروشة بالورود، فقد كان لنا نصيبنا من التحديات. ولم يكن الطريق دائما معبدا سهلا، فقد كانت هناك مرتفعات تاخذنا الى قمم الجبال ومنخفضات تهبط بنا أحيانا الى اسفل الوادى. ولكن وجود مارى الى جانبى جعل اوقات الرحلة السعيدة اكثر سعادة واوقات الالم اقل وأقصر.
اعتبر سليمان المرأة الفاضلة اكثر قيمة من اللالىء (الياقوت)، وقال متسائلا "من يجدها؟". وشكك سقراط فى امكانية الحصول على الزوجة الصالحة، فقال لتلميذه "تزوج يا بني فإنك إن رزقت بإمرأة صالحة أصبحت سعيدا، وإن كانت شريرة صرت فيلسوفآ". ولكننى وجدت المرأة الفاضلة التى عجزت لآلىء سليمان عن ان تشتريها. ووفقت فى الزوجة الصالحة التى فشل سقراط فى الحصول عليها فتحول الى فيلسوف. فمع اننى لا امتلك ثروة سليمان او فلسفة سقراط، ولكن يكفينى ان اكون مجرد كاتب متواضع، بينما أجد الى جانبى من ملأ حياتى وبيتنا بهجة وسلاما على مدى خمسين عاما.
ترجمت كلمات سليمان عن "اللآلئ" فى بعض اللغات بأنها "الياقوت". وعن نفسى فرغم ان الاحجار الكريمة لا تستهوينى كثيرا، ولكننى اعترف ان لى ولعا بالياقوت لا استطيع تفسيره. فى وقت من الاوقات كان الياقوت يفوق امكانياتى المالية، ثم جاء وقت اصبح فى مقدورى ان اقدم لشريكة حياتى المجوهرات المغشاة بالياقوت. ولكننى اعترف ان ياقوتتى الحقيقية مارى بشاى أجمل واكثر قيمة.
Mounir.bishay@sbcglobal.net